على حافة الجرف العالي

على حافة الجرف العالي

المغرب اليوم -

على حافة الجرف العالي

بقلم : لمرابط مبارك

من خاصيات ما جرى ويجري في الحسيمة ونواحيها، أنه يجعلني أعيش شخصيا كل الأحاسيس المتناقضة في الآن نفسه تقريبا.

أولا، يعتريني خوف ثقيل يطوقني مثل سماء خفيضة تكاد تهوي عليّ. فهناك في الحسيمة، وهنا، وهنالك في مناطق من هذا البراح الواسع، والممتد من البحر شمالا وغربا إلى الصحراء شرقا وجنوبا، أحس أن المغرب، الذي يسكنني وأسكنه بكل مزاياه ومساوئه، يسير على حافة جرف عال يطل على هاوية سحيقة لا أتبين آخرها مهما دققت النظر. وأخشى أن يفقد توازنه الهش جدا، فيتهاوى ونتهاوى معه في بحر لا يعلم أحد لا لونه ولا قراره. ويخامرني ظن –لا يمكن أن يكون سوى شيطاني- ألا أحد يتقن العوم في أمواج الانفلات الأمني إن حدث، ولا أحد يقدر على لملمة حممه مهما ادعى المدعون. فالمجتمع المغربي الذي لم يرتق بعد إلى مرتبة المواطنة، مازالت تحكمه، من خلف مظاهر العصرنة الخادعة، العشيرة والقبيلة، والإثنية، والدين. وهذه كلها تنتعش، مثل فيروسات كامنة، عندما تشتد الأزمات بخناق أي مجتمع، فما بالك بمجتمعنا الهش الذي يجد صعوبة جمة في تدبير تناقضاته.

يعتريني ذلك الخوف الثقيل، أيضا، وأنا أرى السلطة المرتبكة الحائرة ليس لها من همٍّ سوى الحفاظ بأي ثمن على “هيبة” ترى أنها رهينة بالإبقاء على الكائنات المغربية تحت الضغط والقهر، وليس في الإنصات إليهم والعمل على تلبية مطالبهم البسيطة (ما تيسر من كرامة وحرية وعدالة اجتماعية)، وهذا هو دورها مبدئيا. فتسارع إلى الجارور الأمني وإخراج تلك الوصفات الساذجة التي تقوم على استعراض العضلات الأمنية والتعنيف والمحاكمات والتخويف من “الفتنة”. وصفات تمنح هذه السلطة وهم الفعالية تماما كما تمنح خلطات الدجالين للمرأة الضعيفة وهم التحكم في زوجها بينما هي تسممه، جهلا أو عمدا.

ثانيا، يغمرني أمل دافئ ينبئني بقرب حدوث تحول حقيقي في علاقة المغربي الهش والأعزل، مع تلك السلطة المهيمنة التي تنظر إليه من فوق وتعتبره مجرد كائن ضئيل يسهل خنقه والتحكم فيه. وإذا ما “احتج” يحسن تجاهله، وفي أحسن الأحوال مراوغته بإرسال بعض من رجاله بربطات العنق للحديث إليه. وإن أمعن، فيتحتم التنكيل به حتى يعتبر ويتعظ.

بات جليا هناك في الحسيمة، وهنا وهناك في مناطق أخرى من هذا الامتداد الشاسع والمتنوع طبيعة وبشرا وثقافة، أن هذه السلطة لم تعد لها تلك السطوة، وصوتها/ سوطها لم يعد مخيفا كما كان؛ وأن الكائن المغربي الهش تسلح بشجاعة اليائس، وصار قادرا على تعديل كفة ميزان القوى. والوقوف أمامها لتذكيرها بدورها الأصلي، لتذكيرها بأن بمهمتها هي خدمته وليس ترهيبه.. وأن خدمته هي السبيل لفرض هيبتها وليس تجاهله ومحاولات تخويفه.

إنه أمل أزرق يهمس لي بأن الحسيمة ليست سوى تلك الحنجرة التي تصدح بصوت الكائن المغربي في كل مناطق البلاد، وأن ما يجري هو الإرهاصات المتعثرة الأولى لميلاد الموطن المغربي من رحم الكائن المغربي.. المواطن المبادر، المواطن الذي يريد أن يصحح المعادلة التي تربطه بالسلطة دون الانزلاق إلى مستنقع الفوضى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على حافة الجرف العالي على حافة الجرف العالي



GMT 06:18 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

أسئلة في الرأس والقلب

GMT 06:30 2018 الإثنين ,19 شباط / فبراير

الجذوة لم تنطفئ كليا

GMT 03:57 2018 الأحد ,18 شباط / فبراير

الجذوة لم تنطفئ كليا

GMT 08:00 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

الفشل المزدوج

GMT 08:16 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

مجرد سراب

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 18:41 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

النادي القنيطري يحدد موعد جمعه العام نهاية الشهر الجاري

GMT 10:04 2017 الثلاثاء ,19 أيلول / سبتمبر

شاطئ كابوتاش ذو الرمال البيضاء في أنطاليا التركية

GMT 09:36 2016 الخميس ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ليدي غاغا تتألق في اللون الوردي أثناء ترويج ألبومها "جوان"

GMT 16:15 2016 الخميس ,13 تشرين الأول / أكتوبر

"نايل فاميلي" تعرض مسلسل "رياح الشرق" بعد خوضه سلسلة قضايا

GMT 10:48 2016 الأربعاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

جبل الأولداغ في تركيا من أفضل الأماكن لممارسة رياضة التزلج

GMT 09:42 2017 الجمعة ,10 شباط / فبراير

نيكول سابا تبدو مثيرة في أجدد جلسة تصوير لها

GMT 14:31 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة المستشارة البرلمانية فاطمة أيت موسى

GMT 11:50 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

"سيشيل" لؤلؤة المحيط الهندي تضم 115 جزيرة من الجرانيت والمرجان

GMT 09:04 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ريجيس دوبريه ينصح في كتابه الأخير نجله بألا يتبع مساره
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya