الــبــغل

الــبــغل!

المغرب اليوم -

الــبــغل

بقلم : رشيد مشقاقة

فجأة، اختفى البغل من مستودع المرفق العمومي، وانعقدت على إثر الواقعة خلية أزمة. استهلها رئيس الجلسة قائلا:
ـ “إن هذا البغل واحد منا، لا أحد ينكر الدور التاريخي الذي اضطلع به. إن سرقته تعني طمس تراث مرافقنا، فلابد من أخذ الأمر على محمل الجد”!
وبينما امتعض الحضور من تشبيههم بالبغال، عزف مُقرب من الرئيس على الوتر ذاته مُثنيا:
ـ “نعم، استغنينا عن خدمات البغل منذ مدة بعد شراء الإدارة لسيارات نقل، لكن لا أحد ينكر جميله. في أوروبا الشرقية يُكرمون البغال، ويقيمون لها التماثيل بالساحات العمومية، ولا تنسوا أن البغل هو رمز للتحمل والصبر، ولذلك يقال “بغل البلدية”. إنَّ استغناءنا عن البغل يعنى الاستغناء عن التاريخ”!
لمْ يَرُق هذا الكلام لِقُطب معارض فصاح مستنكرا: “هذا تبذير لا معنى له، كيف تصرف ميزانية علف البغل وحراسته وتطبيبه وإيوائه من عرق ومال الشعب والحال أنه متقاعد عن العمل ومستغنى عنه، إنه موظف شبَح! أين ترشيد النفقات”؟
لكن سرعان ما خفت صوته عندما همس زميل له في أذنه قائلا:
ـ “إنك تضيع هباء حظّكَ في التصويت عليك لاحقا، فالطبقة الشغيلة المرتبطة بهذا البغل سوف تثأر منك، فهناك الحارس وبائع العلف وموظفو الميزانية، وكُلهم يرتزقون من وجود البغل بالمرفق سواء عمل أم لم يعمل. ثم هل البغل وحده الموظف الشبح في هذه البلاد”؟!
“لا تنسى أن عدد البغال بالمرافق العمومية كثر، وتدخلك هذا سوف يقضي على مستقبلك التمثيلي”. لزم الرجل الصمت في الوقت الذي ارتفع صوت من القاعة زاعقا:
ـ “السيد الرئيس، السادة الحضور، سوق الجزارة الأسبوعي يعرف عملية إدماج لحم الحمير والبغال في لحم الغنم والماعز والبقر، وقد يكون الفاعل باعَهُ لأحد الجزارين، ولا تنسوا أيضا أن المشعوذين والسحرة يستعملون لسان الحمار والبغل في تطويع البني آدم. لابد من فتح تحقيق على مستوى النيابة العامة والشرطة”!
وتدخل مقرر الخلية متسائلا:
ـ “هل أكتب لسان البغل أو أضيف إليه حتى الحمار”!
لم يأبه بسؤاله أحد، بينما عقب عضو معارض قائلا:
ـ “يا سيدي، البغل الذي تتحدث عنه لا لحم به، هو مجرد عظام بالية بسبب الجوع والعطش والإهمال، في ماذا سيستفيد منه الجزارون؟ هل تعلم أنه بمناسبة استضافتنا لوفد أجنبي أجهز البغل المذكور على باقات الورود التي احتفظ بها بالمخزن، أما لسان البغل الذي جاء في كلمتك، فأعتقد أنه يحتفظ بطراوته ولحمه رغم الجوع والعطش، فلا استبعد وجاهة اقتراحك في هذا الشق”!
تناسلت الأسئلة والمداخلات من كل صوب، فمن قائل إن يد خفية كانت تؤجر البغل في حمل البضائع بمقابل، ومن قائل إن عدم اتخاذ موقف حازم في الموضوع سوف يقضي على البغال التي تؤثث المرافق العمومية! وقائلة إنكم تسقطون في شر أعمالكم، أين المناصفة؟ البغال في كل المرافق؟ ولا وجود لأية أنثى بينهم؟ علما أنَّ الأنثى لا تَلِد!!
وأنصت الحضور بإمعان للفقيه الذي صنف الفعل في عداد جرائم الحرابة التي تقتضي تشديد العقاب على الفاعل حتى يكون عبرة لمن لا يعتبر، مستشهدا بالقرآن والحديث. بينما استسهل أحد المتدخلين الموضوع برمته قائلا: “يبدو أنكم بالغْتُم كثيرا، فباب المستودع يظل مفتوحا، بل هو بلا باب أصلا، ولربما قهر الجوع والعطش البغل، فخرج إلى الشارع لتدبر رزقه. فالحمير والبغال في زمن القحط دخلت إلى الأحياء ومنها من وقف متسولا بأبواب المنازل!!”
انتهت خلية الأزمة من عملها بتدخل رئيسها قائلا: “يبقى الوضع على ما هو عليه، وتتخذ الإجراءات التالية:
ـ إخطار النيابة العامة والشرطة بموضوع الاختفاء!
ـ يستمر صرف ميزانية البغل إلى حين الظفر به!
ـ توجه إلى الإدارة المركزية رسالة في الموضوع تحث على تشديد الحراسة على مستودعات المرافق العمومية مخافَة سرقة بغالها!
ـ يحتفظ الحراس وبائعو العلف بأجورهم ومستحقاتهم سواء ظهر البغل أو نَفَقَ.
ـ نقترح دورة تحسيسية تذكر بدور الوسائل التقليدية من بغال وحمير في خدمة المرافق العمومية وتكريم من يستحق التكريم منها!”
لازال البحث عن البغل جاريا على قدم وساق لغاية كتابة هذه السطور!!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الــبــغل الــبــغل



GMT 04:53 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ!

GMT 04:46 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

السَّمَاوِي!

GMT 05:44 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت!

GMT 05:01 2017 الأربعاء ,26 إبريل / نيسان

القاضي الشرفي!

GMT 04:55 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

لاَلَّة بِيضَة!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 12:59 2020 السبت ,26 كانون الأول / ديسمبر

الكمامة القماش لا تحمي من عدوى "كورونا" تعرف على السبب

GMT 10:41 2015 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

صور لمقبرة "توت عنخ آمون" تعرض بالألوان للمرة الأولى

GMT 06:04 2016 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

شاب مريض نفسي ينتحر بطريقة مروعة في الدار البيضاء

GMT 01:44 2017 الإثنين ,23 كانون الثاني / يناير

دشني مراد قصة نجاح بعد بماضٍ أليم

GMT 23:52 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الإعلامية بوسي شلبي تؤكد تعاطفها مع الشيخ صالح عبد الله كامل

GMT 21:24 2014 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

محار ملزمي بالثوم

GMT 09:27 2019 السبت ,07 كانون الأول / ديسمبر

العاهل المغربي يلغي لقاء وزير الخارجية الأميركي
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya