فـي رثــــاء قاضـــية

فـي رثــــاء قاضـــية

المغرب اليوم -

فـي رثــــاء قاضـــية

بقلم : رشيد مشقاقة

حق علينا أن نذرف دمعة وداع، أن نقف دقائق صمت ترحما على روحها الطاهرة، فالقاضية التي أسدلت الستار وطوت ملفها ثم غادرت دنيانا لم يبرح القلم أنَامِلها إلى أن أسلمت الروح لبارئها..

تستقبلك الأستاذة زينب الطالبي بابتسامتها العريضة. تسهب في الترحاب والدعاء لك بصدق لا متناه. تسمع إليك باهتمام زائد. تبدي رأيها بدون صخب، ولا تترك المعلومة تمر دون أن تتأكد من صحتها ثم توثقها. لذلك كانت عمودا فقريا في مجال التوثيق والتشريع، ويرجع لها الفضل في إصدار العديد من القوانين والدوريات والمناشير والدلائل.

لِيضع المتهافتون أسمَاءَهم على مؤلفاتها، وليتاجروا فيها كما يشاؤون، فهي أدت رسالتها بما قدمته لرجال القانون، قضاة ومحامين وأساتذة جامعيين وعادت إلى قواعدها سالمة!

تعلمنا من الأستاذة زينب الطالبي أدب الحوار، فمهما زمجز المُزَمْجِرُون، وتعصبوا لرأيهم الخاطئ، فلها وصفة سحرية هادئة رزينة تعيد الغاضب والمتعصب إلى جَادَّة الهدوء، والمخطئ إلى الرأي السليم.

وتعلمنا من الأستاذة زينب الطالبي أيضا المثابرة، فهي التي كانت تملك نفساً طويلاً في الاطلاع على القوانين والاجتهادات القضائية المقارنة، وقد يستغرق العمل المضني منها ساعات طوال داخل الإدارة وخارجها، فلا يتسلل إليها الملل ولا القنوط، وتتحول على يدها الموائد المستديرة إلى مأدبة فكرية دانية القطوف!

وتعلمنا منها دقة الملاحظة واجتناب التكرار والحرص على صحة المعلومة وتحيينها، فلا تخرج الدراسة/ البحث من دواليبها وتتبع إجراءاتها الإدارية حتى تتأكد من صحة مضمونها، كي تؤدي رسالتها على أكمل وجه!

خلال المدة القصيرة التي شاركنا الأستاذة زينب الطالبي عملها بوزارة العدل، تعلمنا طريقة إعداد الدوريات والمناشير، وكيفية إعداد الدراسات، ولجأنا إليها كمستشارة ومُقترِحة وذات رأي، فهي تقبل على القراءة بِنَهم، وتجيد الترجمة والمقارنة بين النصوص، وتجُس نبض إرادة المشرع المقارن كي تقتبس منه ما ينسجم وخصوصية بلدنا ولا يُضِيرها أن تتأخر الدراسة لبعض الوقت، فهي لا تُحبِّذُ الارتجال والاستعجال، وقد استغرق مشروع “محاكم الأعمال” أثناء الدراسة زمنا غير يسير، وبَصَمَات مجهودها به لا مجال للمزايدة عليها، ولم يُكْتَب لهذا التنظيم القضائي أن يَخْرُجَ إلى حيز الوجود.

الأستاذة الجليلة التي ودعتنا، تهمس في أذُنِكَ قائلة، لا تساير الغاضبين في غضبهم، إذا لم تجد نفسك في ما تقوم به، فغادر دون صخب ولا ضجيج ولا عَنَت، وهذه خصلة من خصال القضاة، فالغضب والانفعال سبيل إلى الخطأ في الحكم والتقدير، والصمت حِكمة متى احتد النقاش وحاد عن أهدافه!

القلم الذي جفّ، والعقل الذي توقف عن التفكير، والقلب الكبير الذي كان ينبض بأصدق المشاعر الطيبة، كل هذه النعم توارت شمسا خلف أطراف النخيل في الأسبوع الفائِت، توقفت مسيرة الأستاذة زينب الطالبي التي بدأتها في سبعينيات القرن الماضي بمحاكم الرباط وبوزارة العدل وبالأمانة العامة للحكومة، اشتغلت بِعَقْدٍ بعد بلوغ سن التقاعد، فلم يشأ العاملون إلى جانبها أن يستغنوا عن طاقة فكرية هائلة واحتفظوا بها!

نحمد الله عز وجل، أن تعرفنا على قاضيات من طينة الأستاذة زينب الطالبي، والأستاذة فاطمة عنتر، والأستاذة السعدية بلمرير، والأستاذة ليلى المريني، والأستاذة مليكة المزدالي، وغيرهن من اللواتي استفدنا من تجربتهن في القضاء.

لا تموت الذكريات ولا أصحاب الأيادي البيضاء الذين أعطوا الكثير لهذا البلد ولم يبْخَلوا عليه بشيء. الأستاذة زينب الطالبي نموذج لما ينبغي أن يكون عليه القاضي في بلدنا: الأخلاق، والتكوين المستمر، والمسؤولية. رحم الله الأستاذة زينب الطالبي وأسكنها فسيح جناته.

المصدر :صحيفة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فـي رثــــاء قاضـــية فـي رثــــاء قاضـــية



GMT 04:53 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ!

GMT 04:46 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

السَّمَاوِي!

GMT 05:44 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت!

GMT 05:01 2017 الأربعاء ,26 إبريل / نيسان

القاضي الشرفي!

GMT 04:55 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

لاَلَّة بِيضَة!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 12:59 2020 السبت ,26 كانون الأول / ديسمبر

الكمامة القماش لا تحمي من عدوى "كورونا" تعرف على السبب

GMT 10:41 2015 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

صور لمقبرة "توت عنخ آمون" تعرض بالألوان للمرة الأولى

GMT 06:04 2016 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

شاب مريض نفسي ينتحر بطريقة مروعة في الدار البيضاء

GMT 01:44 2017 الإثنين ,23 كانون الثاني / يناير

دشني مراد قصة نجاح بعد بماضٍ أليم

GMT 23:52 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الإعلامية بوسي شلبي تؤكد تعاطفها مع الشيخ صالح عبد الله كامل

GMT 21:24 2014 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

محار ملزمي بالثوم

GMT 09:27 2019 السبت ,07 كانون الأول / ديسمبر

العاهل المغربي يلغي لقاء وزير الخارجية الأميركي
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya