فن الانسحاب

فن الانسحاب!

المغرب اليوم -

فن الانسحاب

بقلم : رشيد مشقاقة

يحكي أحد لاعبي كرة القدم عن المدرب السلاوي الشهير “بَّا عْرُّوب” قائلا:

ـ لم أكن أعلم أنّه وعد الفريق الخصم بأن ينتصر على فريقنا بمقابل نقدي يغطي نفقات التنقل والأكل والاستحمام، ومبلغ إضافي بسيط يضعه “بَّا عْرُّوب” في جيبه، فلما سَجَّلْتُ هدف الفوز، جرى نحوي وطردني موبخا:

ـ أنت هو “بِّيلِّي”! أتريد العودة إلى مدينة سلا على قدميك بدون استحمام ولا أكل!؟

بعد ذلك دفع بحارس المرمى إلى رقعة الملعب، واحتل مكانه، وسجل على نفسه هدفين، وفاز الفريق الخصم!

أمّا الطبيعة، فتحكي أسرارها عن الطيور المغردة التي ما إن تحس بدنو أجلها، وأنَّ شدوها هو مضيعة للوقت، حتى تختفي في سكون، وفي هدوء تام وبدون صخب ولا مشادة!

هذا حديث عن الانسحاب، فالمدرب “بَّا عْرُّوب” لا يهمه مطلقا أن يتصدر فريقه سبورة الترتيب، ولا أن يكون به أجود اللاعبين، بل قد يتواطأ البعض منهم على صفقة تجارية مستترة نصبت شراكها خارج مباراة رياضية ندية شريفة، فلا تجدي احتجاجات اللاعبين الثقاة القادرين على صنع الفوز بدل الهزيمة نَفْعاً، فهم من الهامش وإليه في جميع الأحوال!

لم يكن هذا المدرب سوى مؤسس لمدرسة تأثرت بدروسها مرافقنا العمومية ومختلف مرافق حياتنا اليومية، فأعداء النجاح يتربصون بالجادين منهم، ويثيرون حولهم من الزوابع ما يدفعهم دفعا نحو الانسحاب، ولأنّ هؤلاء لا يقفون على أسرار اللعبة، فغالبا ما يحاولون ويقاومون ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وفي لقطة ندم مؤسفة ينفض الكل من حولهم فيرغمون على الانسحاب!

ولو أدرك الجادون أنهم صفر على الشمال في معادلة غير رياضية، وأنهم ليسوا الفلك الذي تدور حوله النجوم، وأن ثبات موطئ قدمهم لا تزكيه التربة الهشة التي يقفون عليها، وأن أي من الناس يقوم مقامهم، وأن من غرزوا أظافرهم منذ زمن باقون على الدوام لما أحدثوا ضجة ولا مشادة ولا تملكتهم الحسرة والندم!

ولو تمثلوا حكاية أولئك البنائين الحمقى الثلاثة الذين توزعت أدوارهم، بين من يحفر الخندق وبَيْنَ من يمرر قناة الصرف الصحي ومن يعيد التراب لمكانه، فلّما مات الثاني منهم واصلوا عملهم حفراً وَرَدْماً بدون أسلاك ولا قنوات ولا يحزنون، لَمَا قَلِقُوا!

ولو تمثل الجادون أسرار الكون العجيب، هذه الشمس المشرقة طيلة النهار، تتهيأ للأصيل، ولا تريد أن تظل في كبد السماء، تنسحب وتتوارى في سكون خلف أطراف النخيل، لَمَا نَدِمُوا!

“عطَا اللّه اللِّي يخْدَم”. هكذا صاح المقاول في مفترشي أرض المَوْقِف عندما اقترح عليهم أجورا زهيدة وإمكانيات أضعف !

ولم يخطئ رب العمل، فقد نَطّت مجموعة منهم إلى الشاحنة التي انطلقت بسرعة جنونية، تاركة خلفها غبار الشماتة وسوء الحظ !

عندما أحس عالم الكهرباء “أديسون” بالملل والسأم في حفل شابته الرسميات والتكلف، أراد أن ينسحب في هدوء دون أن يشعر به أحد، كي يعود إلى تجاربه بمعمله، فبدأ ينسل بهدوء إلى أن نجح في الوصول إلى باب الخروج، وفي محاولة منه للهروب خلسة، رآه صاحب الحفل والدعوة. فصاح أمام الضيوف:

ـ يشرفنا أن يكون بين المدعوين لهذا الحفل البهيج، المخترع العظيم وعالم الكهرباء أديسون. ثم سأله قائلا:

ـ ماذا يَشْغَلُ عقلك العظيم الآن؟

وبدون تردد أجاب أديسون:

ـ أنا بصدد إعداد دراسة حول فن الانسحاب!

المصدر : جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فن الانسحاب فن الانسحاب



GMT 04:53 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ!

GMT 04:46 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

السَّمَاوِي!

GMT 05:44 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت!

GMT 05:01 2017 الأربعاء ,26 إبريل / نيسان

القاضي الشرفي!

GMT 04:55 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

لاَلَّة بِيضَة!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 09:38 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 12:08 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

كيف نحمي أطفالنا من أخطار الانترنت ؟

GMT 10:51 2020 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

المحكمة تسقط التهمة عن سمية الخشاب

GMT 19:22 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تحديث واتساب الجديد يدعم ثلاث ميزات جديدة

GMT 20:55 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

أجمل إطلالات ربيعية للمحجبات لربيع وصيف 2018

GMT 03:15 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الضياعُ في عينيّ رجل الجبل *

GMT 10:42 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

طهران تنفي نية الرئيس حسن روحاني الاستقالة

GMT 13:08 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

وفاة الكاتب محمد حسن خليفة في معرض الكتاب

GMT 20:27 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ماسك العسل والجزر لبشرة خالية من العيوب

GMT 02:54 2019 الأحد ,21 تموز / يوليو

طريقة تحضير الدجاج على الطريقة الايطالية

GMT 22:16 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

لعبة ROME: Total War – Barbarian Invasion متاحة على أندرويد

GMT 00:45 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

أجمل وأفضل 10 أماكن سياحية عند السفر إلى السويد

GMT 01:55 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

ميرنا وليد تُؤكّد على أنّ "قيد عائلي" مكتوبٌ بحرفية عالية

GMT 10:55 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود خياركِ الأول لأجمل عبايات مخمل شتاء 2019
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya