البحث عن الذات

البحث عن الذات!!

المغرب اليوم -

البحث عن الذات

بقلم : رشيد مشقاقة

لنضحك قَلِيلا:
صاح ـ عبر الهاتف ـ محتجا:
ـ أخْبَرَنِي أحدهم أنك لن تشير إلى اسم جمعيتي بالملصَقِ!
أجَبْتُهُ قائلا:
ـ بلى.. وللتوضيح سَنَكْتُبُهَا بالبنط العريض!
أحسست به سعيدا. فهو ـ بناء على طلبه ـ سيشارك المنتدى المغربي للقضاة الباحثين نَدْوَة علمية، فَلَهُ الأهلية والصفة والمصلحة في ما احتج به، ثم رن جرس الهاتف ثانية:
ـ عفوا، أَخْبَرَنِي أحدهم أن اسم جمعيتي تحمله جمعيات أخرى، إذا تفضلت بذكر اسمي العائلي والشخصي أسفل اسم جمعيتي سأكون ممتنا!
بدا لي الموقف غريبا جدا، لم أشأ أن أطيل الحديث فقلت:
ـ لا بأس، وإذا اقتضى الأمر سننشر صورتك أسفل اسمك واسم جمعيتك!
أحسست بفرح طفولي من آهته المسترخية، وحمدت الله أن مر اليوم بأكمله دون أن يُعَاوِد الاتصال بي، لكن ظني خاب عندما وجدت بالهاتف رسائل تَحُثنِي على الاتصال به عاجلا!
ـ أرجو أن يكون الداعي خَيرا.
ـ لا، فقط أخبَرنِي أحدهم أنك قبلت مشاركتي فقط كي أمول اللقاء، أريد فقط أن أتأكد!
كدت أصرخ في وجهه، فمصاريف اللقاء برمتها لا تسمن ولا تغني من جوع. وقد دفع نصفها، بل وعبر غَيْرَ مَا مَرَّةٍ عن رغبته في إعفائنا من اقتناء بعض المستلزمات.
قلت بهدوء.
ـ يمكننا أن نلتقي بمكان عقد الندوة.
استقبلني بابتسامة الأطفال:
ـ بُشرى لنا، اللقاء العلمي سينجح، أنا متأكد. أبدت عدة شخصيات وازنة رغبتها في الحضور.. فلان وفلان..وفلان.
قاطعته:
ـ هل تسمح لي أنْ أرد لك المبلغ الذي شاركت به، على أن تظل مشاركا معنا بالمواصفات نفسها التي ترضيك!
استشاط غضبا، وارتمى نحوي مُقبِّلا:
ـ لا.. لا تقلق مني!
أشْفَقتُ من حَالِه، واحتفظت ـ على مضض ـ بالمبلغ. اطلع على الملصق، فأشرقت أسارير وجهه ورقص بِرِجْلَيْهِ. وضع تحت إبطه معظم الملصقات قائلا من أمام مقود سيارته:
ـ سأوزعها في ربوع المملكة، سيزدحم الفندق عن آخره بالحضور، الندوة ناجحة بإذن واحد أحد!
في ذلك المساء، رنّ جرسُ الهاتف:
ـ اسمع.. الندوة ناجحة، أطر الوزارة رحبوا بها، أخبرني أحدهم قائلا: لِمَ لا أترأس ـ أنا ـ الندوة، أنا ملم بالموضوع، وأستطيع ضبط المحاور!
ـ نحن اخترنا شخصية علمية بارزة لإدارة اللقاء، ولا يُعْقَل أن يترأس المنظمون أشغال الندوة، ثم إن لك عرض ستلقيه وهذا كاف!
لم يعجبه كلامي، فأصحابه يعرفون حاله وينكؤون جروحه. ثم هو خائف أن يكون مجرد أخ صَاحِب الخيمة المُعَدة للعرس، فصاح محتجا:
ـ هذا هو شرطي للاستمرار في الندوة، أنا أُدِيرُ الندوة!
شرحت للَّجْنَةِ المنظمة حال صاحبي، فأشفقوا هم أيضاً من مأساته، ولم يروا مانعا أن يجلس وسط المنصة مديرا مادام سيقتصر دوره على نقل مكبر الصوت من محاضر لآخر.
في يوم الندوة، انتفخت أوداج الرجل، صال وجال بالمنصة، قمع هذا، وزمجر في وجه ذاك، وألقى خطبة عصماء ذيلها بعرضه قبل أن يقدم أسماء المحاضرين، وكلمّا التفت إليَّ أحد منهم كلّما غمزت بعيني تهدئة للأجواء، وحمدت الله عز وجل أن انتهى اللقاء.
لم أكد أَسْعَد بِقِسْط من الراحة بالمنزل حتى رن جرس الهاتف:
ـ اسمع، نجح اللقاء كما قلت لك، لقد أخَذْتُ الصور وشرائط التسجيل، سأعفيك من تقديمها للوزير وأطر الوزارة. لا تحمل هَمًّا!
أخبرني المصور أنَّ صاحبي استولى على الصور والشرائط، وأمره أن يتصل بي لأداء ثمنها، قمت بذلك مستسلما، فضحك المصور قائلا:
ـ يبدو أن هذا الرجل يعاني من خلل ما، فقد ظن قبل بدء العرض أنني من محاضري الندوة بناء على منظري الأنيق، فشرح لي ما يريد قوله في اللقاء دون أن أفهم شيئا، ولم يستغرب بعد ذلك عندما اكتشف أنني فقط، مصور الحفل!!
تأكد لي فعلا أنني كنت أمام حالة نفسية جد معقدة. وحمدت الله الذي مَنحَنِي هذه الطاقة من الصبر، ثم رنَّ جرس الهاتف في اليوم الموالي:
ـ اسمع، لن تنشر الندوة في مجلة أو كتاب حتى نوقعا معا على الإذن بذلك!
قاطعته:
ـ اسمع، لك الإذن بنشرها من الآن إلى يوم الدِّين!!
لم يكن قد أتم حديثه، سمعته يُدمدم:
… فقد أخبرني أحدهم أنك سوف تنشرها بدون ذكر اسمي!!
أقفلت في وجهه الهاتف بِعُنف، ولازال لغاية يومه مقفلا في وَجْهِهِ!!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البحث عن الذات البحث عن الذات



GMT 04:53 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ!

GMT 04:46 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

السَّمَاوِي!

GMT 05:44 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت!

GMT 05:01 2017 الأربعاء ,26 إبريل / نيسان

القاضي الشرفي!

GMT 04:55 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

لاَلَّة بِيضَة!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 12:59 2020 السبت ,26 كانون الأول / ديسمبر

الكمامة القماش لا تحمي من عدوى "كورونا" تعرف على السبب

GMT 10:41 2015 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

صور لمقبرة "توت عنخ آمون" تعرض بالألوان للمرة الأولى

GMT 06:04 2016 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

شاب مريض نفسي ينتحر بطريقة مروعة في الدار البيضاء

GMT 01:44 2017 الإثنين ,23 كانون الثاني / يناير

دشني مراد قصة نجاح بعد بماضٍ أليم

GMT 23:52 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الإعلامية بوسي شلبي تؤكد تعاطفها مع الشيخ صالح عبد الله كامل

GMT 21:24 2014 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

محار ملزمي بالثوم

GMT 09:27 2019 السبت ,07 كانون الأول / ديسمبر

العاهل المغربي يلغي لقاء وزير الخارجية الأميركي
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya