رسالةٌ إلى السيّد صدفة

رسالةٌ إلى السيّد صدفة

المغرب اليوم -

رسالةٌ إلى السيّد صدفة

بقلم - أمينة التباث

أمّا بعد، فقد وجب التأسُف أيّها العزيز على عدد النظراتِ التّي ألقيتُها عليك أمامَ المرآة، و أنا أهم بالخروج، ثمّ تساءلت في نفسي، لماذا أنتَ خبيثٌ إلى هذه الدرجة. آسفةٌ على الاعتِقاد يا عزيزي، نعم الإعتقاد الذّي أوقدَ سوء الظن هذا طوَال السنين الذّي مضت، بأنّك ندْبة كبيرة على خدّ روحي، كخطيئةٍ أزلية لا أعلمُ متى ارتكبتُها.. الوقوف طويلا أمام المرآة كان دائما ما يطرح السؤال: لماذا أنت هنا، ألم يكن بوسعي أن آتي إلى الحياة كروحٍ خفيفة دون هذه الصدفة اللعينة؟ لماذا تسبقني إلى الأمام مع أن الجميع يبغضك؟ و لأصدقكَ القول، فلقد تمنيتُ في كل مرة أن أنظر إلى نفسي فلا أراك، و أجد بدلا منك روحي الرفيفة تطفو، ثم لا تلبث أن تطير خارج الإطار الخشبي. هذه هي الرّوح، شفافة و بمقدورها أن تطير بعيدا دون أن يسقط ثوبها على أحدهم فيشمئز منها، إنها محبوبة مع أنها تستطيع أن تتحرك و تفعل ما تريد دون الاستئذان من عُرف أحد.

أما أنت، الصدفة المستهجَنَة من الجميع.. بالمناسبة، هل يعجبُك لقب "صدفة"،إنه يليق تماما بك. أنت ذاك الإطارُ الذي يحمل تجويفاً فارغا، أتساءل الآن من الذي يستحق فعلا كل هذا العقاب؟ أليس التجويف العميق داخلي هو المذنب في قضية الشرف هذه. و مع ذلك، كان عليّ أن أكرهك على مدى سنوات، ليظهر هذا الكره في عيني كلّما نظر اليك أحدهم، في لباسي و وضعية جلوسي و طريقة كلامي و ركضي و استرخائي و وقوفي و انحنائي، في كل الأمور العادية تماما، بطريقة ما، كان علي أن أكبحك و أحكم قبضتي على رقبتك لكي "تتصرف بأدب".

كنت ابني غير الشرعي الذي علي أن أكرهه بشدة، و مع ذلك أنا ملزمة بالاحتفاظ به، و لا يجوز إجهاضه.. إنك الكبيرة التي عليها أن تذكرني بأن لعنة هبطت فوق رأسي، لا سبيل لمغفرتها. حدث مرة أن استرخيت فوق العشب، و تركت لك حرية التصرف.. ثم بعد قليل لمحتُ رجلا ينظر إلي باستهجان، فعدلت جلستي بسرعة.. لأني ببساطة، شعرتُ بالخجل. الحقيقة أن في هذه البساطة يكمن المشكل، الأمور التي نجعلها بسيطة هكذا و نقول "هذا رد فعل طبيعي" هو ما يجعلنا قاصري التفكير، في ركام ردود الأفعال هذه يُنسى الجسد، و يلحق به مزيدٌ من الظلم.

أيها السيد صدفة، أنا أعتذر منك الآن عن كل ما اقترفته، خلال الأيام التي ربيّت فيها طفلاً لمْ أحدد موقف قلبي منه بعد، هل أنا أحبّك، أم أكرهُك؟ لقد كنت حائرة بشأنك، أحبّك خلسة كلّما طالبني نداء الأمومة بإرضاعك.. تبدو لي بريئا حينها فأحتفي بك، كامرأة، حقيقية، مزهوة بمفاتنها.. لكنّني حالما تشبع، يقرصني وخز الضمير، فأقذفك و أسرع لغسل روحي. لم تبدو لي اللعبة صعبة في البداية، اذْ سرعان ما أصغيرة قواعدها، ليس علي الاّ أن ألفظك بعيدا أمام الناس.. ليس علي إرضاعك، أو تلبية حاجتك البيولوجية، أو حملك عندما تصرخ.. إنهم يشمئزون من صوتك حتّى.

كان علي أن أؤجل حبك للمساء، حالما تختفي عيون العُرف الجاحضة.. في المساء فقط، يبدو ذلك الإحتمال قابلا للتصديق، أنك جزءٌ مني، جزء محبّب لكل امرأة. لكنّ الأمور تغيرت، عندما بدأت تكبُر، أعني عندما كبُرَ ظلّك في رأسي و صرت تشغل تفكيري أكثر من ذي قبل. لم يعد بإمكاني إخفائك أو التظاهر بالغضب منك أمام الناس، كان الحب داخلي يكبر، فلا أستطيع و أنت تتكلم، إلا أن أنظر اليك في إعجاب. هاأنذا أوقن أنك بطريقة ما، أنا الأخرى التي تظهر للآخر، و لست شيئا مشينا علي إخفائه طوال الوقت.

و الحقيقة أني إلى الآن لا أعلم الصفة التي ألحقها بك، أو عن تلك التي كنتَها من قبل. لا أعرف الطريقة التي أعاملك بها.. كابنٍ شقي يأخذ حصة كبيرة من تفكيري، كشيء عظيم، يمثل فكرة، كلوحٍ خشبي خلف المرآة، لا تُعكَس الصورة الاّ بفضله. أو أن الأصح، التعامل معك كشخصٍ بالغ، لا يحتاج أحدا ينوبُ عنه، يدافع بنفسه عن نغسه، يتصرف كمزهرية لا يهمها أن تنكسر مالمْ يذبل الورد بعد. سألتُك لأكثر من مرة: سيّد صَدَفَة، هل أنت كبيرٌ أم صغير؟ الا أنه عدا الأفكار التي تراودني ساعتها، بضرورة التوقف عن إعطائك كل هذه الأهمية، و التصرف معك كإطار لصورة، كنافذة صغيرة تطل على الشاطئ، كشمعدان أنيق، لا أقل و لا أكثر. أقول عدا هذه الخواطر، فأنا لم أحصل منك على إجابة مهمة. و لا أظنك ستفعل، مستقبلاً، اذ يبدو أنّ مثل هذه الاسئلة لا تهمك.

أيّا يكن الأمر، و كيفما كان الجوابُ الصحيح، فالظاهر أني أخطأت بحقّك، و هذا سببٌ كافٍ يجعلك "ذا شأن" بالنسبة إليْ. أعني أنني بطريقة ما، أحبّك. لا ذاك الحب القديم المخلوط بالكراهية و شيء من الخوف، الخوف من ضحكك العفوي، من صراخك، من ذراعيك الطويلتين، من أذنك التي تعشق الموسيقى و من ساقيك اللتين ترقصان على الدوام، ذلك الحب الذي تفوح منه رائحة الصواب العفن و الأخلاق القديمة. قطعا يا عزيزي، ما كنتُ لأكرهك مجددا فأتنصل منك، فقط لأنك جميل، بصورةٍ تثيرُ شهوة الآخر.

بالمناسبة، و لكي أحيطك علما، أنا لا أحبك لكونك جميلا حتّى، فهذا أمرٌ لم يعد يهمني.. ألا ترى معي صفاء هذه العاطفة الجديدة، الايمان بك كجناح، يطيب له أن يرفرف كيفما شاء.. سامح اذا روحي الصغيرة، لعلها لا ترتكب مزيدا من الحماقات في حقك سيد صدفة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسالةٌ إلى السيّد صدفة رسالةٌ إلى السيّد صدفة



GMT 22:19 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى متى ستبقى المرأة في عالمنا العربي الحلقة الأضعف .

GMT 09:29 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

الهولوجرام والسحر في العصر الحديث

GMT 11:59 2019 الجمعة ,23 آب / أغسطس

المعنفات وبيوت الرعاية وخطوات الإصلاح

GMT 16:37 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 10:05 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

الطفولة العربية والمستقبل

GMT 12:12 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

العنف ضد المرأة حاجزا فى سبيل المساواة والتنمية

GMT 08:13 2018 الجمعة ,09 آذار/ مارس

سيّدتي لا تصدّقينا

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 17:57 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي التحدي يبرم عدة صفقات استعدادًا للدوري الليبي

GMT 21:00 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

ترامب ينشر خريطة دولة فلسطين وفقا لـ"صفقة القرن"

GMT 11:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

أسعار النفط ترتفع بسبب توقف خط أنابيب في بحر الشمال

GMT 02:55 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مجتمع اليخوت الفاخرة مقصد أصحاب لثروات في موناكو

GMT 23:36 2017 السبت ,30 أيلول / سبتمبر

أجزاؤها أشيائي

GMT 15:10 2015 الإثنين ,02 شباط / فبراير

سلطة العدس

GMT 17:34 2012 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

صوفيا فيرغارا في تصميم لزهير مراد

GMT 04:22 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

ضريح القديس يهوذا وحصنه الشاهق يزيّنان جانسي الهندية

GMT 22:06 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

صلاح الدين بصير شبح أسود لحراس المرمى

GMT 15:09 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

إحباط سرقة سيارة لنقل الأموال في أيت أورير ضواحي مراكش
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya