البيت الكبير

البيت الكبير

المغرب اليوم -

البيت الكبير

بقلم : عزة العمد

لم أصادف أحدًا من الأصدقاء إلا ويعرج في حديثه عن ذكرياته الجميلة في بيت العائلة ، لا أجلس مع أحدًا من اخوتي وأهلي واقاربي إلا ونستجمع ذكرياتنا وأيامنا وطفولتنا في بيت الأجداد ، ونتبادل القصص والصور القديمة والحكايات المنسية أو المخفية في حينها ، دائمًا وفي معظم الجلسات الاجتماعية يكون القاسم المشترك بين أحاديث الناس هو حديث الشجن والذكريات والحنين لماضي جميل وأيام لاتنسى.

لا اعتقد أن أي إنسان عاش في أسرة جميلة بين أب وأم وأخوه وإخوات وأجداد وأعمام وأخوال ، لا اعتقد أنه لم يعش أجمل أيام حياته ولم يحمل معه إلا أفضل الذكريات وأحلى الصور والقصص والمغامرات ، دائمًا ما يكون بيت الأهل هو الحضن الدافئ للجميع ، فبوجود الأطفال يكون يعج بالحياة والضجيج والفوضى والألعاب ، وعندما يكبرون يملؤون البيت بالنشاط والكتب والدفاتر والأقلام وعلب الألوان والأصحاب ، وعندما يتزوجون يعودون إلى البيت بعائلات جديدة ووجوه جديدة ولكن نفس الطعم واللون ، ونفس الفوضى والضجيج والألعاب ، وهذه الحياة الجديدة بداية لدورة جديدة وعائلة كبيرة أخرى وبيت كبير آخر.

يبقى باب بيت العائلة مفتوحًا للجميع ، لا مواعيد ولا ترتيب لأي زيارة ، ولا موعد لمدبة طعام ، الأوقات متاحة للزيارة والطعام والشراب ، الأسرة مهيأة للنوم والاسترخاء ، الغرف مفتوحة لاستقبال الأبناء والأحفاد وضيوفهم دون إذن أو موعد مسبق ، البستان الذي يرعاه الجد بشجره وثمره يصبح ملعبًا للأحفاد ، ويصبح ظل الأشجار مكان انعقاد المؤامرات والمغامرات ، وتصبح شجرة الياسمين هي مصدر لأغلى الهدايا والعقود.

في بيت العائلة يتوفر دائمًا أنواع الطعام الذي لاتجده في بيتك ، وأنواع المونة الصيفية والشتوية ، تجد أنواع الأعشاب ، فالميرمية لمن يعاني المغص ، والبابونغ لمن يعاني السعال ، اليانسون لمن يعاني الأرق وقلة النوم ، والليمون لمن لديه نزلات البرد ، فصيدلية الجدة دائمًا وفيرة والطبيب دائمًا جاهز للتمريض والتمريج وعمل الوصفات وإعداد الشوربات 

في بيت العائلة هناك غرفة المونة والخزين ، يتسلل إليها الأطفال لمحاولة سرقة وتذوق بعض الطعام مثل المربيات ودبس العنب ، وحب الاستطلاع يدفعهم لمعرفة ما بداخل المرتبانات التي وضعتها الجدة بكامل الأناقة والترتيب على رفوف المونة وأحكمت إغلاقها ، فتجد فيها الماكابيس بأنواعها ، والجبن المغلي المطيب بحبة البركة والمسكة ، ترى كرات اللبنة تلمع في الزيت الصافي كاحجار اللؤلؤ ، ترى هناك أكياس الأرز والعدس والبرغل والحبوب وكأنك في في دكان عطارة أو متجر جملة ، وترى الشراشف الملئى بأوراق الزعتر والنعنع المجفف.

في بيت العائلة هناك خزانة يوجد بها أنواع الملابس والغيارات والأحذية من الصيفي للشتوي ومن الولادي للبناتي وبكل المقاسات والألوان ، لايهم الموديل ولايهم التناسق بين الألوان ، ولكن المهم أن تجد أي قطعة تناسب مقاسك لتوفر ملابسك الجديدة عند اللعب بالحديقة أو عند النوم أو لمساعدة الجد في صيانة بعض أثاث المنزل أو مساعدة الجدة في إعداد الطعام.

وعادة ما تكون هذه الملابس هي بقايا ملابس وبيجامات ودشاديش للأبناء المتزوجين أو المغتربين ولا مانع من تداولها بين الجميع ، وطبعًا من يقوم بغسلها وتوضيبها مرة أخرى في الخزانة هي الجدة.

في بيت العائلة هناك دائمًا ركن الأسرار بين الجد والأحفاد أو بين الجدة والحفيدات ، فمن يحمل رسوبًا في أحد المواد الدراسية قبل أن يخبر والديه يلجأ إلى بيت العائلة ليساعدوه في نقل الخبر السيء للأهل ويمنعوا حدوث الصدامات والمشاكل المتوقعة لأن بيت العائلة هو الحصن المنيع والملاذ الآمن للهروب من العقاب ، وفي هذا الركن تصارح الفتاة جدتها بعلاقة جديدة أو باقتراب خطبتها من فتى أحلامها ، وفي هذا الركن تصارح الأم الصغيرة الأم الكبيرة بتأخر حملها لتعينها وترشدها ، إلى كل مايحويه هذا الركن من أسرار ، فهو بئر أسرار حمل قصصًا وهموم وزفرات وأهات أفراد العائلة من كبيرها لصغيرها.
 
في بيت العائلة يتخرج أطفال الروضة ويجمعون الأصدقاء ويعلقون البالونات ويطفؤون شموع أعياد ميلادهم ، يحملون الهدايا ويفرحون بكعكات ومخبوزات وحلويات الجدة ، ويطيرون فرحا بأطيب وأكلات الجد وينتظرون بشوق سكاكر ومنقرشات العم والخال ، وتكبر البنات بملابس الخالة ومناكير العمة ، ويشعر الأولاد برجولتهم بسرقة عطر الخال أو ملابس الرياضة للعم .

في بيت العائلة يتخرج طلاب الجامعات ويحتفل الأهل بالنجاحات ، وتجتمع الجاهات ، وتعقد القرانات ، وتخرج العرائس إلى الحياة الجديدة ، وتمد الولائم والمأدبات ، تجتمع العائلة في الأعياد والأفراح ، وتلتم أفرادها عند عودة أحد المغتربين من أبناءها فرحًا بالهدايا وشوقًا للقاء الجميع ، ويصبح البيت كالفندق والمطعم ومقر للاجتماعات الفردية والجماعية ، كل هذه المناسبات يحتفل بها بالبيت الكبير كرامة للجد والجدة أصحاب الدار.

 في بيت العائلة ينتظر عودة الأجداد من رحلة الحج ، يجتمع الأحفاد ويخططون لوضع الزينة والأعلام وأغصان الأشجار وأحبال الكهرباء على بوابة البيت الكبير ، والسيدات يعملن على تنظيف زوايا البيت استعدادًا لاستقبال أغلى الناس ، والرجال يتعهدون شراء اللحوم استعدادا للمأدبة الكبرى على شرف عودة الحجاج أصحاب البيت الكبير .

ياله من بيت كبير ، لا تعرف حدودًا لسقفه ولا قاعدة لأرضه ، بيت العائلة مهمًا كان حجمه ومساحته يبقى البيت الكبير في نظر الجميع ، ومهما كان موقعه في المدينه أو القرية أو البادية يبقى ايضًا هو البيت الكبير ، جعل الله بيوتكم دائمًا عامرة بالحب والدفء والفرح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البيت الكبير البيت الكبير



GMT 22:19 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى متى ستبقى المرأة في عالمنا العربي الحلقة الأضعف .

GMT 09:29 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

الهولوجرام والسحر في العصر الحديث

GMT 11:59 2019 الجمعة ,23 آب / أغسطس

المعنفات وبيوت الرعاية وخطوات الإصلاح

GMT 16:37 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 10:05 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

الطفولة العربية والمستقبل

GMT 12:12 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

العنف ضد المرأة حاجزا فى سبيل المساواة والتنمية

GMT 08:13 2018 الجمعة ,09 آذار/ مارس

سيّدتي لا تصدّقينا

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 09:38 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 12:08 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

كيف نحمي أطفالنا من أخطار الانترنت ؟

GMT 10:51 2020 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

المحكمة تسقط التهمة عن سمية الخشاب

GMT 19:22 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تحديث واتساب الجديد يدعم ثلاث ميزات جديدة

GMT 20:55 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

أجمل إطلالات ربيعية للمحجبات لربيع وصيف 2018

GMT 03:15 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الضياعُ في عينيّ رجل الجبل *

GMT 10:42 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

طهران تنفي نية الرئيس حسن روحاني الاستقالة

GMT 13:08 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

وفاة الكاتب محمد حسن خليفة في معرض الكتاب

GMT 20:27 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ماسك العسل والجزر لبشرة خالية من العيوب

GMT 02:54 2019 الأحد ,21 تموز / يوليو

طريقة تحضير الدجاج على الطريقة الايطالية

GMT 22:16 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

لعبة ROME: Total War – Barbarian Invasion متاحة على أندرويد

GMT 00:45 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

أجمل وأفضل 10 أماكن سياحية عند السفر إلى السويد

GMT 01:55 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

ميرنا وليد تُؤكّد على أنّ "قيد عائلي" مكتوبٌ بحرفية عالية

GMT 10:55 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود خياركِ الأول لأجمل عبايات مخمل شتاء 2019
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya