الشغب مشكلة حقيقيَّة ولكن حلها ليس في القبضة الغليظة

الشغب مشكلة حقيقيَّة ولكن حلها ليس في "القبضة الغليظة"

المغرب اليوم -

الشغب مشكلة حقيقيَّة ولكن حلها ليس في القبضة الغليظة

بقلم : يونس الخراشي

الحل الأمني في قضية "الشغب الجماهيري" مثل الكي، هو آخر الدواء. ومع ذلك، فإن بعض المسؤولين، ما أن يستيقظوا من النوم، متأخرين بمسافة زمنية كبيرة عن الحدث، حتى يعيدوا العبارات ذاتها التي ملها المغاربة، وتذكرهم بسنوات الرصاص، مثل قول أحدهم :"لن نتساهل مع المخربين".
لهؤلاء نقول إن من تنعتونهم بالمخربين يمكن، بقدرة قادر، أن يصبحوا أشخاصا نافعين، كما يمكنهم أن يصيروا مدمرين، وهذا وفقا لطريقة التعاطي مع الظاهرة التي كانت، في بداياتها، تبدو هينة، ثم ما لبثت أن صارت عسيرة على التحكم، فقط لأن البعض بدلا من أن يبحث عن علاج من الجذور، راح يوزع النعوت.
للشاعر الهندي طاغور قولة رائعة في هذا الباب، هو يقول:"أشعل شمعة، عوض أن تسب الظلام". والشمعة هنا هي إلقاء الضوء، ومن الجوانب كلها، لا سيما غير المرئية، على الظاهرة، لمعرفة حقيقتها، وما إذا كان يسهل علاجها، أم أن الأمر يتطلب بذلا، ووقتا، وصبرا، والكثير من المال، للعودة بكرة القدم، بل وبرياضات أخرى، إلى روحها الأولى.
كان الجمهور الكروي المغربي يذهب إلى الملعب، قبل سنوات كثيرة، وهو في زي طيب، وقد وضع الرائحة على ثوبه، كما لو أنه ذاهب إلى عرس، أو "فيجطة"، لا يهمه سوى أن يتفرج على مباراة جميلة، وقد تضره خسارة فريقه إلى حد ما، غير أن روح تقبل للتعادل والانهزام ظلت تفوق عنده الشعور بالمأساة، وما يستتبعها من انفجارات على شكل شغب، وغيره.
الذي تغير، بين تلك السنوات، وحاضرنا، ليس الملعب، أو الأداء، أو العشب، وإن كانت هذه شهدت تغييرات، بل ما تغير هو وعي الناس، وثقافتهم، وانتماءاتهم الاجتماعية، وحبهم للفريق، بحيث صاروا يعشقون الفريق أكثر مما ينبغي، ويتمثلون فيه أنفسهم، فكلما خسر مباراة، أو تعادل، أو أقصي من منافسة، إلا وشعروا بأن المآسي الحياتية كلها التي جاؤوا إلى الملعب لنسيانها، زادت أكثر، فلم يعودوا يملكون إلا أن ينفسوا عن فواجعهم بطرق غير مقبولة.
بكلمات أخرى، إن هؤلاء الذين يُنعتون اليوم بالمخربين، ويمكن الأخذ بيدهم، باعتبارهم أبناء المجتمع، بما يجنب الدولة عجزا متفاقما في ميزانيتها (السجن وما يجره من مصاريف، والانحراف وما قد يؤدي إليه من أعطاب مجتمعية، ضمنها التطرف)، مشكلتهم "سوسيو- سيكولوجية محضة"، أي أنهم يعانون اجتماعيا، ونفسيا، ومن تم يرون في فوز فريقهم متنفسا، وما لم يمنحهم الفريق ذلك المتنفس، كان طبيعيا أن يعربدوا، مهما بدا لنا ذلك مقيتا، وسيئا، ويستحق العقاب.
لنلخص، ونستنتج.
الشغب المرتبط بكرة القدم معضلة سيئة للغاية. غير أن حلها لا يوجد في "القبضة الغليظة"، بل في إلقاء الضوء على الظاهرة، وفهمها، لتجنب الأسوأ، وهو ضياع الآلاف من الشباب، وتكبيد الدولة عجزا متفاقما في ميزانيتها.
من يقول العكس؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشغب مشكلة حقيقيَّة ولكن حلها ليس في القبضة الغليظة الشغب مشكلة حقيقيَّة ولكن حلها ليس في القبضة الغليظة



GMT 15:20 2020 الإثنين ,15 حزيران / يونيو

اتحاد غرب آسيا يناقش مستجدات أنشطته وبطولاته

GMT 14:13 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نهاية شهر العسل

GMT 11:30 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

البطولة المنسية

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 18:23 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

يا آسفي علينا !!

GMT 10:34 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخيرا أصبحنا نستوعب الدروس

GMT 08:58 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"واشْ عرفْـتوني"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:41 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 11:52 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

فولكس فاجن تتعاون مع "مايكروسوفت" للعمل على تقنيات رقمية

GMT 03:08 2017 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

توقعات بارتفاع دورة الإنتاج بنسبة4.1في المائة

GMT 08:16 2015 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

الفنانة مي كساب تتغلب على مشكلة القصر بالكعب العالي

GMT 04:58 2016 الأربعاء ,29 حزيران / يونيو

بحث يكشف فعالية الأسبرين السائل في علاج سرطان المخ

GMT 01:13 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تزور الباندا جوجو في حديقة حيوان الصين

GMT 22:47 2017 الأحد ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الرباط تحتضن ندوة حول التحولات الطارئة في سوق الطاقة

GMT 12:46 2019 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على المواصفات التي يتميز بها برج الجدي
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya