المهنة صحافي الصفة فاعل خير

المهنة صحافي الصفة فاعل خير

المغرب اليوم -

المهنة صحافي الصفة فاعل خير

بقلم : حسن البصري

كلما اشتقت لكلمات الراحل عبد الحق جدعي فتحت علبة الرسائل النصية التي كان يمطرني بها. كلما شدني الحنين لذكراه أعدت تفقد "ماسيتجات" تقطر بالخير أحيانا والموعظة أحيانا أخرى. لنتقاسم جميعا آخر ما جادت به قريحته الإنسانية من كلمات ليست ككل الكلمات، ومبادرات لا ككل المبادرات وكتابات معفاة من الضريبة على المصلحة العامة. "حاولت الاتصال بحميد جلايدي لكن هاتفه خارج التغطية، حسن أرجوك بلغه بضرورة الحضور غدا في الساعة العاشرة بمستشفى 20 غشت عند البروفسور شكيب، لقد طلب مني خدمة لفائدة أحد أفراد عائلته".

"أخي حسن إن صديقنا بوفضايل قد فقد والده وصهره، حاول الاتصال به"، و"اللهم إنك أعطيتني خير أصحاب في الدنيا دون أن أسألك. فلا تحرمني من صحبتهم في الجنة وأنا أسألك. اللهم أسعدهم وفرج همهم وحقق لهم ما يتمنون واجعل الجنة مقرا لهم. اللهم لا ترد دعواتي لهم فإني فيك أحبهم".  هذه آخر الرسائل النصية التي وصلت إلى هاتفي المحمول بها من الفقيد عبد الحق جدعي، وهي غيض من فيض شلال إنساني ينساب وسط حقول العلاقات الإنسانية، فيحول جفافها وجفاءها إلى خصب وبلسم دائمين.

كانت تُقضى على يده حوائج الناس فينسى حاجته، كان يرابط في مستشفيات الدار البيضاء لإسعاف حالة قريب أو بعيد، فينسى حالته ويصرف النظر عن أوجاعه ويصادر بصمت آهاته، قلت مرة لعبد الحق: "لقد أخطأت الطريق، لم تخلق لتكون صحافيا رياضيا. أنت أخصائي اجتماعي بالفطرة". رد بنبرته الساخرة المستوحاة من قواميس الكرة:  "هذا "كولافيراج ديال الجنة".

وإذا كان لابد من الرجوع للتاريخ لمعرفة حكاية المرض الذي سكن أحشاء جدعي، فإننا سنعود بالذاكرة إلى يوم عيد الأضحى، حين كان الناس سعداء باستنشاق رائحة دخان المشوي، ملتفين حول موائد رفع فيها الحضر عن الدهنيات، كان عبد الحق في غرفة العناية المركزة بمصحة السلام في الدار البيضاء بين الحياة والموت، محاطا بأصدقائه الإخوة عزمي ونجيب وبولفضايل وشجري والشرقاري وفكري ثم جلايدي، الذين كانوا يراقبون نبضه من وراء النافذة.

ليس من السهل أن تسحب شخصا من جلسة المشوي في يوم العيد، لكن لأن الأمر يتعلق بجدعي فإن الطبيب المداوم قاوم جاذبية نسائم اللحم، وركض نحو غرفة العمليات. وحين غادرها ملفوفا في غطاء طبي شفاف رفع سبابته إلى السماء وهو يؤكد أن الشفاء من الله وحده. ومرت الأيام فتأرجح الوضع الصحي لعبد الحق بين المستقر والأقل استقرارا، وكلما استعاد وعيه، تذكر هواية فعل الخير، وشرع في الاتصال بأطباء من مختلف الاختصاصات لعرض حالات التمست تدخله، فاستجاب لها بمجرد التخلص من "البنج"، بل إنه كان يسأل عن الوضع الصحي للزميل شروق الذي كان تحت رحمة علاج كيميائي حارق فيدعو له بالشفاء.

لم يمنعه تمدده على سرير المرض من الاستجابة لطلبات مرضى يتقاسم معهم الألم والأمل، فقد كان يثني على جهود أطباء حاولوا قدر الإمكان التصدي للمرض الخبيث الذي سكن أحشاءه دون سابق إشعار، ولا يتردد لحظة في تقديم خدمة طبية للآخرين حتى نال لقب "عبد الحق الرامد" .لم أر في حياتي طبيا يبكي وهو يتأمل نتائج التشخيص المخبري، لم أر ممرضة تعاين صبيب "السيروم" بدموع متحجرة،، لم أر زبونا لمصحة تعامله المنظفة بحنو زائد، لم أر مريضا يواظب على زيارته شخصيات من علية القوم وشخصيات من قعر المجتمع، وحده جدعي شكّل الاستثناء في حياته وفي مرضه وفي وفاته.

فاضت روح عبد الحق وانتقلت إلى دار البقاء وسط ذهول أصدقائه الذين رافقوه في رحلة الألم، وبعد ثلاث ساعات كان موكبه الجنائزي يسير نحو مقبرة بلمليح المطلة على مدينة المحمدية، يمشي خلفه الأطفال والكبار، دفن جثمانه الطاهر غير بعيد عن قبر الراحل عبد القادر لخميري الذي حوله من لاعب ناشئ في شباب المحمدية إلى صحافي استثنائي. ولأن جدعي كان يرفض الأضواء ويقاطع الندوات الصحافية الماجنة والبرامج الإذاعية الرخيصة، فقد شاءت الصدف أن يدفن ليلا بالاستعانة بضوء سيارة الإسعاف. نم قرير العين في قبرك ياعبد الحق، فقد عشت في الخير وبالخير وللخير.. نم قرير العين يا جدعي لا غربة بعد اليوم، لا قلق بعد اليوم ولا أحمر وأخضر بعد اليوم، آن لك أن تستريح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المهنة صحافي الصفة فاعل خير المهنة صحافي الصفة فاعل خير



GMT 15:20 2020 الإثنين ,15 حزيران / يونيو

اتحاد غرب آسيا يناقش مستجدات أنشطته وبطولاته

GMT 14:13 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نهاية شهر العسل

GMT 11:30 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

البطولة المنسية

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 18:23 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

يا آسفي علينا !!

GMT 10:34 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخيرا أصبحنا نستوعب الدروس

GMT 08:58 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"واشْ عرفْـتوني"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 20:58 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 09:24 2016 الثلاثاء ,17 أيار / مايو

الاعلام العربي نحو مزيد من الانحدار

GMT 08:10 2017 السبت ,11 آذار/ مارس

زين العراقي يصور "كشخه" بفي عمان

GMT 01:37 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"فندي" تضيف الألوان إلى الفرو في أحدث صيحات 2018

GMT 04:51 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الطالب يزور قسم الولادة بمستشفى "طنجة"

GMT 18:30 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 04:53 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

نجمات رمضان 2019 يتألَّقن بصبغة شعر أسود

GMT 17:55 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

مقتل وإصابة ١٤ سائحًا في استهداف أتوبيس سياحى في الهرم

GMT 08:52 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

5 نصائح تمكنك من اختيار شجرة عيد الميلاد المثالية

GMT 21:58 2018 الثلاثاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الحواصلي يقترب من الانتقال إلى الدوري السعودي
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya