«جاهلية» لبنان

«جاهلية» لبنان

المغرب اليوم -

«جاهلية» لبنان

بقلم : عريب الرنتاوي

و»الجاهلية» هنا، ليست تلك البلدة الشوفيّة – الجبلية في لبنان، والتي شهدت خلال اليومين الفائتين أحدث فصل من فصول الأزمة اللبنانية الممتدة من عقود، بل هي فوق ذاك، «جاهلية» النظام السياسي اللبناني القائم على مربع المحاصصة الطائفية، الذي كفل لأمراء الحرب وشيوخ الطوائف والأديان والأقوام وأنجال وأحفاد نظام «الإقطاع السياسي» منظومة المصالح ونظام الامتيازات، الذي يقبع خارج القانون وفوقه، ويكفل إعادة «تدوير» الطبقة السياسية» ذاتها، ويضمن عدم تجديدها من خارجها، وينشئ تبعاً لذلك، نظاماً فريداً من الفساد، معززاً بقوة العصبيات القبليات، ومحمياً بالصيغة والتقاليد اللبنانية.

لست هنا في بحثٍ عن مسؤولية الوزير/ النائب وئام وهّاب عمّا جرى ويجري، فالرجل يمتلك لساناً صليتاً، وقدرة هائلة على جذب المستمعين والمستمعات، لدرجة جعلت منه صاحب أرقام قياسية في استدراج الإعلانات للمحطات التي يظهر على شاشاتها ... كما أنني لست كذلك بصدد تحليل السلوك السياسي والقضائي والأمني لفريق الرئيس سعد الحريري، فتلكم تفاصيل لا تهمنا نحن الذين نرقب المشهد اللبناني من خارجه.

لكنني ومن موقع الإدراك لجملة التعقيدات المحلية والخارجية الحاكمة للمشهد اللبناني، والمقررة لسلوك أطرافه الفاعلة، ومن مختلف «الملل والنحل»، أود التركيز على مفاعيل الانتخابات النيابية الأخيرة ونتائجها، بعد اعتماد نظام انتخابي جديد، يقوم على النسبية على مستوى الدوائر، بوجود «صوت تفضيلي» إلى جانب الصوت الممنوح للقائمة.

لقد توفرت للبنانيين لأول مرة منذ الاستقلال، الفرصة لتقرير أحجام وأوزان القوى السياسية التي تمثلهم، أو تدّعي تمثيلهم، وبدرجة «معقولة جداً» من الصدقية والصحة، بعد أن كان النظام «الأغلبي»، يمكن زعماء الطوائف من حصد المقاعد المخصصة لها، جميعها أو بنسبة كبيرة جداً منها، وتهميش القوى المنافسة الأخرى، بل وإخراجها من حلبة البرلمان وملاعب السياسة إلى حد كبير.

أظهرت نتائج الانتخابات أن الحد الأقصى الذي يمكن لزعامة الدروز التقليدية: بيت جنبلاط، أن تدعي تمثيله لا يزيد كثيراً عن الستين بالمائة من أبناء الطائفة ومريدي القوى التي تمثلها ... يعني ذلك، أن أربعين بالمائة من أصوات بني معروف، ذهبت لخصوم جنبلاط ومنافسيه ... يعني ذلك، أن الوكالة الحصرية لتمثيل الدروز قد ضربت، وان ثمة قوى، بصرف النظر عن مدى جديتها أو درجة موثوقيتها، قد باتت مؤهلة لمنافسة الزعامة الجنبلاطية، لاسيما أنها تقف على عتبات مرحلة انتقال حرج من جيل (وليد بيك) إلى جيل (تيمور بيك)، ومن دون ضمانات بأن هذا الانتقال، سيحفظ للجنبلاطية السياسية موقعها المتميز والمتوارث.

قبلها، جاءت الانتخابات على قانون النسبية، بنتيجة صادمة للرئيس الحريري وتيار المستقبل، إذ خسر تمثيل ما يقرب من ربع مقاعد الطائفة السنية ... هنا أيضاً، بدا أن «الحريرية السياسية» مهددة بفقدان زعامتها المتكرسة منذ ثلاثة عقود، وخسارة الوكالة الحصرية للتمثيل السني.

الحريري كما جنبلاط، لم يعترفا بنتائج الانتخابات سياسياً، وإن كانا لم يطعنا بها قانونياً وإجرائياً... واصل الرجلان التصرف كما لو أن الانتخابات لم تجر، وأن ميزان القوى لم يتبدل ... جنبلاط خاض بشراسة معركة «الوزراء الدروز الثلاثة» ضارباً عرض الحائط بنتائج الانتخابات ... والحريري رفع شعار «بيّ - أب - السنة»، وهو الذي لم يرفعه من قبل، حتى في ذروة احتكاره لتمثيل السنة، وهو يصر اليوم على رفض توزير سني من خارج قائمته في حكومته العتيدة التي لم تر النور بعد، بالرغم من مرور سبعة أشهر على الانتخابات.

قبل جنبلاط والحريري، كان الوزير جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، حزب الرئيس ميشال عون، يخوض معركة تحجيم القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، التي أعطتها نتائج الانتخابات، حجماً واسعاً من التمثيل المسيحي، إذ ضاعفت بأكثر من مرة عدد مقاعدها في مجلس النواب، ومن قلب المعادلة المسيحية، ومن دون مؤثرات لتحالفات من خارجها، كما هو حال التيار الحر ... المعركة التي حملت اسم «العقدة المسيحية» انتهت بمساومات وتنازلات متبادلة على الطريقة اللبنانية المألوفة، وطوي الملف حتى إشعار آخر.

وحدها الطائفة الشيعية، أبقت تمثيلها في البرلمان على ما كان عليه، يتوزعه «الثنائي الشيعي»، ممثلاً بحركة أمل وحزب الله، إذ لم تسجل أي اختراقات في دوائر هذه الطائفة، ولم ينجح من عرفوا بـ»التيار الثالث» في إيصال أحدهم إلى قبة المجلس، بصرف النظر على الأسباب المختلفة التي يجري سوقها لتفسير هذه النتيجة أو تبريرها.

نتائج انتخابات أيار الفائت في لبنان، ما زالت تتفاعل، وتثير موجات ارتدادية سياسية وأمنية، وتحول، إلى جانب عوامل وأسباب عديدة أخرى، دون تشكيل حكومة جديدة، والسبب أن الخاسر في هذه الانتخابات، لا يريد الاعتراف بخسارته، والرابح فيها، متمسك بـ»تقريش» محتويات صناديق الاقتراع، إلى مكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية، تفيده وتخدم بيئته الحاضنة.
 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«جاهلية» لبنان «جاهلية» لبنان



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 09:38 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 12:08 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

كيف نحمي أطفالنا من أخطار الانترنت ؟

GMT 10:51 2020 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

المحكمة تسقط التهمة عن سمية الخشاب

GMT 19:22 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تحديث واتساب الجديد يدعم ثلاث ميزات جديدة

GMT 20:55 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

أجمل إطلالات ربيعية للمحجبات لربيع وصيف 2018

GMT 03:15 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الضياعُ في عينيّ رجل الجبل *

GMT 10:42 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

طهران تنفي نية الرئيس حسن روحاني الاستقالة

GMT 13:08 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

وفاة الكاتب محمد حسن خليفة في معرض الكتاب

GMT 20:27 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ماسك العسل والجزر لبشرة خالية من العيوب

GMT 02:54 2019 الأحد ,21 تموز / يوليو

طريقة تحضير الدجاج على الطريقة الايطالية

GMT 22:16 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

لعبة ROME: Total War – Barbarian Invasion متاحة على أندرويد

GMT 00:45 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

أجمل وأفضل 10 أماكن سياحية عند السفر إلى السويد

GMT 01:55 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

ميرنا وليد تُؤكّد على أنّ "قيد عائلي" مكتوبٌ بحرفية عالية

GMT 10:55 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود خياركِ الأول لأجمل عبايات مخمل شتاء 2019
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya