ثلاثة صناديق في حياة «السياسي»

ثلاثة صناديق في حياة «السياسي»

المغرب اليوم -

ثلاثة صناديق في حياة «السياسي»

بقلم : عريب الرنتاوي
وفي واحدٍ من لقاءاته الجماهيرية الحاشدة في مدينة إسطنبول أثناء انتخاباتها البلدية الأخيرة، وضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جمهور الناخبين بين خيارين اثنين لا ثالث لهما: إما التصويت لمرشحه بن علي يلدريم، أو انتخاب عبد الفتاح السيسي (يقصد مرشح المعارضة الجمهورية إمام أوغلو) ... المفاضلة غريبة وعجيبة، لكن الرجل أدرك بغريزته الشعوبية أن استحضار «تراجيديا» الرئيس المنتخب محمد مرسي الذي سقط ميتاً في قاعة المحكمة، يمكن أن يستثير حماسة الفئات البسيطة من الناخبين الأتراك، سيما وأن واقعة وفاة الرئيس المصري الأسبق، لم يكن مضى عليها سوى خمسة أيام فقط. حتى الآن، يبدو هذا النمط من الخطابات والمواقف مألوفاً لدى الرجل الذي اعتاد أن يطلق مواقفه الكبرى من فوق منصة المهرجانات الجماهيرية الحاشدة، شأنه في ذلك شأن معظم السياسيين «العقائديين» على اختلاف مرجعياتهم وعقائدهم ... لكن يسجل للرئيس أردوغان أنه حطم رقماً قياسياً عالمياً في عدد المهرجانات واللقاءات الشعبية الحاشدة التي خاطبها وأعداد المشاركين فيها، وأنه الزعيم الدولي المعاصر الأكثر حضوراً في هذا المضمار. لكن ما أثار انتباهي ودهشتي في الخطاب ذاته، أن الرجل تحدث لمئات ألوف الأتراك، كما لو أنه شخصياً، وليس مرشحه بن علي يلدريم، هو من يخوض غمار المنافسة على رئاسة بلدية إسطنبول، التي سبق له وأن تربع على عرشها في العام 1994، ومن على ظهرها انتقل إلى سدة رئاسة الحكومة، قبل أن يحيل البلاد إلى النظام الرئاسي، بدلاً عن البرلماني المعمول به في البلاد، وليضع بين يديه مختلف السلطات والصلاحيات كما لم يفعل أحدٌ من قبله. الملاحظة الثانية التي أثارت فضولي في الخطاب إياه، قول أردوغان: أنهم – لا أعرف من – يهددونا بمصير مرسي، نحن لا نخشاهم، يريدوننا بالأكفان، وها نحن نرتديها ... تلكم كانت صدمة كبرى بالنسبة لي شخصياً كمراقب للشأن التركي مهتم بكل تفاصيله ... من هم الذين يتوعدونه بالسجن أو القتل، كما ألمح، وهل للأمر صلة بالمعركة على بلدية إسطنبول؟ ... وما (ومن) الذي يخشاه الزعيم التركي الذي فاز بأكبر عدد من الانتخابات والاستفتاءات في ربع القرن الأخير منذ انتخابه رئيساً لبلدية إسطنبول؟ ولأن الشيء بالشيء يذكر، فقد كنت أتابع الانتخابات الدنماركية قبل أيام، ووجدت رئيس الوزراء اليميني الوسطي لارس لوكه راسموسن، يتقدم باستقالته بكل هدوء للملكة، ويغادر مكتبه راجلاً، بعد أن جمع مقتنياته الشخصية في «حقيبة ظهر»، بلا مراسم ولا حراسات مشددة ولا مخاوف ولا قلق من مرحلة «ما بعد الهزيمة في الانتخابات» ... عاد مواطناً يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ... يبدو أن هذه الصورة، لم تراود مخيلة الزعيم التركي في أي مرحلة من مراحل حياته السياسية، والمؤكد أنها لم تعد تراوده الآن. في حياة السياسيين، سيما العقائديين منهم، ثلاثة صناديق: صندوق الاقتراع، الذي يدخل من فتحته الض يقة إلى فضاءات السلطة والحكم على اتساعها.. صندوق الذخيرة، الذي يلجأ إليه للوصول إلى السلطة أو حسم خلافاته مع خصوم الداخل والخارج ... أما الصندوق الثالث، الخشبي، متعدد الأشكال والأثمان، فهو ذاك الذي يسجى عليه، في رحلته الأخيرة الى منزله الأخير، وغالباً بفعل فاعل.   بقية مقال عريب الرنتاوي  المنشور على الصفحة الأخيرة الجزء الأول   أردوغان اختبر الصندوقين الأوليين، لجأ إلى صندوق الاقتراع فوصل إلى السلطة على رأس حزبه معززاً مكرماً، بدل المرة أكثر من مرة ... ولجأ إلى صندوق الذخيرة عندما خذله الناخبون الأتراك في انتخابات 2015، ولم يمكنوه من حكم البلاد منفرداً، شن أوسع حرب على «الإرهاب الكردي»، ونجح في شد العصب القومي للأتراك، بعد أن اكتشف أن شد العصب الديني وحده لم يعد كافياً لضمان التفرد في حكم البلاد، وكان له ما أراد ... أما اليوم، فإن شبح الصندوق الثالث، يطل برأسه على الرجل كما يتضح من أقواله، وبصورة فاجأتنا نحن المراقبين عن بعد، وربما فاجأت الجمهور التركي ذاته، فهذه النهايات البشعة لرجال الحكم والسياسة ليست من الديمقراطية في شيء. أردوغان وحزبه الحاكم، نجحا في انتخابات حرة لم يشكك أحدٌ بنزاهتها سوى الرئيس والحزب الحاكم (انتخابات إسطنبول في مارس/ آذار 2019 مثالاً) ... لكن الرجل، وتحديداً في السنوات الأخيرة من حكمه المديد، اعتمد خطاباً «أقصوياً «على المستوى الداخلي، أخذ على حزب الشعب الجمهوري أن جمهوره من العلويين، وأخذ على إمام أوغلو أنه من بقايا «البيزنطيين» الذين «تأسلموا» و»تتركوا»، ووضع قادة حزب الشعوب الديمقراطية في السجون، وهم نواب منتخبون، وزج بعشرات ألوف الناشطين في السجون وأضعافهم أجبروا على ترك وظائفهم، دفع بحالة الاستقطاب الداخلي ونزاع الهويات إلى حدود قصوى ... أبعد معظم قادة الحزب التاريخيين من رفاق دربه ... وثمة قصص لا مجال للخوض بها عن ممارسات فاسدة تطاول الحلقة الضيقة من مقربيه وأقربائه... وربما لكل هذه الأسباب، أخذ يتصرف على ما يتضح من هواجسه ومخاوفه، على قاعدة «إما قاتل أو مقتول»، وليس وفقاً للقاعدة الديمقراطية، فائز أو «لم يحالفه الحظ»، ويتقمص مقدماً شخصية «البطل التراجيدي». يبدو أن البقاء على عرش السلطة، هو المصدر الوحيد لبعث الطمأنينة في نفس الرجل الأهم في تاريخ تركيا المعاصر منذ أتاتورك ... الخروج منها سيفتح الباب لحروب «التصفيات وتسوية الحسابات»، أو على الأقل، هكذا يعتقد الرجل الذي يخشى على نفسه من مصير محمد مرسي، وعلى حزبه من مصير جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فما الذي فعله الرجل والحزب، ليصاب بكل هذا «الرهاب»، ما الذي يخشاه أردوغان، ومن الذين يخشاهم؟  

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثلاثة صناديق في حياة «السياسي» ثلاثة صناديق في حياة «السياسي»



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 17:57 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي التحدي يبرم عدة صفقات استعدادًا للدوري الليبي

GMT 21:00 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

ترامب ينشر خريطة دولة فلسطين وفقا لـ"صفقة القرن"

GMT 11:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

أسعار النفط ترتفع بسبب توقف خط أنابيب في بحر الشمال

GMT 02:55 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مجتمع اليخوت الفاخرة مقصد أصحاب لثروات في موناكو

GMT 23:36 2017 السبت ,30 أيلول / سبتمبر

أجزاؤها أشيائي

GMT 15:10 2015 الإثنين ,02 شباط / فبراير

سلطة العدس

GMT 17:34 2012 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

صوفيا فيرغارا في تصميم لزهير مراد

GMT 04:22 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

ضريح القديس يهوذا وحصنه الشاهق يزيّنان جانسي الهندية

GMT 22:06 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

صلاح الدين بصير شبح أسود لحراس المرمى

GMT 15:09 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

إحباط سرقة سيارة لنقل الأموال في أيت أورير ضواحي مراكش
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya