تركيا وكردستان حسابات أكثر تعقيداً

تركيا وكردستان... حسابات أكثر تعقيداً

المغرب اليوم -

تركيا وكردستان حسابات أكثر تعقيداً

بقلم - عريب الرنتاوي

ما إن بدا أن حكومة إقليم كردستان العراق، قد حزمت أمرها وقررت إجراء الاستفتاء على تقرير المصير في موعده المقرر، حتى شرع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن ورائه رهطٌ من الساسة الأتراك، في إطلاق سيل جارف من التهديد والوعيد ... الاستفتاء تم، والتهديدات تصاعدت وتعاظمت وتيرتها، بيد أن شيئاً على الأرض لم يتغير، وأنقرة لم تأخذ خطوة عملية واحدة حتى الآن، لثني أربيل عن موقفها وإلزامها بإلغاء نتائج الاستفتاء.
ثلاثة معابر حدودية برية بين الإقليم وتركيا، أشهرها معبر خابور، لم تغلق حتى الان، برغم الإنذارات المبكرة بذلك ... تركيا لم تغلق أجواءها بعد في وجه الإقليم برغم التلويح المتكرر بهذه الخطوة... النفط ما زال يتدفق في الأنابيب المتجهة إلى ميناء جيهان، محمّلة بـ 300 ألف برميل من النفط يومياً من دون انقطاع ... الشركات والبنوك التركية الكبرى، وعددها يزيد عن 200 شركة، ما زالت تفتح أبوابها للزبائن في مدن الإقليم المختلفة، شراكات تركية – كردية تنضوي في إطار 1300 مؤسسة ما زالت تزاول أعمالها كالمعتاد، موفرة 200 ألف فرصة عمل لمواطنين أكراد من الإقليم ... حجم الاستثمار التركي في كردستان لا يقل عن 40 مليار دولار، وبعض المصادر تتحدث عن 52 مليار دولار، جعلت من تركيا أكبر مستثمر دولي في الإقليم، مقابل 100 مليار دولار استثمار كردي في تركيا، نصفها أو أزيد قليلاً، استثمارات عائدة لعائلة البازاني كما تقول مصادر عراقية وتركية متطابقة.
طوال السنوات التي أعقبت صعود حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في أنقرة، تزامناً مع سقوط صدام حسين في بغداد، جرت تطورات عميقة ومتسارعة على مسارات العلاقة بين تركيا وكردستان، بالرغم من الصراع التقليدي – التاريخي بين الجانبين ... وتعززت العلاقات الثنائية، بشبكة معقدة من المصالح المتبادلة، التي من شأنها جعل العودة عن هذا المسار، أمراً مكلفاً ومتعذراً... تعززت اعتمادية الإقليم على تركيا، وتعاظمت مصالح تركيا في الإقليم.
وبالطبع، فإن لكل فريق من فريقي العلاقة، حساباته ورهاناته التي دفعته لتعزيز هذه العلاقات وتشييدها فوق “بنية تحتية صلبة” ... الأتراك راهنوا على احتواء الإقليم، والحد من طموحاته الاستقلالية، بل واستخدامه رأس حربة في الصراع والمنافسة مع بغداد وإيران ... والإقليم راهن على أن مصالح تركيا المتعاظمة فيه ومعه، ستكون كافية لتدوير الزوايا الحادة في الموقف التركي من المسألة الكردية، وتحديداً حين تأتي لحظة الحقيقة والاستحقاق، أو لحظة الحقيقة والاستفتاء ... لكن الأمور لم تجر على هذا النحو، وأردوغان وحكومته وحزبه، يجدون أنفسهم اليوم في مواجهة حسابات أكثر تعقيداً من حسابات الربح والخسارة وفائض الميزان التجاري أو عجزه.
صحيح أن الأرقام السابقة تفسر إلى حد كبير، حالة التباطؤ في “ردة الفعل التركية” والفجوة الواسعة التي تباعد ما بين التهديدات اللفظية، التي اشتهر بها أردوغان على أي حال، وباتت جزءا من شخصيته من جهة، والخطوات الفعلية على الأرض، والتي لا تكاد تُرى أو تُلحظ من جهة أخرى ... لكن الأصح، أن هناك مصالح تركية كبيرة، يتعين الانتباه لها وأخذها بنظر الاعتبار، وهذا ما دفع أردوغان وحكومته، للقول مراراً وتكراراً إنهم معنيون بمعاقبة المسؤول على قرار الاستفتاء وليس الشعب الكردي، في إشارة قد تكشف سر التباطؤ في فرض خطوات عقابية على الإقليم، وتعطي مؤشراً على طبيعة وححجم العقوبات التي ستفرضها تركيا على الإقليم، خلافاً لما هي عليه الحال بالنسبة لإيران، التي سارعت لإغلاق الحدود البرية والمجال الجوي وتجميد وإلغاء الاتفاقات الثنائية، والتلويح بخيار القوة العسكرية إن لزم الأمر.
لأردوغان وحزبه وحكومته، حسابات أخرى عند النظر إلى هذه المسألة ... فإن هو ذهب بعيداً في معاقبة الإقليم، انقلب السحر على الساحر، ليس بمنظور الأرقام السابقة فحسب، بل وربما بخسارة كتلة تصويتية كبيرة في صفوف أكراد تركيا، اعتاد هو شخصياً وحزب العدالة والتنمية، الحصول عليها في كل انتخابات.
وإن هو استمر في المماطلة والمراوغة، وفصل الأقوال عن الأفعال، خاطر بانتقال عدوى تقرير المصير إلى الداخل التركي، فضلاً عن المقامرة بخسارة أصوات الطورانيين الأتراك، الذين دعموه وحزبه في آخر انتخابات واستفتاءات، أعقبت حربه المتجددة على اكراد بلاده في جنوب شرق الأناضول.
كلا الخيارين مكلف للرجل، ولكل منهما تأثيره المباشر على مستقبله الشخصي والسياسي ومصير الأغلبية المريحة التي يتمتع بها حزبه في البرلمان والحكومة، بل ولكل منهما انعكاسات مباشرة على أمن تركيا الوطني وسلامة وحدتها الترابية ونسيجها المجتمعي.
لغة الأرقام و”لوغاريتماتها” أمر مهم من منظور انقرة، لكن لغة الأمن القومي وحسابات المصالح الحزبية والشخصية للرئيس والحزب الحاكم، أمرٌ أكثر أهمية عندما تحين لحظة اتخاذ القرارات الحاسمة، والوقت ينفد أمام أردوغان، وسوف يجد نفسه مضطراً للمفاضلة والاختيار، وربما في غضون أيام قلائل.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تركيا وكردستان حسابات أكثر تعقيداً تركيا وكردستان حسابات أكثر تعقيداً



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:08 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العذراء

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 14:43 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

قائمة بأسماء أفضل المطاعم في مدينة إسطنبول التركية

GMT 23:38 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

9 أسباب لفشل عمليات أطفال الأنابيب

GMT 11:09 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

كلويه CHLOE عطر بروح الأناقة من "نو مايد "

GMT 16:16 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

دبي تقدم أغلى عطر في العالم "شموخ "

GMT 07:03 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تذوق أشهى الأطعمة والمشروبات الساخنة في "نوفوسيبرسك"

GMT 15:32 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

برنامج طبي خاص للاعب طائرة الأهلي عبدالحليم عبو

GMT 22:34 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع مخزونات النفط الأميركي الخام إلى 6.490 مليون برميل

GMT 08:39 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الياباني يوشيهيتو نيشيوكا يحصد لقب بطولة شينغن للتنس

GMT 13:56 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف يؤكّد أن عمر جمال يملك عرضًا للرحيل

GMT 04:51 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

تعرفي على أهم العطور المفضلة لدى المشاهير

GMT 02:00 2018 الأربعاء ,28 شباط / فبراير

ديكورات مثيرة لحمامات كلاسيكية باللون الرمادي

GMT 01:32 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

لسه فاكر

GMT 15:46 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

الكاتب مصطفى محرم يُشير إلى أقرب الأعمال إلى قلبه

GMT 05:18 2013 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"تويوتا" FCV تستعرض تقنية خلايا الوقود وستطرح

GMT 18:18 2016 السبت ,21 أيار / مايو

بريشة:سعيد الفرماوي

GMT 16:29 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

إيطاليا تدعو إلى استئناف إنتاج وتصدير النفط الليبي دون شروط
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya