كيف يمكن فصل السياسي عن الإنساني في غزة

كيف يمكن فصل "السياسي" عن "الإنساني" في غزة؟

المغرب اليوم -

كيف يمكن فصل السياسي عن الإنساني في غزة

بقلم :عريب الرنتاوي

القناعة السائدة لدى أوساط واسعة من الفلسطينيين، أن الولايات المتحدة، تسعى في اختصار فلسطين بغزة، واستتباعاً، الحل السياسي بالحل «الإنساني»، وهذا ما أوضحه صائب عريقات في تعليقه على مهمة كوشنير وصحبه، في تحايل مكشوف على القانون والإجماع الدوليين على أسس الحل النهائي للقضية الفلسطينية، وفقاً لتعبير حنان عشراوي.

لا شك أن الوضع الإنساني لقطاع غزة وأهله، لامس منذ زمن ضفاف «الكارثة الإنسانية المحدقة»... ولا شك، أن التفكير بحلول «إنسانية» للأزمة الإنسانية، يبدو أمراً عاجلاً، وعلى درجة قصوى من الإلحاح، وليس ترفاً فائضاً عن الحاجة أبداً، سيما وأن آخر «متنفس» لأهل القطاع من اللاجئين، معرض للانسداد، بعد إعلان «الأونروا» نيتها وقف رواتب العاملين فيها وتقليص الخدمات المقدمة للسكان... يبدو أن السلطة ليست وحدها، من يقطع الرواتب أو يقلصها، المنظمات الدولية تفعل ذلك أيضاً تحت ضغط العجز المتراكم في موازناتها.

واشنطن تعرف تمام المعرفة، حقائق الوضع الإنساني المتردي في القطاع، وهي لم تكترث به أبداً، برغم تفاقمه وتزايد حدته، بل كانت بدعمها لإسرائيل ودفاعها عنها في مختلف المحافل وبشتى الطرق، شريكة في المسؤولية مباشرة عن «كارثة غزة الإنسانية»... بيد أنها، ولدوافع سياسية معروفة، إسرائيلية بالأساس، بدأت تثير «المسألة الإنسانية» كما لم تفعل من قبل، وهي خصصت لها جلسات «عصف ذهني» في البيت الأبيض، وبمشاركة دول عديدة، ليست السلطة من ضمنها... واليوم، تدور مهمة كوشنير وصحبه، حول «غزة أولاً»، وفي إطار التهيئة لـ»صفقة القرن»، بل وربما تصبح غزة، وغزة وحدها، هي صفقة القرن، من ألفها إلى يائها

هي إذن معضلة، يتعين على العقل الفلسطيني اليقظ والواعي، أن يفكك ألغازها، فمن جهة أولى تبدو غزة بأمس الحاجة للإغاثة الإنسانية العاجلة، ومن جهة ثانية، تبدو «القناة الإنسانية» مرشحة أكثر من غيرها، لتمرير «حل تصفوي» للقضية الفلسطينية، فتحت عباءة المساعدات وإعادة الإعمار وتوفير فرص العمل، وتأمين الماء والكهرباء، ومشروعي المطار والميناء، تتخفى أكثر المبادرات ومشاريع الحلول، خطورة على الشعب الفلسطيني وكفاحه العادل وقضيته الوطنية وحقوقه المشروعة، فما العمل حيال أمر شديد التشابك كهذا، وكيف يمكن فصل «السياسي» عن «الإنساني» في المقاربات الأمريكية – الإسرائيلية، التي يجري التبشير بها والترويج لها؟.

تستطيع سلطة الأمر الواقع في غزة، أن «تركب رأسها» وأن تراهن على الورقة «الإنسانية» لاستدراج مكاسب «سياسية» في القطاع المحاصر والمجوّع... من دون أن تجد نفسها مضطرة للتخلي عن «لاءات الخرطوم الثلاثة»: لا صلح لا تفاوض ولا اعتراف... والأرجح أن أحداً لن يطلب منها أمراً كهذا، بل والأرجح أن أحداً لا يريد أن يتفاوض أو يتصالح معها أو أن يعترف بـ»شرعيتها»... كل ما هو مطلوب من حماس، هو أن تحفظ أمن القطاع في «هدنة» متطاولة وبعيدة المدى، وأن تقبل بخضوع القطاع لآليات التحقق والتفتيش والرقابة، وأن توكل أمر إدارة القطاع، لهيئة مدنية مقبولة من المجتمع الدولي، ترعى شؤون «البنية الفوقية» للقطاع، حتى وإن ظلت لحماس اليد الطولى فيما هو تحت الأرض، وما يتعلق بالبنى التحتية لغزة.

وثمة أطراف إقليمية، وتحديداً تركيا وقطر، قد تدعمان هذا التوجه، وقد تبحثا عن مخارج وتسويات، لتمرير «الحل الإنساني» من دون المساس بسلطة الأمر الواقع، وبما يداعب مخيلة، فريق وازن في حماس... وهذا «السيناريو الخطير» هو ما يسعى جرينبلات، بالتنسيق مع الإسرائيلي، لسبر أغواره وتسويقه والبحث عن فرص لتظهيره... وهو السيناريو ذاته، الذي يأتي كوشنير وصحبه على المنطقة، لوضع النقاط الأخيرة على حروفه.

وسيكون بمقدور حماس أن تدعي أنها لم تفاوض ولم تبرم صفقة أو اتفاقاً، وقد ينساق إلى هذه «القناة الإنسانية» فريق منها بحسن نوايا، مع أن الطرق إلى جهنهم، غالباً ما تكون مفروشة بأحسن النوايا وأطيبها... وقد تجد حماس، تأييداً لها من قبل قطاع من أهل القطاع، أثقلت كاهله ليالي الحصار الطويلة والعقوبات الجائرة... لكن التاريخ لن يرحم المتورطين في لعبة «تسلل السياسي خلف الإنساني» وتلطيه بعباءته، مهما كانت النوايا، وأياً كانت المبررات أو التبريرات.

وفي ظل الانقسام الفلسطيني، السياسي والمؤسساتي والجغرافي، الأخطر في تاريخ شعب فلسطين الحديث والمعاصر، فإن أي بحث «انساني» حول القطاع، لن يفضي إلا تكريس هذا الانقسام، وتعبيد الطريق أمام «دويلة غزة» أو «إمارتها»... ولن تنفع بعدها كل الشعارات الباذخة: لا دولة في غزة ولا دولة من دونها... سننتهي إلى «إمارة الأمر الواقع في غزة»، مثلما انتهينا بعد إحدى عشرة سنة من الانقسام، إلى سلطة الأمر الواقع في غزة.

وحدها مصالحة وطنية شاملة وحقيقية، يمكن أن توفر شبكة أمان، تمنع الإنساني من الحلول مع السياسي في معالجة ملف غزة... وتحول دون تحوّل «المؤقت» إلى «دائم»، جرياً على المألوف الإسرائيلي في التعامل مع الفلسطينيين... وكل حديث عن حلول إنسانية لأزمة القطاع، خارج إطار المصالحة والوحدة الوطنية، سيصب الحب صافياً في مشروع ترامب وصفقة العصر و»غزة أولا».

مشروع ترامب وصفقة القرن و»غزة أولاً وأخيراً»، ليس قدراً لا رادّ له... ثمة أوراق عديدة يمكن اللجوء إليها لإسقاط هذا المشروع، إن خلصت النوايا، وتغلبت المصلحة الوطنية العليا على المصالح الفصائلية الدنيا... ثمة امعتاض عالمي من ترامب وإدارته وصفقته... وثمة انقسامات في العالم العربي والإقليم يمكن توظيفها، وثمة فريق من حماس، غير مستعد للتساوق مع المشاريع المعدة للقطاع، والأهم من كل هذا وذاك وتلك، أن وحدة الموقف الفلسطيني، كفيلة وحدها، بإحباط المسعى الأمريكي، وتشييد السدود المنيعة التي تحول دون تدفقه إلى العمق الفلسطيني، فهل يقتنص الفلسطينيون اللحظة التاريخية قبل فوات الأوان؟

المصدر : جريدة الدستور

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف يمكن فصل السياسي عن الإنساني في غزة كيف يمكن فصل السياسي عن الإنساني في غزة



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:08 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العذراء

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 14:43 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

قائمة بأسماء أفضل المطاعم في مدينة إسطنبول التركية

GMT 23:38 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

9 أسباب لفشل عمليات أطفال الأنابيب

GMT 11:09 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

كلويه CHLOE عطر بروح الأناقة من "نو مايد "

GMT 16:16 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

دبي تقدم أغلى عطر في العالم "شموخ "

GMT 07:03 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تذوق أشهى الأطعمة والمشروبات الساخنة في "نوفوسيبرسك"

GMT 15:32 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

برنامج طبي خاص للاعب طائرة الأهلي عبدالحليم عبو

GMT 22:34 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع مخزونات النفط الأميركي الخام إلى 6.490 مليون برميل

GMT 08:39 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الياباني يوشيهيتو نيشيوكا يحصد لقب بطولة شينغن للتنس

GMT 13:56 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف يؤكّد أن عمر جمال يملك عرضًا للرحيل

GMT 04:51 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

تعرفي على أهم العطور المفضلة لدى المشاهير

GMT 02:00 2018 الأربعاء ,28 شباط / فبراير

ديكورات مثيرة لحمامات كلاسيكية باللون الرمادي

GMT 01:32 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

لسه فاكر

GMT 15:46 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

الكاتب مصطفى محرم يُشير إلى أقرب الأعمال إلى قلبه

GMT 05:18 2013 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"تويوتا" FCV تستعرض تقنية خلايا الوقود وستطرح

GMT 18:18 2016 السبت ,21 أيار / مايو

بريشة:سعيد الفرماوي

GMT 16:29 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

إيطاليا تدعو إلى استئناف إنتاج وتصدير النفط الليبي دون شروط
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya