«تخليق» السياسة السويد نموذجاً

«تخليق» السياسة... السويد نموذجاً

المغرب اليوم -

«تخليق» السياسة السويد نموذجاً

عريب الرنتاوي


أول دروس السياسة، علماً وتجريةً، يقول: “لا أخلاق في السياسة”، وربما بات هذا التعبير هو الأكثر شيوعاً في المقالات والتعليقات والتحليلات السياسة، حتى بدا أننا أمام “قاعدة فقهية” لا تقبل النقد أو النقض.
لكن السويد تأبى إلا أن تعلمنا درساً مغايراً، وأن تفعل ذلك مرتين في غضون أشهر قلائل لا أكثر ... المرة الأولى حين شقت عصا الطاعة الأوروبية والغربية عموماً، فتقرر الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، مدشّنة بذلك عهد الاعترافات البرلمانية الأوروبية بفلسطين، غير آبهة بالابتزاز والتهويل... والمرة الثانية عندما ضربت عرض الحائط بعقود السلاح المجزية وقررت فتح ملفات حقوق الإنسان في بعض الدول المدرجة على قوائم “الزبائن”، مجازفةً بخسارة عقود فلكية جارية وأخرى محتملة.
في التجربة الفلسطينية للسويد، قرر البلد الغني باحترامه لحق الشعوب في تقرير مصيرها، أن تنتصر للمظلوم والمستضعف، واستحقت لذلك احترام شعوب المنطقة العربية وجميع الأحرار والشرفاء في العالم... وعبرت عشرات المقالات والأنشطة والبيانات الصادرة عن أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني، عن وافر التقدير والأحترام لشعب حر وصديق، وكان من المفترض أن يحل وزير خارجية السويد ضيفاً على آخر اجتماع لوزراء الخارجية العرب لولا الحملة الظالمة التي أثيرت ضد موقف استوكهولم من قضايا حقوق الإنسان في دولٍ عربية.
لكن في تجربة الدفاع عن حقوق الإنسان، بدا أن الدولة الإسكندنافية قد ضربت على وتر حساس لكثرة كاثرة من الحكومات العربية، التي سارعت للتنديد والإدانة واستدعاء السفراء، وادّعاء التجني والافتئات وإصدار البيانات التضامنية على قاعدة “وهل أنا إلا من غزية...”، وشيئاً فشيئاً تحولت السويد من دولة صديقة وعادلة، تحكمها القيم والأخلاق، إلى “شيطان رجيم”، يُخفي خلف مظهره المخادع، أبشع الأجندات وأكثرها مساساً بالمصالح العربية؟!
مع أن استوكهولم في التجربتين، لم تصدر عن “مصالح خاصة” أو “أجندات مُضمرة”... انتصرت لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير من دون أن تضمر عداوة مسبقة أو لاحقة لإسرائيل... إسرائيل هي من استشاط غضباً وغيظاً، وهي التي لم تعتد أن ترى سلوكاً غربياً أخلاقياً، متحرراً من قيود “المعايير المزدوجة” و”النفاق الاستعماري” و”ابتزاز جماعات الضغط”.
وحين انتصرت الدولة الرائدة في مجال حقوق الإنسان لحقوق الإنسان العربي، لم تكن زاهدة في مبيعات السلاح ولا الأسواق، بل محكومة بقواعد قيمية وأخلاقية “قارّة” منذ عشرات وبعضها مئات السنين، بخلاف “من ينهى عن خلقٍ ويأتي بمثله” ... فلا أحد بمقدوره أن يجرؤ على اتهام استوكهولم بخلاف ما تدّعيه... لكن حكوماتنا هي من استشاطت بدورها، غضباً وغيظاً كذلك... وبدل أن تصرف الوقت والجهد في التصدي لمعركة خاسرة مع السويد، كان يتعين عليها أن تمعن التفكير والتدبير لتحسين حال حقوق الإنسان في مجتمعاتها.
لا شك أن “تخليق” السياسة هو عبء ثقيل على من يريد خوض غماره، ولا شك أننا قد نسمع أصواتاً من داخل السويد تعترض على تعريض مصالح البلاد وتجارتها وعلاقاتها مع المنظومة الغربية للخطر ... لكننا واثقون من أن هذه الدولة قادرة على المضي في “مجازفتها” للنهاية، مستندة في ذلك إلى عاملين اثنين... الأول؛ أن لديها ديمقراطية صلبة ومجتمع متشرّب لثقافة حقوق الإنسان ومتخفف من عقد وقيود الماضي ( والحاضر) الكولونيالي لدول غربية عديدة... والثاني؛ أنها دولة تتكئ على جدار استنادي صلب يوفره اقتصاد قوي ومعدلات دخل قياسية السويد نجحت في تبديد ما ظننا أنها مُسلّمة، وأكدت أن الجمع بين الأخلاق والسياسة ما زال أمراً ممكناً... بل وأكدت بالملموس، أن “ تخليق السياسة” ما زال متاحاً، نظرياً والأهم، عملياً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«تخليق» السياسة السويد نموذجاً «تخليق» السياسة السويد نموذجاً



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 09:38 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 12:08 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

كيف نحمي أطفالنا من أخطار الانترنت ؟

GMT 10:51 2020 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

المحكمة تسقط التهمة عن سمية الخشاب

GMT 19:22 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تحديث واتساب الجديد يدعم ثلاث ميزات جديدة

GMT 20:55 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

أجمل إطلالات ربيعية للمحجبات لربيع وصيف 2018

GMT 03:15 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الضياعُ في عينيّ رجل الجبل *

GMT 10:42 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

طهران تنفي نية الرئيس حسن روحاني الاستقالة

GMT 13:08 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

وفاة الكاتب محمد حسن خليفة في معرض الكتاب

GMT 20:27 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ماسك العسل والجزر لبشرة خالية من العيوب
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya