لكي ننقذ صحافة لبنان وتبقى «السفير»

لكي ننقذ صحافة لبنان وتبقى «السفير»..

المغرب اليوم -

لكي ننقذ صحافة لبنان وتبقى «السفير»

طلال سلمان

بداية، لا بد من توجيه تحية ودّ وتقدير لكل من وقف مسانداً «السفير»، رافضاً احتمال توقفها عن الصدور مع عيدها الثالث والأربعين... برغم وعي الجميع جسامة المهمة وأثقالها المادية المتزايدة في حين يتناقص الدخل الطبيعي إعلاناً واشتراكاً وبيعاً، وذلك لأسباب مختلفة لا تتصل دائماً بخط المطبوعة أو توجهاتها السياسية. وبديهي أن نقدّر الوقفة الجماعية لأسرة «السفير»، حماية لوجودها.
إن أخطر الأسباب يتصل أساساً بطبيعة النظام الطوائفي وما استولده في دولة تكاد تكون بلا حكم وبمؤسسات شكلية تتقاسمها الطبقة السياسية الفاسدة المفسدة، لاغية الدولة ومدمرة وحدة الشعب، مزورة إرادته. ولو كان الانقسام قد ظل سياسياً، كما هو في جوهره، لكانت فرصة الصحافة أعرض ودورها أخطر كونها منبراً عاماً مفتوحاً للآراء والاجتهادات ووجهات النظر المختلفة التي تؤكد حيوية هذا الشعب المثقف وصاحب الحق في حياة أفضل في وطنه بدل أن يتشرد في بلاد الله سعياً إلى رزقه وبيع كفاءته للخارج.
لقد غمرنا الناس الطيبون والمهتمون بوجود الصحافة بمختلف اتجاهاتها وتلاوينها، واستمرار «السفير» وزميلاتها المهددة بالتوقف عن الصدور، مثلها، بما يؤكد ـ مرة أخرى ـ عداء هذا النظام (وأهله خاصة) للديموقراطية وحق الاختلاف في الرأي الذي يؤكد حيوية هذا الشعب وإصراره على بناء الغد 
الأفضل والخروج من كهوف الطوائف والمذاهب إلى الأفق المفتوح لتعدد الآراء كشهادة للرقي والانتماء إلى العصر.
صار إصدار صحيفة في لبنان، الذي كان «الواحة» في صحراء الأنظمة الدكتاتورية العربية، بدواً وحضراً، مغامرة، إن لم نقل إنها مخاطرة أو مجازفة قد تنتهي بتوقيع الحُرم على حق من يبدي رأياً حراً، أو بمحاولة اغتيال الكاتب الذي لا يملك غير قلمه، أو بالحصار الاقتصادي «بتأديب القراء»، (للتذكير بشهداء الصحافة عموماً والشهداء الأحياء فيها وبينهم كاتب هذه السطور)..
هي معادلة واضحة: كيف تصدر صحيفة تكون منبراً للآراء على اختلافها، والأخطر كاشفاً لوجوه الفساد بمختلف أصنافه التي تدوي فضائحه يومياً، بأسماء أبطاله، بينما زعامات الطوائف تصادر الحياة العامة، في مختلف المواقع الرسمية، بما فيها القضاء، مدنياً وعسكرياً، وتمنع وصول أي تحقيق جدي إلى خاتمته الطبيعية، أي محاسبة المذنبين، مختلسين، وقطاع طرق، وفاسدين لهم من يحميهم ويذود عنهم بالادّعاء «أن هذا هو لبنان، وهذه هي طبيعة نظامه»!..
كيف تصدر صحيفة والحرب الأهلية التي تفاقمت خطورة وتعددت جبهاتها مع ولادة «داعش» أو استيلاده، واندفاعه ـ مستغلاً عجز الأنظمة الدكتاتورية وذات القاعدة الطائفية عن حماية أوطانها ودولها، وضمنها أعرق المدن وأهم مراكز الحضارة في التاريخ الإنساني؟
فكيف إذا كانت الصحيفة تمثل ما مثلته «السفير» في تاريخها: مع المقاومة ضد العدو الإسرائيلي لتحرير الأرض والإرادة، وبالتالي ضد اتفاق 17 أيار 1983 أو أمثاله... ثم مواكبة مختلف أنماط الحوار لابتداع تسوية سياسية تضع حداً للحرب الأهلية على قاعدة توافق سياسي مؤكد ومعزز بالإصلاحات الضرورية.. وهكذا قدمنا محاضر كاملة للحوار السياسي في جنيف ثم في لوزان قبل الوصول إلى الطائف واتفاقه المعروف.
وكانت «السفير» وما تزال مع الناس البسطاء والفقراء المنسيين أو الساقطين من ذاكرة الدولة، بأفضال الطبقة السياسية؟! ..واستطراداً: مناصرة الناس هؤلاء، كما في ملف «الضاحية الضحية»، وسائر المناطق المهمشة والمنسية (تحقيق الليطاني ـ نهر المليون فقير..)، مع التحية لـ«بيروت ـ الأميرة» منارة العرب وكتابهم ومطبعتهم وصحيفة الصباح.
ولقد اجتهدت «السفير» فحاولت أن تجمع بين موقفها السياسي ـ الاجتماعي وبين اهتمامها بالشباب، والبيئة... كما قدمت، ولأول مرة، جرعة إضافية من المعلومات كاشفة مطامع العدو الإسرائيلي في برّنا وبحرنا (البترول).
كذلك قدمت «السفير» ملحقها الأسبوعي «السفير العربي» الذي يقدم صورة مقربة عن الواقع الذي يعيشه إخواننا في مختلف الأقطار العربية مشرقاً ومغرباً، فضلاً عن ملحق فلسطين الذي حاول خدمة الوعي العربي بحقيقة العدو الإسرائيلي ومتابعة نضالات هذا الشعب العربي الشقيق والمظلوم، فضلاً عن نشرة «معلومات» الشهرية. من دون أن ننسى «الكتاب للجميع» الذي دأبت «السفير» على تقديمه هدية لقرائها مرة كل شهر.
بالمقابل بذلت «السفير» جهداً حثيثاً للأخذ بأسباب التقدم فأضافت إلى الصحيفة موقعاً إلكترونياً قبل عشرين سنة أو يزيد يقدم خدمة جدية للقارئ، على مدار الساعة.. وكان ذلك يستهدف محاولة الاحتفاظ بجيل الشباب الذي ـ ومع الأسف ـ هجر الورق إلى الإعلام الرقمي. ومع ذلك خصصت «السفير» ملحقاً أسبوعياً يكتبونه بأقلامهم مع موقع إلكتروني خاص بهم وتجاربهم في الكتابة.
ومعروف أن هذه الهجرة إلى المواقع الإلكترونية تتهدد الصحافة في وجودها على مستوى الكون.. وليس سراً أن بعضاً من أهم الصحف العالمية قد تخلت عن الورق راحلة إلى «غوغل» وأخواتها، طلباً لانتشار كوني...
نعرف أن هذا التحدي المفروض على الصحافة (الورقية)، يتهددها في وجودها، خصوصاً وأنه، حتى الساعة على أقل تقدير، لا يدرّ دخلاً مقبولاً فضلاً عن أن يكون كافياً.
لهذا كله فلا تستطيع الصحف أن تستمر كمؤسسات فردية، ولهذا تعبنا حتى وُفقنا إلى شريك أول، ثم إلى شريك ثان وإن بحصة أقل، لكن ذلك لا يكفي، بل لا بد من شركاء آخرين يؤمنون بدور الصحافة في خدمة الوطن وأهله، ويبذلون بعض مالهم لحماية لبنان الذي كان مصدر تنوير للعرب في مختلف ديارهم... إضافة إلى كونه جامعتهم ومنتداهم الفكري ومصيفهم ومشتاهم والبلد الذي يشعرون فيه أنهم «جيران السماء».
إن صحف لبنان، التي كانت ذات يوم بين مفاخره، مهددة بالتوقف تباعاً... إلا إذا بادر قراؤها عموماً، وخصوصاً المفيدين من وجودها للتدليل على تقدمهم وإيمانهم بالإنسان وحقه في المعرفة، إلى دعمها بالشراكة، أو بالاشتراك الكثيف، لتبقى وليستمر لبنان في مكانته لدى أهله العرب.. بل في العالم أجمع شهادة للعرب تنقض «إنجازات» الأنظمة القمعية و«داعش» وما ماثلها.
ولسوف تستمر «السفير»، بأسرتها التي أصرت على مواصلة الصدور، في قلب الصعوبة، فشجعتنا على اتخاذ القرار بالصمود طالما أمكننا ذلك، مستندين إلى هذا العطف الشعبي العام، وبأمل أن نجد من يساندنا في حماية الكلمة الحرة والرأي والمصدر الموثوق للمعلومات، فضلاً عن القيمة المعنوية التي تضيفها الصحافة إلى سمعة لبنان ودوره في محيطه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لكي ننقذ صحافة لبنان وتبقى «السفير» لكي ننقذ صحافة لبنان وتبقى «السفير»



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 12:12 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 23:16 2014 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على ماسك الذهب

GMT 16:02 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

جريندو أرقام قياسية وألقاب عدة مع الرجاء والمنتخب

GMT 21:00 2017 الثلاثاء ,04 تموز / يوليو

فشل مفاوضات إمبابى مع باريس سان جيرمان

GMT 07:43 2015 الإثنين ,23 آذار/ مارس

أقراص الكوسا والجبن

GMT 11:45 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 09:07 2020 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

تشيلسي يتأهل لدور الستة عشر في كأس الاتحاد الإنجليزي

GMT 06:19 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رودريجو يؤكد كنت أحلم باللعب بجوار كريستيانو رونالدو
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya