المصالحة المجتمعية الشاملة مشروع لم يكتمل

المصالحة المجتمعية الشاملة.. مشروع لم يكتمل

المغرب اليوم -

المصالحة المجتمعية الشاملة مشروع لم يكتمل

بقلم - عبد العالي حامي الدين

بنبرة عاطفية لا تخطئها أذن المستمع لخطاب الأستاذ عبدالرحمان اليوسفي، قال حكيم الاتحاد الاشتراكي، خلال حفل تقديم مذكراته مؤخرا: “إن قوة الأمم ظلت دوما كامنة في تصالحها مع ماضيها وحاضرها، وفي حسن قراءتها لذلك الماضي وذلك الحاضر، حتى يسهل عليها بناء مستقبل بأكبر قدر ممكن من النجاح والتقدم”، وأضاف: “إنني على يقين أن أمتنا ستحسن صنع ذلك المستقبل مادامت مستوعبة لكل دروس وقيم ماضينا وحاضرنا؛ قيم الوطنية وقيم الوفاء وقيم البذل والعطاء، المنتصرة للحوار بدل العنف، والمخصبة للتوافق بدل الاستبداد بالرأي”.

هذه النظرة المتفائلة من رجل مجرب جعلتني أتساءل: هل بالفعل نجحت بلادنا في تحقيق المصالحة المجتمعية الشاملة؟ وهل المنجز الوطني المتمثل في نتائج عمل هيئة الإنصاف والمصالحة يوازيه وعي مجتمعي بمستلزمات بناء الدولة الوطنية، وتحقيق هدف الأمة المتصالحة مع ماضيها

وحاضرها؟

عندما قام جلالة الملك بتنصيب الراحل إدريس بنزكري وباقي أعضاء الهيئة يوم 07 يناير 2004، ألقى خطابا مرجعيا يضع عمل هذه الهيئة ضمن منظور مستقبلي يستهدف تحرير طاقات المجتمع ويتجاوز عقلية الصراع، التي كانت سببا في العديد من المآسي والانتهاكات، التي عاشتها البلاد منذ 1956 إلى 1999، وَمِمَّا جاء في خطاب التنصيب: “وسنظل حريصين على الطي النهائي لهذا الملف، بتعزيز التسوية العادلة غير القضائية، وتضميد جراح الماضي، وجبر الضرر، بمقاربة شمولية، جريئة ومتبصرة، تعتمد الإنصاف ورد الاعتبار، وإعادة الإدماج، واستخلاص العبر والحقائق لمصالحة المغاربة مع ذاتهم وتاريخهم، وتحرير طاقاتهم، للإسهام في بناء المجتمع الديمقراطي الحداثي، الذي يعد خير ضمان لعدم تكرار ما حدث”.

هل نجح خطاب الفاعل السياسي والمدني والإعلامي، أغلبية ومعارضة، في تمثل هذه الإرادة الواضحة وتحويلها إلى أفق متحرر من عقد الماضي، ومتوجه بثبات لصنع مقومات الأمة الموحدة التي تعرف ماذا تريد؟ وإلى أين تسير؟


 
نعم، لقد نجحنا كمجتمع وكدولة في مواجهة سؤال ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بشجاعة، ولم نتهرب من مواجهة هذا الماضي الأليم، المتمثل في الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب والحرمان من الحق في الحياة نتيجة الاستعمال المفرط، وغير المتناسب للقوة العمومية والاغتراب الاضطراري.

لكن، ينبغي الاعتراف بأننا، أو بعضنا على الأقل، لازال أسيرا لسلبيات هذا الماضي، ولم ينجح بعد في القيام بذلك التمرين الضروري، المتمثل في الاعتراف بالآخر والإقرار بالاختلاف، وتحويله إلى مصدر غنى وتنوع داخل مجتمع ديمقراطي تعددي، يمارس فيه جميع المواطنين حقوقهم ويقومون بواجباتهم بكل حرية ومسؤولية في نطاق القانون.

إن حجم العنف اللفظي المتداول في مختلف الوسائط الإعلامية، وشحنة الكراهية الرائجة في التداول العمومي، وحجم الحقد الذي تكشف عنه بعض الخطابات والمحاولات الحثيثة التي يقوم بها البعض لنشر بذور الطائفية المقيتة وتغذية النزعات العرقية وتعميق الصراعات بين أبناء المجتمع الواحد، ومحاولات الاغتيال المعنوي للمخالفين، كل ذلك ينذر بأن مسار المصالحة المجتمعية لم يكتمل بعد..

إن حملات التشهير بالشخصيات العمومية، واستهداف الأقلام الحرة والتوسل إلى ذلك بمعاجم لغوية من قاموس الحرب، يؤكد بأن فلسفة المصالحة لم تستقر بعد في وعي البعض، الذي يحن إلى العودة إلى الماضي بأساليب جديدة، وهو ما يعني بأن هناك عملا بيداغوجيا كبيرا ينتظرنا جميعا، كدولة وكمجتمع.

انطلاقا من كل ما سبق، ينبغي الاعتراف بأن المصالحة بمضمونها الاجتماعي والثقافي هي عمل تراكمي متواصل، يستدعي تعزيز النقاش العمومي الحر والحوار الجاد والاعتراف المتبادل، وتغليب منطق التعاون والشراكة، على منطق القمع والاستئصال، في أفق إرساء مقومات التحول الديمقراطي لبلادنا وبناء دولة الحق والقانون، وإشاعة قيم وثقافة المواطنة وحقوق الإنسان التي نؤمن بها جميعا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المصالحة المجتمعية الشاملة مشروع لم يكتمل المصالحة المجتمعية الشاملة مشروع لم يكتمل



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:53 2019 الأربعاء ,10 إبريل / نيسان

"Xiaomi" تدخل عالم صناعة السيارات!

GMT 19:58 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

"في قبضة داعش" رواية جديدة في معرض الكتاب

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,30 تموز / يوليو

رونالدو يحن إلى مدريد ويستقبل بيريز بالأحضان

GMT 03:51 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

"بيتزاهت" تعلن عن حاجتها لشغل وظائف جديدة

GMT 17:39 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

آرون رامزي يرغب في الانضمام إلى يوفينتوس

GMT 22:11 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

الحموشي يفرج عن حركة ترقيات واسعة في صفوف مسؤولين أمنيين

GMT 03:18 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اقضي شهر العسل في أوروبا بأرخص الأسعار

GMT 04:20 2018 الجمعة ,17 آب / أغسطس

أفضل 5 عطور مميزة بنكهة الفواكه لصيف 2018

GMT 00:01 2018 الأربعاء ,09 أيار / مايو

كود PIN بدل كلمة المرور لتأمين أجهزة ويندوز

GMT 08:01 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

Marc Jacobs Mod Noir يمثل أفضل العطور للمرأة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya