جدل الفكرة والتنظيم

جدل الفكرة والتنظيم

المغرب اليوم -

جدل الفكرة والتنظيم

بقلم - عبد العالي حامي الدين

لمن الأولوية للفكرة الإصلاحية أم للتنظيم؟
سؤال يطرحه المناضلون في محطات مفصلية حينما يسود الاعتقاد بأن الفكرة الإصلاحية مهددة في صفائها ونبل أهدافها وسعة آفاقها، وأن قواعد التنظيم الصارمة ربما تكون متجاوزة لاستيعاب انتظارات المجتمع وتطلعاته نحو الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
والحقيقة أن الفكرة لا غنى لها عن التنظيم، فالفكرة الإصلاحية هي الهدف، والتنظيم هو الوسيلة الأكثر فعالية لتحقيق الأهداف الإصلاحية، وخلق التراكم الفكري والبشري المنظم الحامل للفكرة والمستعد للعمل من أجلها.
غير أن التنظيم دون فكرة إصلاحية مؤطرة ومستوعبة وواضحة، يصبح عبارة عن جماعة مصالح لا أثر لها في ساحة الإصلاح السياسي، ويبقى وجوده رهينا بالمصالح التي يحققها لأعضائه، ولا تخفى على المتابع لبعض التنظيمات السياسية، التي انطلقت من فكرة إصلاحية، كيف تحولت تدريجيا إلى جماعة مصالح يجمع بين أعضائها منطق الاستفادة التي يوفرها لهم التنظيم.
لكن، هل يمكن للفكرة الإصلاحية أن تصمد دون تنظيم قوي؟ سؤال يحتاج إلى إجابة واقعية بعيدا عن رومانسية بعض الأفكار الحالمة، التي تعتقد بإمكانية تجذير الفكرة الإصلاحية داخل فطرة المجتمع بعيدا عن قوالب التنظيم وقواعده الصارمة.
والحقيقة أنه مع التسليم بالفكرة القائلة إن حجم المقتنعين بالفكرة الإصلاحية أكبر من التنظيمات، بل ربما هم يتجاوزون التنظيمات في التعبير عن مطالبهم في الحرية والديمقراطية، فإن الدور الحيوي للتنظيمات السياسية التي تنصت إلى نبض المجتمع، وتمتلك القدرة على عقلنة مطالبه وصياغتها بلغة سياسية واضحة، لا يمكن أن يعوضها فيه أحد.
لكن المشكلة تحصل بالتأكيد حينما تنفصل مطالب التنظيم عن تطلعات المجتمع، أو حينما يتحول التنظيم تدريجيا إلى طائفة.
هنا لا بد من توضيح الفرق بين الطائفة وجماعة المصالح. الطائفة ليست مجتمعة حول مصالح شخصية، ولكنها جماعة منظمة تؤمن بالفكرة الإصلاحية، بيد أنها تعتقد في «عصمة» اختياراتها، وتؤمن بأن وجود التنظيم واستمراريته ووحدته هو هدف في حد ذاته، وهذا المنطق يتطور إلى درجة اغتيال الحس النقدي داخلها، أما النقد الذي يأتيها من خارجها فلا يمكن اعتباره إلا مؤامرة ضد وحدتها، ومحاولة لشق صفوفها!
حينما يتسرب منطق الطائفة إلى التنظيم، يجد صعوبة كبيرة في التفاعل مع مطالب المجتمع، ولا يشعر بالتحولات التي تعتمل داخله، لأن هذا المنطق يعيش نوعا من التعالي على المجتمع، وهذا التعالي يدفعه إلى إنكار الواقع في كثير من الأحيان.
حينما يتسرب منطق الطائفة إلى التنظيم، يصبح عاجزا عن الاعتراف حتى بالتحولات التي تجري داخله، أو بالاختلافات الطبيعية التي يمكن أن تحصل داخله أو بين بعض قياداته، ويبحث لها دائما عن تفسير خارجي، وينسى أن التنظيم في أصله هو تعبير عن فكرة إصلاحية يحتضنها المجتمع، وليس فئة طائفية أو مجموعة مصالح منشغلة بتدبير منافعها الذاتية.
حينما يتسرب منطق الطائفة إلى التنظيم، تنتعش نظرية المؤامرة، ويصبح أسلوب «تصدير الأزمة» منهجا للهروب من مواجهة الإشكاليات الحقيقية والانتقادات الموضوعية التي من الطبيعي أن توجه إلى التنظيمات باعتبارها اجتهادات بشرية، وهذا هو أكبر عنوان للإفلاس الفكري والهبوط الأخلاقي.
والله أعلم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جدل الفكرة والتنظيم جدل الفكرة والتنظيم



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 16:01 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العقرب

GMT 04:38 2014 الأربعاء ,17 أيلول / سبتمبر

عودة النسيج على النول اليدوي بحلة جديدة في سورية

GMT 14:06 2018 الإثنين ,19 شباط / فبراير

مايا دياب توضح سبب امتلاكها منزل خاص بملابسها

GMT 19:50 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مغارة "جعيتا" لمغامرة جديدة ورائعة في لبنان

GMT 16:06 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

خاليدو كوليبالي يؤكّد الولاء التام إلى ناديه نابولي

GMT 13:20 2018 الخميس ,11 كانون الثاني / يناير

كيفية اقتحام مجال الأزياء والمنافسة مع النخبة

GMT 17:38 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

انهيار منزل في زاكورة يُثير الرعب في نفوس المواطنين

GMT 03:29 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

"Tiffany" تطرح مجموعة جديدة من العطور لعام 2018

GMT 20:56 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح مهمة لتتألقي بحجابك خلال ارتداء فستان سواريه

GMT 06:13 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

عمر الزبير يقرر اعتزال التحكيم للإشراف على يد النصر

GMT 08:18 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

توقعات "الأرصاد الجوية" لطقس المملكة المغربية الأربعاء

GMT 08:40 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

Soins de visage
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya