الهزات الاجتماعية

الهزات الاجتماعية

المغرب اليوم -

الهزات الاجتماعية

بقلم - عبد العالي حامي الدين

” الشعب يريد بديلا اقتصاديا”، هذا الشعار رُفع بكثافة خلال احتجاجات جرادة طيلة الأسبوع الذي ودعنا به سنة 2017. وهو مطلب، رغم مشروعيته الكاملة، يبقى مطلبا تعجيزيا أمام حكومة تشكلت خارج نص الانتخابات ومخرجاتها السياسية، وأُريد لها أن تكون أغلبية غير متجانسة وفاقدة للسند السياسي، الذي يمكنها من اتخاذ قرارات هيكلية كبرى.. ما يقصده المواطنون من وراء هذا الشعار هو الاستفادة من النمو الشامل.
النمو الشامل، حسب ما تعارفت عليه جملة من المؤسسات الدولية والباحثين المختصين، هو النمو الاقتصادي الذي يتم بوتيرة مرتفعة، ويشمل نفعه الجزء الأكبر من فئات المجتمع. واعتبارا لذلك، لا ينبغي الاهتمام فقط، بالرفع من وتيرة النمو الاقتصادي، بل ينبغي الاهتمام بتوسيع نطاقه ليشمل أوسع حيز من الفئات الاجتماعية. فإذا كان تسريع وتيرة النمو الاقتصادي أمرا ضروريا ومهما للرفع من مستويات الدخل وإحداث فرص عمل أكثر والحد من الفقر، فإن توسيع نطاق هذا النمو يكتسي أهمية حيوية بالنسبة إلى ضمان استدامة هذا النمو وتفادي عرقلة مساره وتوطيد الاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي.
كما أن انتفاء النمو الشامل من شأنه أن ينعكس سلبا على النشاط الاقتصادي نتيجة إهدار الطاقات الإنتاجية وسوء تخصيص الموارد، مما يقوض فرص تحقيق النمو على المدى الطويل، هذا إلى جانب تسببه في اندلاع الصراعات الاجتماعية وتهديده المباشر للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
وفي هذا السياق، يتطلب تحقيق نمو شامل في معظم التجارب، إخضاع الاقتصاد الوطني لتحول هيكلي يرتكز على رافعتين أساسيتين، تتجلى الأولى في تسريع وتيرة النمو عبر تنويع وتعزيز مصادره، من خلال الرفع من الطاقة الإنتاجية للنسيج الاقتصادي، وتحسين إنتاجية الرأسمال البشري وتنمية الابتكار. في حين تتمثل الرافعة الثانية لهذا التحول الهيكلي، في إشراك أكبر جزء من القوى العاملة في تحقيق هذا النمو والاستفادة من ثماره، وذلك من خلال ضمان تكافؤ الفرص فيما يخص الولوج إلى الخدمات الاجتماعية (الصحة، التعليم، السكن والموارد (المعلومات، والتمويل، والعقار.. إلخ)، والأسواق (سوق الشغل، وسوق المال، منافذ لبيع المنتجات والخدمات.. إلخ).
وفي المقابل، فإن قصور أي اقتصاد عن تحقيق ذلك يجعله عاجزا عن توفير فرص عمل كافية للقوى العاملة الملتحقة بسوق الشغل والمتنامية بسرعة، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة في صفوف هذه القوى أو تدني الوظائف التي تضطر إلى شغلها، خاصة بالقطاع غير المهيكل، ويجعلها أكثر عرضة لمخاطر الفقر والهشاشة، وغير مؤهلة فعليا للمساهمة في تحقيق النمو والاستفادة من منافعه.
إن النمو الشامل يرتكز، أساسا، على إدماج الرأسمال البشري في العملية الإنتاجية، لضمان تقاسم متكافئ لثمار النمو أكثر مما يركز على إعادة توزيع هذه الثمار. وإذا كان من المستساغ لجوء حكومات على المدى القصير إلى إعادة توزيع الدخل بشكل مباشر لحماية بعض الفئات الهشة، فإن ذلك يمكن أن يشكل، على المدى القصير جوابا مرحليا، عن معضلتي الفقر وضعف مستوى النمو، خاصة في ظل تفاقم الفوارق الاجتماعية واستشراء جملة من الممارسات الريعية المثبطة لروح المبادرة والمخلة بمبادئ المنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص.
لا حاجة إلى التذكير بأن آلية الدعم المباشر للفقراء يتم اللجوء إليها في أكبر الأنظمة الاقتصادية ليبرالية، مثل نظام الدعم الموجود في الولايات المتحدة الأمريكية للفقراء، الذين لا يجدون عملا (بطائق الدعم الخاصة بالطعام).
إن العدالة الاجتماعية في النهاية، ما هي إلا نتيجة منظومة من الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الهادفة إلى إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع، في أفق بناء ذلك المجتمع الذي تسود فيه العدالة في كافة مناحيه.
ما حصل في جرادة وقبل ذلك في الحسيمة وزاكورة والصويرة يُسائل جميع أصحاب السلطة، ومدى قدرتهم على وضع سياسات اجتماعية منصفة، وآليات قانونية فعّالة، ترتكز على تأمين الحقوق الأساسية للمواطنين والمواطنات، وتوفير الحماية الاجتماعية، خاصة بالنسبة إلى الفئات الأكثر احتياجا، ومساءلة الأسباب العميقة وراء حالة العجز والضعف التي وصلت إليها الآليات المؤسساتية الخاصة بالتماسك الاجتماعي والعدالة التوزيعية لنتائج النمو الاقتصادي، والعجز الكبير على وضع منظومة للعدالة الاجتماعية فعالة ومنصفة ومستدامة، يساهم فيها الجميع من منطلق الإيمان العميق بمفاهيم الكرامة والعيش المشترك والعدالة الاجتماعية.
نعم، عرفت البلاد وستعرف مزيدا من الهزات الاحتجاجية نتيجة تنامي الإحساس بغياب العدالة التوزيعية لخيرات الوطن، ونتيجة تنامي الوعي بالحقوق، وعلى رأسها الحق في الكرامة والحق في الاستفادة من ثمار النمو…

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهزات الاجتماعية الهزات الاجتماعية



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 09:38 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 12:08 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

كيف نحمي أطفالنا من أخطار الانترنت ؟

GMT 10:51 2020 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

المحكمة تسقط التهمة عن سمية الخشاب

GMT 19:22 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تحديث واتساب الجديد يدعم ثلاث ميزات جديدة

GMT 20:55 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

أجمل إطلالات ربيعية للمحجبات لربيع وصيف 2018

GMT 03:15 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الضياعُ في عينيّ رجل الجبل *

GMT 10:42 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

طهران تنفي نية الرئيس حسن روحاني الاستقالة

GMT 13:08 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

وفاة الكاتب محمد حسن خليفة في معرض الكتاب

GMT 20:27 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ماسك العسل والجزر لبشرة خالية من العيوب

GMT 02:54 2019 الأحد ,21 تموز / يوليو

طريقة تحضير الدجاج على الطريقة الايطالية

GMT 22:16 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

لعبة ROME: Total War – Barbarian Invasion متاحة على أندرويد

GMT 00:45 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

أجمل وأفضل 10 أماكن سياحية عند السفر إلى السويد

GMT 01:55 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

ميرنا وليد تُؤكّد على أنّ "قيد عائلي" مكتوبٌ بحرفية عالية

GMT 10:55 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود خياركِ الأول لأجمل عبايات مخمل شتاء 2019
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya