الرهان الأمني لحكومة السراج

الرهان الأمني لحكومة السراج

المغرب اليوم -

الرهان الأمني لحكومة السراج

بقلم محمد الأشهب

كم يختلف وضع الباخرة التي أقلت أعضاء حكومة الوفاق الليبية من تونس إلى ميناء في طرابلس، عن مغامرات المراكب الخشبية أو المطاطية التي تقل المهاجرين غير الشرعيين من السواحل الليبية، البعيدة من الرقابة، إلى الضفاف الشمالية للبحر المتوسط.
الصورة معبرة. ليس لأن مطار طرابلس توقف عن الخدمة، نتيجة القصف الذي طاول منشآته، ولكن لأن تأمين الانتقال على متن باخرة يحمل في ذاته رمزية عالية. وفي وقائع تاريخية أن قادة الثورة الجزائرية دخلوا إلى وهران غرب البلاد، من بوابة الشريط الحدودي مع المغرب، خشية أن تتعرض الطائرة التي كان محتملاً أن تقلهم إلى تغيير اتجاهها. ولا يزال الأهالي المغاربيون أشد تمسكاً برمزية الأحداث.
لا مقارنة مع فارق القياس، فالباخرة قدمت من بلد مغاربي مجاور تحمل رموز شرعية توالدت من رحم مصالحة عسيرة. لكن نزوح أفواج المهاجرين واللاجئين التي تدفقت على السواحل الأوروبية بكثافة الهروب من الجحيم، كان في مقدم الأسباب التي أدت إلى تسريع وصفة الحل الليبي الذي ترعاه الأمم المتحدة وتدعمه دول الجوار، مع اختلاف في التقديرات حيال التطورات المحتملة.
الأهم في البداية أنها مشجعة، قد تُبدد الكثير من المخاوف في حال سارت الأمور، على قاعدة الوفاق الذي يتوج بإلقاء السلاح والانخراط في مسار جديد، يتخلص من شوائب استعراض القوة والاستئثار بسلطة وهمية، لم تضمن أمناً ولم تبدد الأخطار. إن لم تكن زادت في حد ذاتها، بعد أن تحولت ليبيا إلى ملاذ آخر للتنظيمات الإرهابية القادمة من كل فج وصوب.
سواء انتقلت حكومة الوفاق تحت حماية الأمم المتحدة أو قوات ليبية، فإن جولة أعضائها برقابة فايز السراج على أحياء وشوارع في العاصمة طرابلس تركت انطباعاً بأن الهواجس التي تؤرّق الليبيين، لناحية تثبيت أركان الأمن واستعادة الشعور بأنهم يعيشون في ظل دولة قادرة على تأمين شروط الحياة العادية، كلها عوامل طغت على غيرها من الخلافات التي فرّقت بين الفئات والمجالات.
الأمن الحقيقي يضمنه الشعب، إذ يصبح حامياً للديمقراطية والتعددية وفرضية الاختلاف الذي يقود إلى الاقتناع. وبالتالي فإن نهاية أسطورة «الشعب المسلح» أقرب إلى تمثيل مقتضيات المرحلة الجديدة. ودلت الوقائع المأساوية التي عاشتها ليبيا أن من دون أمن واستقرار تصبح الأسلحة التي لا تحملها جيوش وقوات نظامية أكثر خطراً مما يترتب على غيرها من الحالات.
جاءت البداية من طرابلس لتأكيد واقع أن الخلافات التي نشأت حول شرعية البرلمان والحكومة بدأت من هناك، لكن ذلك لا يرجّح فرضية على أخرى، ولن تكتمل الصورة إلا في غضون التصديق النيابي على تشكيلة الحكومة وبرامجها وأسبقيتها. كونه الدليل الإضافي على تغليب منهجية الوفاق والتراضي. إذ يصبح في إمكان غير المقتنعين بالوصفة الراهنة للحل الانتقالي أن يتحولوا إلى فصائل وأحزاب معارضة، تعزز فرص الحوار في نطاق وحدة الدولة.
ولئن بدأت معالم توجه واعد بإحكام سيطرة الدولة على الموارد النفطية والمصرف المركزي وآليات تدبير حياة سلمية تضبطها وفق القانون، بعيداً من تغول الميليشيات الخارجية عن السيطرة والانضباط، فإن ذلك يؤشر إلى العناوين العريضة لتحديات المرحلة. وما بين الانفلات الأمني والتسيب المالي والاقتصادي، هناك ناظم مشترك يقود الى الفوضى والاضطرابات. بينما رسائل حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج بدت أقرب إلى ملامسة جوهر التحديات.
في انتظار بسط نفوذ لن يكتمل إلا بإخماد أسباب وبواعث القلاقل والفتن وأخطار التقسيم، لا يمكن استثناء الرهان الأمني الذي يكمن في التصدي لتغلغل التنظيمات الإرهابية التي استباحت الأرض والناس. ويبقى أن الصورة التي رافقت التحاق حكومة الوفاق الوطني بمراكز فرض نفوذها السياسي والإداري تعكس حالة نفاد الصبر، ذلك أن أي شرعية حكومية لا يكون لها امتداد في التاريخ، من دون إشاعة الشعور بالثقة والأمن والاطمئنان إلى أن خطوات بناء المستقبل تسير في الاتجاه الصحيح، حتى وإن اعترضتها منعطفات بلا علامات. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرهان الأمني لحكومة السراج الرهان الأمني لحكومة السراج



GMT 08:17 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

معنى استعادة سرت من «داعش»

GMT 08:15 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

لغة الإشارات بين المغرب والجزائر

GMT 08:14 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

عن التناوب الحكومي في المغرب

GMT 08:13 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

التحالف الإسلامي ومواجهة «داعش»

GMT 07:17 2016 الثلاثاء ,09 آب / أغسطس

بن كيران والاستحقاق الانتخابي

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 14:17 2015 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

نصائح جمالية لصاحبات العيون المبطنة

GMT 19:03 2015 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيروز تحتفل بعيد ميلاد الثمانين السبت

GMT 19:51 2015 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لكل ربة منزل لا تضعي هذه الأطعمة في الثلاجة

GMT 23:56 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

200 شاحنة عسكرية أميركية لتدعيم الجيش المغربي

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 02:16 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

بريجيت ماكرون تظهر في حجاب حريري في الإمارات
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya