جسر الملك سلمان لتكريس التقارب

جسر الملك سلمان لتكريس التقارب

المغرب اليوم -

جسر الملك سلمان لتكريس التقارب

بقلم محمد الأشهب

خفقت قلوب مغاربة وإسبان، أفارقة وأوروبيين، وهم يرصدون الإعلان التاريخي عن بناء جسر الملك سلمان الذي يربط بين السعودية ومصر، وبالأحرى بين إفريقيا وآسيا. فالمبادرات المقبلة من الرياض لم تعد تتوقف عند رأب الصدع وتنقية الأجواء بين الدول، بل تعدتها نحو فتح آفاق أرحب أمام حرية تنقل الأشخاص والبضائع. ما يمكّن الواقع على الأرض من ترسيخ قيم التفاهم والتفاعل بين الشعوب والحضارات.
انتظر الأفارقة والأوروبيون أن يأتي تحدي الطبيعة من مضيق جبل طارق، عبر مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا، فإذا به يأتي مكتملاً ومستوفياً كل الرهانات عبر قناة السويس ذات الموقع الإستراتيجي المتميز. وما يهم أن الإنجازات الكبرى تغير وجه التاريخ والامتدادات الجغرافية على حد سواء. وإذا كان مشروع الربط بين إفريقيا وأوروبا تعثر شمالاً، بسبب الكلفة وتأثير المتغيرات السياسية، فإن رديفه الذي سيقرب بين إفريقيا وآسيا، سيكون له الأثر الذي يتوخاه مهندسوه الإستراتيجيون.
ما تعثر تمدد عمودي بمواصفات المشروعات الهائلة التي تسم الإنجازات التاريخية، إلا ووجد مداه في التطلع أفقياً، فالعالم العربي الذي استوى في الوسط بين القارات والعوالم، غرس جذوره في إفريقيا وآسيا، وما فتئ يتطلع نحو أوروبا كما في حضوره الآسيوي، في وقت صار يحسب فيه الكثير لعالم الشرق الناهض.
أي أبعاد أكثر رسوخاً من مبادرات جريئة وعملاقة، تعيد ترسيم التضاريس الجغرافية، وفق ما يقرب المسافات ويحقق تحديات كبرى، على طريق مد جسور التواصل. وما من نهضة عرفها العالم قديمه وحديثه إلا وكانت المواصلات معابرها، في اتجاه فك العزلة وتدفق شرايين التجارة وتفاعل الأفكار. وإنها لخطوة موحية أن تكون السعودية ومصر قد اختارتا الاستثمار في قضية حيوية بهذا الحجم، تؤكد أن الريادة تنبثق من تحديات العصر. فقد انقضت زعامات الخطابة وتأجيج العواطف، وحلت مكانها ريادة العمل والرؤية المستقبلية التي ينصهر ضمنها تأهيل الإنسان والأوطان.
لقد عرفت دول ومؤسسات اقتصادية نماذج بمد خطوط أنابيب النفط والغاز لتلبية الضرورات الاستهلاكية لاقتصاديات العصر، لكنها قلما شهدت توجهاً بحمولة حضارية، يهتم بتقريب الصلات والروابط بين الدول والشعوب. فكلما اتسع نطاق العولمة الكاسحة التي شملت التجارة والقيم الثقافية والكونية، ضاقت الحدود ونصبت الحواجز أمام تنقل الأشخاص والبضائع. وما يضفي على جسر الملك سلمان أهمية متزايدة أنه يكرس البعد الإنتاجي والإنساني لمفهوم التقارب واختزال مسافات التفاعل. فالمشروعات الكبرى لا تقاس بأبعادها الثنائية فحسب، وإنما بمردوديتها الشاملة المتعددة الأطراف. فقد بدأ التحول في أوروبا من خلال التفاهم الفرنسي - الألماني، لجهة التعاون في قطاع الصلب والحديد، ثم انتقل تدريجياً ليشمل المجموعة الاقتصادية الأوروبية وسوقها المشتركة، وصولاً إلى بناء الاتحاد الأوروبي.
في التجربة الراهنة أن دولتين عربيتين اهتدتا إلى المنظور العملي في الاندماج في تحولات العصر. وإذ يقدمان صورة جديدة لمعاني التضامن والانفتاح الذي يتجاوز التفاهمات السياسية نحو الارتقاء بالواقع، إنما يترجمان مشاعر ورغبات الأجيال في صنع الإنجازات القابلة للاستمرار والصمود.
لا ضير إن كان مشروع الربط القاري بين إفريقيا وأوروبا تأخر كثيراً إلى درجة النسيان، فقد جاء جسر الملك سلمان ليعوض المغاربيين والأفارقة بحلم أفقي جديد. يروم ربطاً قارياً بين إفريقيا وآسيا. ولا بد أن يفرض اللحاق بهذا المشروع نفسه على الأوروبيين وغيرهم، لأننا في عالم جديد يتجه لإلغاء التقسيمات الجغرافية عبر الإنجازات التاريخية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جسر الملك سلمان لتكريس التقارب جسر الملك سلمان لتكريس التقارب



GMT 08:17 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

معنى استعادة سرت من «داعش»

GMT 08:15 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

لغة الإشارات بين المغرب والجزائر

GMT 08:14 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

عن التناوب الحكومي في المغرب

GMT 08:13 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

التحالف الإسلامي ومواجهة «داعش»

GMT 07:17 2016 الثلاثاء ,09 آب / أغسطس

بن كيران والاستحقاق الانتخابي

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 09:38 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 12:08 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

كيف نحمي أطفالنا من أخطار الانترنت ؟

GMT 10:51 2020 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

المحكمة تسقط التهمة عن سمية الخشاب

GMT 19:22 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تحديث واتساب الجديد يدعم ثلاث ميزات جديدة

GMT 20:55 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

أجمل إطلالات ربيعية للمحجبات لربيع وصيف 2018

GMT 03:15 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الضياعُ في عينيّ رجل الجبل *

GMT 10:42 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

طهران تنفي نية الرئيس حسن روحاني الاستقالة

GMT 13:08 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

وفاة الكاتب محمد حسن خليفة في معرض الكتاب

GMT 20:27 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ماسك العسل والجزر لبشرة خالية من العيوب
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya