لقاء مع زكى نجيب محمود ٣

لقاء مع زكى نجيب محمود (٣)

المغرب اليوم -

لقاء مع زكى نجيب محمود ٣

بقلم : خالد منتصر

كان وجود السفارة الإسرائيلية بجانب العمارة التى يسكن فيها د. زكى يمثل مانعاً «بارليفياً» بالنسبة لنا يمنعنا من زيارته، حكيت له عن تخوفاتى فى التليفون، فتحدث إلى الضباط بأن يسهلوا مأموريتنا، فكان صعودنا إلى شقته سلساً وسهلاً، لفت انتباهى للمرة الثانية تعامل زوجة د. زكى معه بمنتهى الاحترام الذى يقترب من التقديس، بينما يصافحنا د. زكى، كنت أتأمله، هذا الرأس الذى يضم عقلاً تحليلياً جباراً، كنت أحس أن الجلد مشدود من فرط نشاط المخ وتوقده، الشرايين مرسومة وكأنها مجرى نهر وفروعه، كنت أحس أن النبضات العصبية لكهارب تعرجات القابع داخل هذه الجمجمة السحرية، تقفز إلى الخارج لتضىء المكان، نظارته السميكة بدوائرها التى تشبه العاصفة تخفى وراءها عينين فضوليتين لا تكفان عن السؤال، بحة صوته المجروح تحس معها أنه ظل يصرخ طيلة حياته «أنقذوا العقل العربى» بلا جدوى، كنت قد رتبت ألا يمتد اللقاء أكثر من ساعة لعدم إرهاقه، ولكنه امتد إلى خمس ساعات، تحدث فيها وكأنه شاب فى العشرينات، لم يكترث بأن حواره لن ينشر فى مجلة حائط لن تصدر، شرح لنا ما معنى كلمة فلسفة، وكيف أن الفلسفة أم العلوم، وكيف أنها مهمة للطبيب أن يفكر بطريقة فلسفية، تحدث إلينا عن الفرق بين العلم التجريبى والاستنباطى، وما هى الوضعية المنطقية واهتمامه بضبط المصطلحات، شرح لنا تعريف العلم والشك والتفكير النقدى ووظيفة اللغة التى نستعملها فقط فى الزركشة والتلاعب البلاغى، ما هو التراث وكيف نتعامل معه نقدياً غير مستلبين أو منومين أو مخدرين، وكيف أن هناك مناطق مضيئة فى تاريخنا الإسلامى مسكوت عنها لصالح مناطق أخرى مظلمة، سبحنا معه فى خضم محيط الفلسفة الواسع، كان يتعمد ألا نكون تلامذة فى رواق أو مجاورين بجانب عمود، بل مشاركين فى حوار، كنا بالرغم من صمتنا وانبهارنا، كانت كل دقيقة بسؤال يلمع فى أذهاننا، يتشكل ويتمرد، لم يتقمص دور الواعظ، بل كان المزعج الجميل، الذى يزعج كل ما هو كسول فينا، سألنا هل ندرس فى الكلية تاريخ الطب؟ ماذا كان وراء هذا الاكتشاف أو ذلك العلاج؟ كيف تولد السؤال فى مخ باستير أو كوخ أو فلمينج؟ كانت الإجابة لا، نحن ندرس الجسد البشرى وأمراضه ولا نهتم بما هو فى الكواليس، نحن نهتم بما ينفعنا فى الامتحان ولا يخذلنا أمام ورقة الاختبار أو فى الشفوى، خجلنا من أنه يعرف عن عمالقة فن وعلم الطب أضعاف أضعاف ما نعرف، تأكدنا أننا نُلقن لا نُعلّم. غادرت سكن د. زكى نجيب محمود وهو يسكننى ولم يغادرنى، زرع فىّ فضيلة السؤال والشك، بدأت أعرض كل ما يمر أمامى على شاشة العقل وأقيسه بترمومتر النقد وأضبطه ببوصلة الدحض والتفنيد، تأكدت أنه لا قارب نجاة إلا العلم، وأن اجترار الماضى وتقديسه وتوثينه هو أكبر جلطة أصابت العقل العربى بالشلل وعطلت حواسه وسدت كل شرايين التقدم فيه، وعندما أدخل المكتبات الآن ولا أجد كتب د. زكى نجيب محمود، وأسمع أنها لم تطبع ثانية منذ ربع قرن إلا صدفة، كتاب هنا أو مقالة هناك، أعرف حينها لماذا صار مزاجنا سلفياً خرافياً كارهاً للعلم غارقاً فى الأوهام والهلاوس والضلالات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لقاء مع زكى نجيب محمود ٣ لقاء مع زكى نجيب محمود ٣



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 09:38 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 12:08 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

كيف نحمي أطفالنا من أخطار الانترنت ؟

GMT 10:51 2020 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

المحكمة تسقط التهمة عن سمية الخشاب

GMT 19:22 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تحديث واتساب الجديد يدعم ثلاث ميزات جديدة

GMT 20:55 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

أجمل إطلالات ربيعية للمحجبات لربيع وصيف 2018

GMT 03:15 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الضياعُ في عينيّ رجل الجبل *

GMT 10:42 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

طهران تنفي نية الرئيس حسن روحاني الاستقالة

GMT 13:08 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

وفاة الكاتب محمد حسن خليفة في معرض الكتاب

GMT 20:27 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ماسك العسل والجزر لبشرة خالية من العيوب

GMT 02:54 2019 الأحد ,21 تموز / يوليو

طريقة تحضير الدجاج على الطريقة الايطالية

GMT 22:16 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

لعبة ROME: Total War – Barbarian Invasion متاحة على أندرويد

GMT 00:45 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

أجمل وأفضل 10 أماكن سياحية عند السفر إلى السويد

GMT 01:55 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

ميرنا وليد تُؤكّد على أنّ "قيد عائلي" مكتوبٌ بحرفية عالية

GMT 10:55 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود خياركِ الأول لأجمل عبايات مخمل شتاء 2019
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya