الفيلسوف الذى ارتدى البالطو الأبيض

الفيلسوف الذى ارتدى البالطو الأبيض

المغرب اليوم -

الفيلسوف الذى ارتدى البالطو الأبيض

خالد منتصر
بقلم : خالد منتصر

لم أندم على شىء قدر ندمى على قلة لقاءاتى بأستاذنا الراحل الرائع الرائد فى طب الأمراض الجلدية د. عبدالرحيم عبدالله، لم تجمعنى به إلا لقاءات قليلة فى مؤتمرات ورحلات سفر، لكن برغم تلك الجلسات القليلة سحرتنى شخصيته وعمق ثقافته وتواضعه الشديد وبساطته الآسرة وعذوبة حديثه وقدرته المبهرة على الحكى، فهو ما إن يلتقط الخيط حتى يأسرك ويجذبك وكأن فى كلماته مغناطيساً روحياً، هو ليس أستاذ جلدية بارعاً فحسب، ترأس قسم الجلدية بطب عين شمس لمدة ٨ سنوات، وحاصل على تكريمات وجوائز، منها جائزة جوستاف ريل من ألمانيا التى عرضت عليه إغراءات عديدة بأن يظل هناك ولكنه رفض وعاد ليرد الجميل لمعشوقته مصر المحروسة، ولكنه كان متعدد المواهب، بداية من فن الطبخ حتى الفن التشكيلى والموسيقى الكلاسيك، كان فيلسوفاً يرتدى البالطو الأبيض، وطبيباً تخرج فى أكاديمية أفلاطون، شخصية سلسة عميقة مختلفة لها نظرة مختلفة للحياة، تتميز بالبساطة والعمق والثقافة وخفة الظل، دقيق الملاحظة شديد الذكاء منفتح على كل الثقافات، يكفى أن تنظر إلى قائمة أصدقائه لتعرف أن د. عبدالرحيم هو كالماسة لها أكثر من جانب وأكثر من زاوية، ولكن كل الجوانب والزوايا متألقة، كان صديقاً مقرباً فى شبابه لصلاح جاهين، الذى تربطه به صله نسب، فهو زوج ابنة خالته، وكان دائم الالتقاء به، وأصابته نوبة اكتئاب شديدة بعد وفاته استمرت لشهور، كما كان صديقاً مقرباً للأستاذ الدكتور سمير حنا صادق، أستاذ التحاليل، وكان يشاركه أفكاره وهمومه بخصوص كيفية نشر التفكير العلمى فى المجتمع، كان من ضمن أصدقائه أيضاً د. سمحة الخولى عميد معهد الكونسرفاتوار السابقة، وكان يجمعهما الاهتمام بالموسيقى الكلاسيكية، وزاملها كعضو بالمجلس الأعلى للثقافة شعبة الموسيقى والباليه، كان أيضاً صديقاً للكاتب الكبير يحيى حقى، كما كان عاشقاً لأعمال نجيب محفوظ وكان له الحظ بالالتقاء به عدة مرات عبر صديقهما المشترك المخرج الكبير توفيق صالح.

وكان أيضاً دائم الالتقاء بالدكتور أحمد مستجير، أستاذ الوراثة الشهير، وكان مهتماً جداً بأبحاثه فى مجال البيولوجيا الجزيئية والوراثة، وكانت تجمعهما جلسات وحوارات راقية مع د. محمود خيال وحسين أمين وجلال أمين، وبرغم قربه من تلك القامات لم ينس أو يهمل الشباب، فقام فى أوائل الثمانينات بإنشاء الأسرة البيضاء فى طب عين شمس، التى كانت لها أنشطة ثقافية متميزة جداً، وقدمت للحياة الطلابية العديد من الكوادر المميزة، معظمهم نجوم الآن سواء كعمداء أو رؤساء جامعات أو أساتذة ورؤساء أقسام، كان د. عبدالرحيم عبدالله رحمه الله رائداً للعديد من اللجان الطلابية الاجتماعية والثقافية من الستينات إلى التسعينات، أشرف خلالها على العديد من الأعمال الفنية المسرحية والموسيقية، وكان من ضمن أعضاء فريق التمثيل د. يحيى الفخرانى ود. لميس جابر، ويحكى الفخرانى كيف أن د. عبدالرحيم كان يشجعهم على الخروج عن المألوف فى الاتجاه إلى الأعمال ومنها الأعمال العالمية، حيث كان مسرح طب عين شمس مقتصراً فى ذلك الوقت على إعادة إنتاج الأعمال المصرية لنجيب الريحانى وغيره، وكان د. عبدالرحيم من أوائل الرواد الذين غيروا طريقة التعليم الجامعى الطبى فى مصر بالتعاون مع ا. د. محمد صبور أستاذ الباطنة وأ. د. عماد فضلى، أستاذ الأمراض العصبية وآخرين، وكان من أهم أهدافه التأكيد على أهمية مستوى التحليل والنقد والإبداع المعرفى أكثر من مستوى الحفظ والتلقين، د. عبدالرحيم محاضر صاحب مدرسة خاصة جداً قام بنقلها للعديد من تلاميذه فى مصر والوطن العربى. تتميز هذه المدرسة بالتبسيط الشديد فى شرح أكثر العلوم صعوبة مثل الجزيئية والمناعة والأمراض الفقاعية والفطريات. وكان حريصاً على تدريب تلاميذه على كيفية التبسيط والعرض وإعداد الشرائح، حتى كون مدرسة فى إلقاء المحاضرات كان هو من أسسها، أما عن مدرسته الخاصة المتفردة فى إلقاء المحاضرات فحدث ولاحرج، فأنت فى محاضرته تستمع إلى مقطوعة لموتسارت أو بيتهوفن على شكل معلومات طبية.

عذراً على عدم استيعاب المساحة للكتابة عن إنجازات وعطاء شخص بكل هذا الثراء، رحم الله هذا الحكيم الفيلسوف الطبيب الموسيقار الفنان د. عبدالرحيم عبدالله، قبلة على جبينه الوضاء فى زمن نفتقد فيه القدوة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفيلسوف الذى ارتدى البالطو الأبيض الفيلسوف الذى ارتدى البالطو الأبيض



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 17:57 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي التحدي يبرم عدة صفقات استعدادًا للدوري الليبي

GMT 21:00 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

ترامب ينشر خريطة دولة فلسطين وفقا لـ"صفقة القرن"

GMT 11:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

أسعار النفط ترتفع بسبب توقف خط أنابيب في بحر الشمال

GMT 02:55 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مجتمع اليخوت الفاخرة مقصد أصحاب لثروات في موناكو

GMT 23:36 2017 السبت ,30 أيلول / سبتمبر

أجزاؤها أشيائي

GMT 15:10 2015 الإثنين ,02 شباط / فبراير

سلطة العدس

GMT 17:34 2012 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

صوفيا فيرغارا في تصميم لزهير مراد

GMT 04:22 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

ضريح القديس يهوذا وحصنه الشاهق يزيّنان جانسي الهندية

GMT 22:06 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

صلاح الدين بصير شبح أسود لحراس المرمى

GMT 15:09 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

إحباط سرقة سيارة لنقل الأموال في أيت أورير ضواحي مراكش
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya