الغربة أكثر برودة حين تصيبك في حضن الوطن

الغربة أكثر برودة حين تصيبك في حضن الوطن

المغرب اليوم -

الغربة أكثر برودة حين تصيبك في حضن الوطن

ريما شهاب
بقلم : ريما شهاب

إثر الأزمات المتواصلة التي يمرّ بها لبنان أتى الانهيار الاقتصادي في منتصف شهر تشرين الأول (اكتوبر) 2019 ومع بداية الثورة اللبنانية ليكون القشة التي قصمت ظهر البعير، لينقسم الرأي العام اللبناني إلى قسمين الأول بات يؤمن بأن البحث عن الأمل في هذه البلاد هو تماماً مثل من يحاول أن يسقي وردةً في بيتٍ يحترق، والثاني يعتبر أن الوطن ليس فندقاً نغادره كلما شعرنا بالتعب أو بالسأم. لم أكن يوماً ممن يحبون أو يسعون إلى الرحيل والبحث عن حياة أخرى في مكان آخر، لم أكن أريد أن أترك ذكرياتي وأدير ظهري وأرحل، ولا أن أترك الأشخاص الذين أحبهم كالعائلة والأصدقاء، ولا الأمكنة التي اعتدتها وأغادر لبناء ذاكرة جديدة في مكانٍ بعيد. كانت مجرد الفكرة تشعرني بالغربة والوحدة والكثير الكثير من الحنين، كيف أترك بيروت وشوارعها ومقاهيها، كيف أغادر بيتي وغرفتي وكتبي، كيف أحيا بعيداً عن العائلة والأحباء والأصدقاء، كان الرحيل شبيه بالانفصام كأن تترك بعضك لتحمل بقاياك وتغيب.

اليوم لا أعلم ما الذي تغير بي مثل كثيرين من حولي حتى بتنا نرى أن النجاة تكمن في الانتماء لمكان يعيد إلينا شعور الطمأنينة والأمان والراحة الفكرية والنفسية، أصبحنا مستعدين لبناء ذاكرة جديدة في مكان يشبه تطلعاتنا ممّا نحتاج في علاقتنا بمسمّى الوطن. منذ ولادتي التي أتت بظل حرب أهلية طويلة وتنقل مستمر ما بين المناطق وحتى التنقل ضمن بيروت نفسها ثم الأزمات المتتالية السياسية الأمنية الاقتصادية والمعيشية منها أزمات داخلية وأخرى خارجية وقعت منذ نهاية الحرب الأهلية وحتى الماضي القريب إلى الانهيار الاقتصادي الحالي الذي فضحته ثورة 17 تشرين الأول وخوف الشعب من فقدان عمله ورزقه ومدخراته أي أمنه المعيشي. ما الذي يا ترى غيّر شعور الكثيرين من أبناء الوطن بالانتماء إلى المكان، هل التعب من الأزمات المتتالية؟ أم عدم الأمان للمستقبل؟ هل الحاجة إلى الراحة والاستقرار النفسي والمعيشي اللذين يفتقدهما اللبناني منذ أولى أنفاسه؟ أو فقدان الأمل بتغيير ممكن في هذه الجغرافيا الصعبة؟ هل شيئاً يشبه شعور اليتيم بالحاجة إلى وطن دافئ ومطمئن يشبه حضن الأم والأب؟ لقد أصبنا بالغربة في وطننا، أصبنا بالغربة بين ناسنا، كنت أعتقد أن شعور الغربة يصيبك وأنت بعيد فكيف اصبت به في وطني.

منذ ولدت والمشاكل التي نعاني منها هنا هي نفسها، الأحزاب والوجوه التي دمرت البلد هي ذاتها تختال في المراكز الكبرى في الدولة والشعب المقسم طائفياً لا يحاسب بحجة عدم المساس بزعيم الطائفة، لم تُحل أيّ من الأزمات المعيشية، لا تأمين صحّي كما يجب، لا تأمين للشيخوخة، لا تأمين تعليمي رسمي كما يجب، بالإضافة إلى تقنين كهربائي وتقنين في الماء وفي أبسط ضرورات الحياة. بالمقابل نرى غلاء معيشيا فاضحا والمواطن مجبر على تأمين الكثير مما يجب على أي دولة تأمينه. المكان اسوء من أن نطلق عليه مقولة "راوح مكانك" بل انحدار وانهيار كبيرين ولا مسؤول له الجرأة على الاعتراف بمسؤولياته وكأن المكان فُقدت فيه الرجولة والنخوة ولا يسكنه سوى اللصوص والتابعين للخارج.
كنت في السابق أقول إن الغربة تصبح أكثر برودة حين تدفئها يدُ الغريب، أما اليوم فأقول إن الغربةُ أكثر برودة حين تصيبك في حضن وطن.

*ريما شهاب كاتبة وأديبة لبنانية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغربة أكثر برودة حين تصيبك في حضن الوطن الغربة أكثر برودة حين تصيبك في حضن الوطن



GMT 15:17 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ١

GMT 15:15 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

أخبار اسرائيل سيئة مثلها

GMT 18:43 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

ديكارت ومحافظ البصرة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 13:37 2018 الأربعاء ,14 شباط / فبراير

الكشف عن تفاصيل مثيرة في قضية مول الكانيطة

GMT 05:46 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

إيطاليا تحد من الهجرة غير الشرعية بعد زيادتها بنسبة 15%

GMT 06:38 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

الخوري يشيد برفع الإمارات من الدول "غير المتعاونة ضريبيًا"

GMT 17:47 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الإكسسورات الناعمة تتناسب مع الملابس العملية والكاجوال

GMT 20:04 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

شركة "مزيكا" تُعلن طرح أغنية "لو ع الفراق" لدوللي شاهين

GMT 07:19 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

ولي عهد أبوظبي يلتقي وزير الخارجية الياباني

GMT 04:42 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

زين الدين زيدان يصف ميريام فارس بـ"المعجبة" والجمهور يعلق

GMT 07:25 2018 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

جيل "ندفة الثلج" يتعرض لضغوطات من أجل "المثالية"

GMT 04:12 2018 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

سهير رمزي تؤكّد أن اختيار العمل الجيد وراء قلة مشاركاتها

GMT 15:49 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

عهد رياضى جديد

GMT 14:33 2017 الأحد ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سولاف فواخرجي تكشف عن بدء تصوير مسلسل "خط ساخن"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya