العالم الواحد والعالم الكثير المتضارب

العالم الواحد والعالم الكثير المتضارب

المغرب اليوم -

العالم الواحد والعالم الكثير المتضارب

بقلم : حازم صاغية

منذ أن بدأ الحديث الجدّي عن لقاحات «كورونا» التي تتوافر لها نسبة مرتفعة من النجاح، شرعت تعود إلى الواجهة صورة العالم بوصفه واحداً. فهو كلّه، في سائر أرجائه، يطلب اللقاحات ويعوّل عليها، وأطرافه تتبادل التنسيق «والتنافس» لهذا الغرض.

التعافي، إذن، إمّا أن يكون عالميّاً أو لا يكون تعافياً.

البارقة الداعية إلى التفاؤل هبّت في وجه ما أحدثته «كورونا» نفسها من تمجيد للعزلة والعزل، ليس بين البلدان فحسب، بل داخل البلد الواحد، وما أطلقته من ذعر حيال الغريب والمهاجر واللاجئ، ومن رفع للأسوار بين الرجال والنساء، ناهيك عن تعظيم الأمني والزجري في كلّ مكان تقريباً. وحين كانت الوقائع والحقائق تتمنّع عن إسعاف هذه الوجهة الرجعيّة، كانت نظريّات المؤامرة تدلي بدلوها دعماً لها وإسناداً.

وقبل «كورونا»، وعلى مدى أزيد من عقدين، سبق للقوميّات الشعبويّة أن صلّبت نظريّات العزلة والخوف. في هذه النظريّات سقطت تباعاً أكبر أمم الأرض وأقواها بقيادة قادة معصومين: روسيا، الصين، الهند، الولايات المتّحدة، بريطانيا، البرازيل...

الآن، وفضلاً عن اللقاحات الطبية، يُرجّح، بعد الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، أن يعاد الاعتبار إلى عدد من الاتفاقات الدوليّة التي تعطّلت في السنوات الأربع الماضية، خصوصاً منها اتفاقيّة باريس للمناخ (2015) التي لا تكتم إدارة جو بايدن الجديدة حماستها لعودة العمل بها. كذلك، يُفترض بالنزعة الحمائيّة والحروب التجاريّة أن تتراجع، وأن يعاد الاعتبار لاتفاقات تجاريّة وُقّعت سابقاً، إنْ على نحو معدّل أو غير معدّل.

واقع الحال أنّ الموجة الشعبويّة، التي وجدت في جائحة «كورونا» امتدادها وتتويجها معاً، نشأت أصلاً كردود على تحوّلات صلبة أتت بها العولمة والهجرة. مع هذه الردود، رفعت السيادة القوميّة للبلدان أعلامها الظافرة. الردّ الأقوى ربّما كان استفتاء «بريكست» في بريطانيا الذي هدّد الاتّحاد الأوروبي في وجوده ذاته.

لكنّ التحوّلات الأخيرة، جعلت من الجائز أن نتوقّع العودة إلى التشكيك في السيادات القوميّة، وأن نتوقّع أيضاً البناء على تلك المعطيات الصلبة التي أراد النهوض الشعبوي تعطيلها. فتنظيف البيئة ووقف التصحّر لا تقوى عليهما دولة واحدة، وكذلك استثمار الأنهار وكلّها تقريباً تنبع في بلد وتصبّ في بلد آخر. ينطبق الأمر نفسه على سياسات العمالة والهجرة، وعلى محاربة الفقر والمرض والأمّيّة، فضلاً عن الجريمة المنظّمة وضبط حركة الدفوقات الماليّة الضخمة العابرة للحدود، وما لا حصر له من مسائل أخرى، لا سيّما الشروط الأفضل التي يوفّرها التعاون الدولي لتقدّم العلوم والتقنيّة.

لكنْ أن يعاود العالم ارتسامه واحداً لا يعني أنّ وحدته باتت مشروعاً قابلاً للتنفيذ. الخروج من الوحدة كطوبى ومثال إلى الوحدة كمشروع طريقٌ طويل وشاقّ تلزمه شروط عدّة، بينها تصليب المؤسّسات الأمميّة كالأمم المتّحدة ومتفرّعاتها، وإكساب بعض الأنياب لمبدأ التدخّل الإنساني ضدّ الأنظمة القاهرة لشعوبها. وهذا معطوف بالطبع على محو آثار «كورونا»، لا سيّما منها توسّع الرقعة التي يشغلها التدخّل الأمني والبوليسيّ، وانتعاش بعض القيم والممارسات الذكوريّة والأبويّة.

يبقى أنّ تعافي الديمقراطيّة البرلمانيّة، إذا أتيح له أن يمضي قدماً، يوفّر سبباً جدّيّاً للثقة بهذا المسار الانتقالي إلى ما بعد الدولة القوميّة. وهي ثقة يزيدها حدوث تعافٍ في الأوضاع الاقتصاديّة يتغلّب على ما أنزلته الجائحة، يترافق مع توزيع للثروة أكثر عدلاً وأشدّ تلاؤماً مع مبدأ المساواة.

لكنّ ما يصعب تذليله هو النظام العسكري والأمنيّ، وهو في أجزاء كثيرة من العالم، منها منطقتنا، متضامنٌ مع النظام القرابي الموسّع (الطائفيّ، الإثنيّ...) ومستند إليه. والاثنان، بالتناوب أو بالتكامل، يمسكان بخناق ملايين البشر ويبقيانهم فيما قبل الدولة القوميّة.

والوجهة هذه كثيرة الأشكال والصيغ، في عدادها تفشّي الحروب الأهليّة المفتوحة وما يرافقها من تهجير للسكّان، على ما رأينا خصوصاً في سوريّا، لكنْ أيضاً في بلدان كثيرة أخرى آخرها، حتّى الآن، إثيوبيا. وهناك طرد السكّان «المختلفين» من نطاق الدولة والمجتمع، كمسلمي الروهينغا في ميانمار ومسلمي الإيغور في الصين، وتعليق الدول في بلدان كثيرة تشقّها النزاعات الأهليّة، في انتظار تسويات خارجيّة قبل أن تكون داخليّة، وهذا ناهيك عن الفساد وتبديد الموارد حيث تنعدم الرقابة الشعبيّة والشفافيّة.

وهذان احتمالان متضادّان، واحد يحاول الصعود إلى ما بعد الدولة، وآخر يوالي الغرق فيما قبلها. وللأسف سوف يكون من الوهم والسذاجة افتراض الجمع بين المسارين هذين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العالم الواحد والعالم الكثير المتضارب العالم الواحد والعالم الكثير المتضارب



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 16:17 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الحوت

GMT 22:05 2016 الأحد ,24 إبريل / نيسان

معتقدات خاطئة عن الولادة القيصرية

GMT 05:52 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تألّق إيسكرا خلال "Beautycon" في لوس أنجلوس

GMT 06:07 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"مرونة المهبل" تُسهّل ممارسة العلاقة الجنسية

GMT 04:38 2015 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

أفكار أزياء جديدة من "النمط الشعبي" مستوحاة من الأباجورة

GMT 13:53 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

الإمارات تكشف الستار عن أول روبوت مساعد "معلم المستقبل"

GMT 17:16 2019 السبت ,22 حزيران / يونيو

أسباب آلام وتقلصات البطن المبكرة وقت الحمل

GMT 21:54 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

ارتفاع أعداد محبي "الجولف" القادمين من الخليج في أيرلند

GMT 06:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

سولاري يُؤكّد مُقاتلة الريال على لقب الدوري الإسباني

GMT 10:11 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

المهرجان القومي للسينما يكرم الناقد والمخرج سيد سعيد

GMT 00:03 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الجامعة" تعلن أماكن بيع تذاكر مباراة المغرب والكاميرون

GMT 09:20 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

"الآثار" ترد على أزمة إقامة حفلة زفاف في معبد الكرنك

GMT 00:31 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

لبنى العليان أوَّل رئيسة بنك في المملكة السعودية

GMT 11:54 2018 الجمعة ,21 أيلول / سبتمبر

الوالي يتفقّد أوراش الحاضرة المتجددة فى مراكش

GMT 10:10 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

"تجرّأ" مبادرة شبابية للرقص في شوارع مدينة اللاذقية

GMT 03:01 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

الفنانة أيتن عامر تقدم شخصية محامية لأول مرة في "خلاويص"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya