بقيت آخر أولاد مصباح

بقيت آخر أولاد مصباح؟

المغرب اليوم -

بقيت آخر أولاد مصباح

حسن البطل
بقلم : حسن البطل

أرى المنايا خبط عشواء» كما قيل شعراً (زهير بن ابي سلمى). ماذا قيل في القصف المدفعي: لا تسقط دانتان في المكان نفسه (لذا يتقدم الجنود من حفرة دانة إلى أخرى). ماذا قيل في الحزن الصريح والحزن الدفين؟ بين شقي رحى (الشق الأول متحرك، والثاني ثابت).
سأذهب، مساء اليوم، لمجلس عزاء، بعد أن اخترمت يدُ المنون، في يومين متعاقبين، ابنة الأخت إنعام، وأخي الكبير عبد الرحمن البطل.. عميد العائلة.
«هي المنسوبة للبطولة» هذا عنوان رثاء ابنة الأخت إنعام البطل، وهي معروفة ومعرّفة في البلاد وسورية. ماذا أُعنون رثاء عن رحيل عميد آل البطل، وهو المعروف والمعرّف في سورية. وفي موسوعة «من هو» who is who كواحد من 10 آلاف شخصية شهيرة في العالم.
لا أدري، هل هو آخر الأحياء من رجال الدفاع عن طيرة – حيفا، لكن أعرف أنه كان أصغر المقاتلين، والوحيد الذي يرمي على رشاش «مترليوز»، والوحيد من أولاد والدي مصباح الذي آمن بالفكرة السورية القومية (سأتجوّل لاحقاً في سائر بلاد الشام).
تقول ريما نزال، صديقة ورفيقة إنعام في عزائها لي: ضربتان على الرأس تؤلمان. أنا صرخت في الضربة الأولى «هي المنسوبة للبطولة» وخرست أسبوعاً عن الضربة الثانية. لماذا؟ في البلاد قد يعرفون حسن البطل، لكن شقيقه عبد الرحمن (أبو غسان) معروف ومعرّف في سورية (وشهادات الدكتوراه من الجامعات الأجنبية في إدارة المطارات).
تلقيت صغيراً، في الحادية عشرة، خبطتين متتاليتين من يد أخي على رأسي، ولكن بمجلة «لايف» الملفوفة كعصا. الأولى فتحت مداركي على الكون الرحيب، والثانية أكدت عنادي الطيراوي.
كنت في ساحة الدار، أتأمّل القمر بدراً، وقلت لأبي: ما هذه اللطخة على خدّ القمر، فضربني أخي على رأسي، وفتح المجلة وقال: شوف.. هذه هي مجرة في السماء؟ أين الأرض يا حمار؟ في الخبطة الثانية من مجلة «نيوزويك»، بعد حرب السويس 1956، أراني خارطة سيناء. قال: «شوف.. مساحة سيناء ثلاثة أضعاف مساحة فلسطين.. يا حمار يا حبيب عبد الناصر»!
لكنني لم أكن حماراً، فقد تعلّمت من مكتبة السجال والجدال بين عقيدة وأخرى، فكرة وفكرة، بين «نشوء الأمم» لأنطون سعادة، ونقاش المربي العروبي ساطع الحصري لأفكار زعيم ومؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي.
في السنوية الخمسين للنكبة كتب أخي في «الأيام» شهادته عن معركة صمود الطيرة (سقطت ثلاثة أشهر بعد سقوط حيفا، وشهرين بعد إقامة إسرائيل) وأرفقها بخريطة «كروكية» بخط يده..
لأخي قصة طريفة في كمب الحديد قرب الطيرة (أكبر معسكر بريطاني في فلسطين) فقد احتاج قائد المعسكر لمن يجيد الإنجليزية، وكان أخي في الـ 14 من عمره ويجيدها، فعيّنوه مترجماً بين قيادة وضباط المعسكر والعمال المحليين العرب، ومعظمهم مصريون.. ثم طردوه «لو كنت أكبر لقدمتك إلى محاكمة عسكرية» لماذا؟ رق قلب أخي للعمال المصريين، وزور توقيع قائد المعسكر على توظيفهم.
هو واحد من جيل شهد المعركة والنكبة فتياً، وهو واحد من «الجيل القاسي» الفلسطيني، الذي رفع شعار العلم و»المناقبية»، وهو واحد من أوائل العاملين الفلسطينيين في «أرامكو» ممرضاً للأمراض المتوطنة، ثم طريداً لانتمائه للحزب السوري، ولعلّه أكثر المتابعين لإصدارات «دار بنجوين PENGUIN» الإنكليزية.
رئيساً لـ «نقابة النقل الجوي والبري» في سورية ثم جليس سمر على طاولة في حانة دمشقية، وكان وزير الدفاع حافظ الأسد يتردد عليها. لكن لما صار رئيساً عرض على أخي حقيبة الداخلية، فاشترط أخي أن توضع «سرايا الدفاع» تحت إمرته. هذا جيش قال الأسد. كلّا، هذه شرطة قال أخي.. ثم سخر لاحقاً من الرئيس علناً. فأوقفوه حتى «يضبّ لسانه» كان يقول «العقيدة لا تموت» قلت: ماذا لو فشل مشروع الوحدة السورية – العراقية؟ قال: ينتهي حزب البعث.
كان فتى شجاعاً، ورجلاً عماد الأسرة، وإدارياً ونقابياً كفؤاً استحق شهادات دكتوراه فخرية من أشهر الجامعات الأجنبية.
كان لأبي المحارب مصباح أربعة أولاد.. اثنان حاربا معه دفاعاً عن الطيرة، والأصغر كان أول من يموت في مطلع الحركة الفدائية.. وبعد موت أخي حسين ثم أخي عبد الرحمن، صرت آخر أبناء مصباح الأحياء.
هل أتلاعب بشعر عمرو بن معد يكرب «.. وبقيت مثل السيف فردا» أو أضع كلمة «القلم» مكان السيف؟ أنا غير المحارب الوحيد بين أولاد مصباح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بقيت آخر أولاد مصباح بقيت آخر أولاد مصباح



GMT 15:17 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ١

GMT 15:15 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

أخبار اسرائيل سيئة مثلها

GMT 18:43 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

ديكارت ومحافظ البصرة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:36 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

كارول سماحة تتألق بفستان جرئ من اللون البيج

GMT 00:41 2017 الخميس ,26 تشرين الأول / أكتوبر

شاب يشنق نفسه لأسباب مجهولة في مدينة وادي زم

GMT 00:41 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أحمد مكي يُعلن تحضيره الجزء السادس مِن "الكبير أوي"

GMT 09:35 2018 الخميس ,04 تشرين الأول / أكتوبر

المُصمّمة إيمان طاهر تكشف عن مجموعة جديد مِن الأزياء

GMT 15:14 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لكزس تكشف عن يختها الذي يحمل اسم"LY 650" الفاخر

GMT 05:20 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

سؤال كتبه "فيسبوك" يثير غضب المستخدمين ويجبروه على حذفه

GMT 00:58 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

عطر "أمواج ليريك" يمتعك بحضور طاغي في 2018

GMT 07:03 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

" قونكة " من المدن المميزة لشهر عسل مع أكثر المناظر الخلابة

GMT 16:44 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

هورينتس يقلب الموازين في منافسات دوري السلة الأميركي

GMT 03:50 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

تحذيرات من توقف تطبيق "واتساب" بحلول كانون الثاني

GMT 01:25 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

أمل بوشوشة تعلن عودتها إلى الدراما عبر "أبو عمر المصري"

GMT 10:11 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

اختاري إطلالاتك الليلية لأناقة مذهلة في ليلة رأس السنة

GMT 05:13 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

القوات الحكومية تستهدف الرستن في ظل تُجدّد الحروب

GMT 00:35 2015 السبت ,04 إبريل / نيسان

أغرب 10 قصص للغيرة في العالم
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya