«النتش» هذا «قنفذ التلال»

«النتش» هذا «قنفذ التلال»

المغرب اليوم -

«النتش» هذا «قنفذ التلال»

بقلم - حسن البطل

لا يغار «النتش» القميء من ابتهال الإنسان للنخيل السامق في غير مكان إمارته على التلال.. لا؛ ولا يحسد «النتش» القنفذي زيتونة التلال والجبال إذا تربّعت مليكة في عقر مملكته.
جلود قنوع هو هذا «النتش» لا يذل كبرياءه أن يكون فضلة طعام للماعز المتأفف في هجير الصيف من جوع يقرص معدة هذا الماعز؛ الجلود - القنوع هو الآخر .. لا، بل هما حليفان.
كم كان للإنسان أن يمرّغ أنف هذا «النتش» الشائك، فيستخدم عظامه لكنس الأزقة من قذارتها .. فيخسر في هذا التمريغ ثوبه الأخضر الداكن، ثم مخالبه، ومن ثم يُلفظ «النتش» بما هو أتفه من لفظ النواة.
ساهر هو النتش على مرّ الفصول. لا تعرفه ظامئاً في الصيف او مرتوياً - ريّان في الشتاء. لكن، في أول الربيع يتذكّر النتش أن أسنان الماعز فكت أزرار ثوبه .. فلا يخشى على عريه الفاضح؛ بل يخشى على عري التلال. زهوره شيء كالأزرار لا توفرها أسنان الماعز.. لكن يخبئ بعضها مؤونة لفصل يلي فصلاً، لعام يلي عاما .. هكذا حاله من أول الدهر على تلال هذه الأرض المقدسة، التي لولاه لجرفت سيول الشتاء أديمها أحمر رقيقاً يستر عري الصخر.
لولاه لكان اليباب - الموت (الأصفر؛ الأحمر؛ البنّي) تسيّد الجبال. فبماذا تُمسك جذور الأزاهير الهشة آنذاك؟ كيف للعشب الأخضر الفاتح ان يمدّ مائدته فصلاً من فصول العام الأربعة. بل، كيف لشتلة الزيتونة المباركة ان يقمّطها التراب حتى تشبّ باسقة.
جهول - ظلوم هذا الإنسان ان ظنّ النتش وغداً كالعليق الذي يستوطن تربة الجبال حتى عظامها.. ولا يرحل ان قلت له ارحل. تكشه فيرحل. النتش تومئ له: افسح المكان من فضلك، فيفعل طالما فلح الفلاح ارضه. فإن تقاعس هب النتش الى حراسة الأديم الرقيق ان تأتي عليه زخّات مطر كالوابل.
يضطرب وجه الأرض من فصل الى فصل، بل قل: تغيّر الأرض زينة حسنها «ماكياجها». لكن هذا النتش القنفذي لا تضطرب درجة اخضراره. لا تنزل درجة من الأخضر الداكن (غامق وأشدّ غمقة من اللون الزيتوني). إنه «ماكياج» وجه هذه التلال العانس.. حتى اذا وجدت «عريساً» لها وبعلاً (سواء سروة سامقة وصنوبرا متينا، او عُشيبات قمح وشعير) .. أخرج النتش لها مهر العروس: تربة صانها من التبدّد والضياع مع عاديات الزمن.
مبعثر هو النتش أحياناً، او متراصّ كثيف، كأنه سترة المغوار المحارب، المنافح عن تربة التلال .. وله عدّته المناسبة لحياة جنديّة الضنك.
إنّه عبوس دائماً، اكثر من خشن الملمس. لكن، بمن تحتمي زهيرات الربيع القادم وقت ريح الشتاء وسيوله؟ إنها تجد الملاذ في أحضان «النتش». والى جواره، كأنها تحتمي به، أيضاً، حتى لا تأتي أسنان الماعز عليها، بل تترك شيئاً من الأزاهير خزانة الموسم المقبل، من جيل الى جيل.
هو النتش، اذاً، معيل وعائل. لكن، ليس عالة على حقل فلاح مجتهد.. ولا متطفّلا. بل له بعض شيء من عقل البقاء الغريزي، فتراه ينصب متاريس الدفاع امام السيول على حافة انكسارات طبقات الصخر. وأحياناً، يعزز «خط الحراسة» الذي يقيمه الفلاح من حجارة السناسل والجدران الاستنادية فيسمح بمرور ماء المطر الزائد .. ولا يسمح للتراب بذلك.
جندي التلال هذا النتش، كما الغراب الأسود يمسح عن سطح الأرض قتلى الكائنات البرية. يقولون إن الغراب علم الإنسان احترام حرمة الموت فصار يدفن موتاه، وما لا يدفنه الإنسان لا يأنف الغراب عن جيفته.
.. وأمّا هذا النتش فهو حارس الحياة في تلال الأرض المقدّسة ان يموت أديمها أو يُجدب إلى الأبد. صحيح أننا من التراب والى التراب نعود، لكن لمملكة النبات قانونها الآخر: من التراب والى التراب تحيا. وهل للإنسان حياة بلا مملكة النبات؟ وهل لمملكة النبات من تراب على السفوح لولا حراسة النتش للتراب.. شرطاً للشجر العالي. شرطاً لشجيرات اقل علوّاً .. شرطا ليجد عشب الربيع مهداً يستريح فيه وعليه.
هذا القميء الذي لا يغار. هذا «القنفذي» الذي يحتضن زهيرات الربيع. هذا الجلود، القنوع، المعيل لا العالة. هذا السيّد الشهم. هذا الخادم..الجندي.. هذا هو «النتش».
8ـ1ـ1998
حـسـن الـبـطـل

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«النتش» هذا «قنفذ التلال» «النتش» هذا «قنفذ التلال»



GMT 15:17 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ١

GMT 15:15 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

أخبار اسرائيل سيئة مثلها

GMT 18:43 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

ديكارت ومحافظ البصرة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 06:53 2018 الإثنين ,20 آب / أغسطس

الكشف عن سيارة مرسيدس بنز "فيتو 119سبورت كرو"

GMT 07:48 2017 الإثنين ,31 تموز / يوليو

بث فيلم "حب وخيانة" للمرة الأولى على الفضائيات

GMT 23:31 2014 الإثنين ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

بيتزا الجمبري

GMT 08:20 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

"سناب شات" تطلق ميزة جديدة لعرض المزيد من المعلومات

GMT 04:44 2016 السبت ,17 كانون الأول / ديسمبر

شيماء مصطفى تصدر مجموعتها "ديوان الورد"

GMT 14:16 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

تييري هنري يسعى إلى ضم سيسك فابريغاس إلى موناكو

GMT 23:25 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرَّف على حقيقة إقالة مدير المستشفى العسكري في الرباط

GMT 03:23 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

سيدة تنجب طفلة دون علمها بأنها حامل في إسكتلندا

GMT 19:34 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل فيديو يُوثق شجار عنيفة بين أستاذ وتلميذة

GMT 09:28 2018 الأربعاء ,08 آب / أغسطس

ديكورات حمامات عصرية تشعركِ بالراحة والجمال
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya