صراع الشخصانية والشعبوية

صراع الشخصانية والشعبوية!

المغرب اليوم -

صراع الشخصانية والشعبوية

بقلم - راجح الخوري

في 23 يونيو (حزيران) الماضي وقبل ساعات من الصمت الانتخابي استعدادا للانتخابات الرئاسية في تركيا، قدّم الرئيس رجب طيب إردوغان نفسه لمحطة «TRT» كمنقذ للشعب التركي، قائلاً إنه يعتبر نفسه من أكثر السياسيين حنكة في الجمعية العامة للأمم المتحدة «الأكثر حنكة في العالم هما أنا وبوتين»!
لكن الأمور بالنسبة إلى الخبراء الاقتصاديين الأتراك، وكذلك إلى المؤسسات المالية الدولية، ليست على هذا النحو إطلاقاً، ولهذا ترتفع الدعوات الآن إلى النظر إلى أبعد من قصة الخلاف بين دونالد ترمب وإردوغان، والتراشق بفرض العقوبات بين تركيا والولايات المتحدة، بسبب رفض أنقرة إطلاق سراح القس الأميركي أندرو برانسون المعتقل في تركيا منذ عامين بتهمة التعامل مع حزب العمال الكردستاني وجماعة فتح الله غولن، غريم إردوغان الذي ترفض واشنطن مطالبة أنقرة بتسليمه.
التراشق بين ترمب وإردوغان بالعقوبات الاقتصادية، لا يُخفي أبعاد الشعبوية النافرة عند الرئيسين، فكما يريد ترمب أن يقول للأميركيين أنا من أعيد فرض الهيبة الأميركية على العالم، يريد إردوغان أن يقول للأتراك أنا من يواجه أقوى دولة في العالم، «عندما تقلّل من احترام تركيا... إن واشنطن تريد إخضاع تركيا بسبب قسّ»؟!
تكراراً، القصة ليست قصة قسٍ ولا قصة صفقة لمبادلة ذلك القس بفتح الله غولن؛ القصة في الأساس قصة اعتلال في قواعد الدورة الاقتصادية في تركيا، التي عرفت طفرة إيجابية عام 2003، ولكنها دخلت في تراجع تراكمي، سبق أن حذّرت منه المراجع الاقتصادية سواء في تركيا أو في الخارج، ولهذا لا يمكن لتغريدة للرئيس الأميركي، أعلن فيها مضاعفة الرسوم الجمركية على الألمنيوم والصلب المستوردين من تركيا، أن تضرب الليرة التركية بهذا الشكل، إنها أبعد وأعمق من ذلك كثيراً!
في هذا السياق، يؤكد الخبراء أن بوادر أزمة الليرة التركية كانت ظاهرة تماماً قبل الخلاف مع الولايات المتحدة، وأن إردوغان كان يعرف أن الأزمة مقبلة عليه، ولهذا قرّب موعد الانتخابات الرئاسية من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2019 كما كان مقرراً أصلاً إلى يونيو (حزيران) من هذا العام، في محاولة واضحة لاستباق أي تفاقم للوضع الاقتصادي ينعكس على نتائجه الانتخابية.
بعد الإعلان عن تقريب موعد الانتخابات، انتقد الأكاديمي والمحلل التركي البارز آسكين أوران، سياسات إردوغان، معتبراً أنها تدفع البلاد إلى حرب داخلية وانهيار مؤكد للبنية الاقتصادية، وقال إن من الواضح أن إردوغان يخشى من أن الغد سيكون أسوأ من اليوم له ولحزبه، وذلك لسببين؛ أولاً، الوضع الاقتصادي متأرجح سلبياً وما تشهده تركيا في هذه المرحلة هو بمثابة السير إلى الإفلاس، وأزمة الليرة التركية ترجع إلى سياسات إردوغان غير المنطقية، التي تفتقر إلى المعنى، وثانياً، الضغط غير المسبوق الذي يمارسه على معارضيه السياسيين سيعقّد الوضع أكثر!
لكن الأسوأ بالنسبة إلى الدورة الاقتصادية كان في الطريق، فبعدما أدى إردوغان اليمين الدستورية في نظامه الرئاسي، اتخذ فورا مجموعة من القرارات الاقتصادية أثارت القلق في الأسواق العالمية، وكان أبرزها إلغاء تعيين محافظ البنك المركزي من مجلس الوزراء، وأعطى لنفسه حق تعيينه مع نوابه وأعضاء لجنة السياسة المالية، وهو ما اعتبر تسييساً للمصرف المركزي الذي كان مستقلاً!
الخطوة الثانية جاءت عندما عيّن صهره برات البيراق في منصب وزير المالية، الذي افتتح تصريحاته بما فاقم القلق، عندما قال إن التكهنات بشأن استقلالية القرار في البنك المركزي غير مقبولة، وإن هذا البنك سيكون أحد الأهداف الأساسية لسياسات العصر الجديد!
وأي عصر جديد؟
هكذا تساءلت وكالات دولية مختصة، منها «بلومبيرغ»، التي قالت في 10 يوليو (تموز) إن تركيا أصبحت الآن غير جاذبة للاستثمارات، وإن إردوغان عبر قراراته الأخيرة، أعطى المستثمرين كل الأسباب التي تدعوهم إلى الانسحاب من السوق!
أما المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) فقال في تقرير لشهر يوليو، إن الدولة التركية في عهد إردوغان الرئاسي الجديد تسير بخطى ثابتة نحو أزمة اقتصادية حادة، مشيراً إلى أن الحكومة التي دشّن إردوغان نظامه الرئاسي بتشكيلها ضمّت 16 من مقربيه، لفرض سلطته والإمساك بزمام الأمور والسيطرة المتفرّدة على صناعة القرار وإدارة شؤون السياسة العامة، بما فيها الاقتصاد غير المتعافي.
ويضيف التقرير أن إردوغان غير مقدّر العلل التي يواجهها الاقتصاد التركي، وغير مهتمٍ بالحاجة الماسة لإجراء عملية إصلاح اقتصادي شاملة تلحقه بدائرة الاقتصادات العالمية، وأنه نتيجة لكل ذلك قفزت ديون العملات الأجنبية لقطاع الشركات إلى 328 مليار دولار نهاية عام 2017، بينما ارتفعت قيمة الدين العام إلى مبلغ 214 مليار دولار، ما يعني أنه على تركيا سداد مبلغ 18 مليار دولار شهرياً!
بعد تفاقم الوضع والتراشق بالعقوبات غير المتوازنة بين ترمب وإردوغان، قال بول تي لفين، مدير معهد الدراسات التركية في جامعة استوكهولم، إن الخلاف غير الضروري بين تركيا والولايات المتحدة بسبب القس برانسون، فاقم أزمة تركية موجودة أصلاً، وإنه كان واضحاً منذ بعض الوقت لأي شخص يتابع الأوضاع في تركيا، أن سوء الإدارة السياسية والاقتصادية للحكومة ستكون له عواقب وخيمة.
إن القراءة في المنطلق السيكولوجي الشخصي لكل من الرئيسين ترمب وإردوغان، تؤكد أن الأزمة تحولت «عضاً على الأصابع» لن تنتهي قريباً، فبعد فشل اللقاء السري الذي عقد بداية الأسبوع بين جون بولتون مستشار الأمن القومي وسردار كيليغ السفير التركي في واشنطن، ورفض تركيا الإفراج عن برانسون، يتصاعد التراشق بالعقوبات بين البلدين، ترمب لن يتراجع عن تشديد العقوبات، في وقت يشن حملة عقوبات مشابهة على إيران والصين وروسيا، ويهدد كل من يتعامل مع طهران، لأن تراجعه سيُفشل ويُدمر فعالية سلاح العقوبات الخانق الذي يرفعه، وفي المقابل لن يتمكن إردوغان من التراجع، لأن الاستثمار في الأزمة الاقتصادية مع واشنطن، يشكل تجارة سياسية مربحة لنظامه، من خلال محاولته إبراز نفسه نداً لترمب في فرض العقوبات.
إضافة إلى هذا، يحاول إردوغان أن ينفخ في الخلاف رياحاً شعبوية، ليس في أوساط «حزب العدالة والتنمية» فحسب، بل في أجواء «الإخوان المسلمين»، ويبدو هذا واضحاً ليس من خلال تصريحات القرضاوي المؤيدة للموقف التركي، أو من خلال زيارة أمير قطر الشيخ تميم إلى أنقرة وتخصيصه مبلغ 15 مليار دولار كاستثمار مباشر فحسب، بل من خلال تعمّد إردوغان تكرار القول: «هل تجرؤن على التضحية بتركيا البالغ عدد سكانها 81 مليوناً من أجل قسٍ يرتبط بجماعات إرهابية»؟
لم يعد من معنى لتلويح إردوغان بأن التحالف بين البلدين بات على المحك، فذلك لم يعد يثير الذعر في واشنطن كما كان الوضع أيام الاتحاد السوفياتي، عندما كانت قاعدة إنجرليك آذان وعيون المخابرات الأميركية على الكرملين.. لم تعد لهذه القاعدة التي طالما استعملها إردوغان للضغط على واشنطن، الأهمية السابقة بعدما باتت أميركا تملك الآن 3 قواعد كبيرة في سوريا!
لا، لم تعدْ قصة قسٍ في مقابل غولن، ولا قصة عقوبات متبادلة بين بلدين حليفين في «الأطلسي»، هي قصة مواجهة شخصانية شعبوية بين ترمب وإردوغان... ولكن السؤال؛ من سيصرخ أولاً قبل الآخر؟!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صراع الشخصانية والشعبوية صراع الشخصانية والشعبوية



GMT 12:02 2019 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعب مصدر الأزمات

GMT 14:14 2019 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أرامكو ومستقبل مزدهر للأسهم

GMT 05:27 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

«لا يُمْكن»!

GMT 05:26 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تأملات على هامش ستينية الاتحاد الاشتراكي

GMT 05:25 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

لمن تُقرع الطناجر في لبنان؟

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 18:41 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

النادي القنيطري يحدد موعد جمعه العام نهاية الشهر الجاري

GMT 10:04 2017 الثلاثاء ,19 أيلول / سبتمبر

شاطئ كابوتاش ذو الرمال البيضاء في أنطاليا التركية

GMT 09:36 2016 الخميس ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ليدي غاغا تتألق في اللون الوردي أثناء ترويج ألبومها "جوان"

GMT 16:15 2016 الخميس ,13 تشرين الأول / أكتوبر

"نايل فاميلي" تعرض مسلسل "رياح الشرق" بعد خوضه سلسلة قضايا

GMT 10:48 2016 الأربعاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

جبل الأولداغ في تركيا من أفضل الأماكن لممارسة رياضة التزلج

GMT 09:42 2017 الجمعة ,10 شباط / فبراير

نيكول سابا تبدو مثيرة في أجدد جلسة تصوير لها

GMT 14:31 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة المستشارة البرلمانية فاطمة أيت موسى

GMT 11:50 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

"سيشيل" لؤلؤة المحيط الهندي تضم 115 جزيرة من الجرانيت والمرجان

GMT 09:04 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ريجيس دوبريه ينصح في كتابه الأخير نجله بألا يتبع مساره
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya