هل يوجد أدب عمالي في المغرب

هل يوجد (أدب عمالي) في المغرب ؟

المغرب اليوم -

هل يوجد أدب عمالي في المغرب

عبده حقي

نقصد ب(الأدب العمالي) مختلف أجناس التعبير الكتابية والشفاهية الأدبية (شعرـ قصة قصيرة ـ رواية ـ زجل .) التي جعلت من قضايا وهموم الطبقة العاملة والشغيلة موضوعا لها و تيمتها
المحورية بهذف رسم صورة عن واقعها اليومي وعرق كفاحها المضني ودعمها رمزيا ومعنويا لكسب قوتها وتحقيق كرامة معيشها .
تعود هذه العلاقة بين الأدب والنضال العمالي التي أسست بتراكمها الأنطلوجي ما بات يعرف ب(الأدب العمالي) إلى القرن التاسع عشر الذي عرف بداية الثورة الصناعية وتعاظم دور الرأسمال الإستثماري في الهيمنة على مختلف البنيات التحتية ووسائل الإنتاج (رأسمال ـ يد عاملة ـ معادن ..إلخ) خصوصا في ابريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية ، مما أفرز طبقة عاملة سوف تعرف مع مرور الزمن وتطور العلاقة بين أطراف الإنتاج لخدمة المصالح الإمبريالية على حساب متاعب العمال ، سوف تعرف أسماء أخرى من بينها (الطبقة الكادحة ـ الطبقة المسحوقة ـ الطبقة المقهورة ..إلخ ) وغيرها من اليافطات الهوياتية الخاصة بتجربة كل بلد في هذا الإطار.
ارتبط الأدب العمالي بهموم هذه الطبقة التي ينهض على كاهلها "فائض القيمة" وبالتالي المزيد من التراكم الجشع للرأسمال مثلما ارتبط بقضايا إنسانية محلية وكونية أخرى ، ومن أشهر الأعمال الروائية التي رصدت لنضال العمال نجد رواية (جيرمينال) للكاتب الفرنسي (إيميل زولا) التي نشرها سنة 1885 و هو كان كاتبا ذو نزعة إشتراكية وتقدمية، وروايته (جيرمنال) هي رواية النضال من أجل مستقبل الطبقة العاملة في المناجم الفرنسية استطاع من خلالها الحفر بإزميل قلمه في باطن عتمة المنجم للوصول إلى ضوء الكرامة والإقرار بحقوق العمال سواء كانوا تحت الأرض أوفوقها .
لايمكن الحديث في المغرب عن (أدب عمالي) في هذه المرحلة (الجيرمنالية) ولاحتى خلال الإستعمار وبداية الإستقلال بل يمكن أن نتحدث بالأحرى في هذه الفترة عن (أدب قروي) إهتم فيه المنجز القصصي والروائي على ندرته بهموم الإنسان البدوي وصراعه مع إكراهات الطبيعة والمناخ وسطوة المستعمر، ولم يعرف إرهاصات وبوادر (أدب عمالي) مرتبط بالمدينة إلا مع تطور الكتابة القصصية والروائية منذ أواسط الستينات مع صعود جيل جديد من الكتاب راهن على تحديث المتن السردي القصصي بعد أن نهل وتفاعل مع إبداعات أقطاب الأدب العالمي ( تشيخوف وغوغول وموباسان ويوسف إدريس ونجيب محفوظ وياسين رفاعية ..إلخ ) خلفا لجيل الرواد ( القطيب التناني وعبد المجيد بنجلون وعبدالكريم غلاب ومحمد العربي الخطابي ومحمد بيدي وابراهيم بوعلو ..إلخ ) هذا الجيل الذي ارتبط انشغاله في أعماله القصصية أساسا بالنضال من أجل تحرير المغرب من الإستعمار الفرنسي والدفاع عن مقدساته الروحية والسياسية .
لكن بعد الإستقلال وانقضاض طبقة بورجوازية (أمية) على كل بنيات الإنتاج من معامل ومصانع وضيعات فلاحية عصرية وتعاظم هوسها المتخلف بمراكمة الرساميل بدل التفكير العقلاني في تحديث وسائل الإنتاج ، كل ذلك أثر سلبا على الوضع المادي والإعتباري للطبقة العاملة مقارنة مع وضعها السابق أيام الإستعمار الفرنسي حيث كانت على الأقل تحظى وتتمتع ببعض حقوقها الأساسية تحت ضغط الحزب الإشتراكي الشيوعي الفرنسي والقوى التقدمية  .
كل هذه العوامل أدت إلى تغيير في التركيبة السوسيوثقافية المغربية بدأت تتسع معها هوامش المدن الكبرى بسبب استنبات أحياء دور الصفيح والسكن العشوائي القريبة من المعامل والمصانع لتزويدها باليد العاملة الرخيصة التي هجرت جلها من البوادي والقرى المحيطة بالمدينة (الميتروبول) الصاعدة ... هكذا ظهرت في الأدبيات النضالية المغربية مايسمى بالطبقة العاملة والطبقة الكادحة والطبقة المسحوقة والطبقة المقهورة .. إلخ وباتت همومها ومعاناتها القاسية اليومية في طاحونة المعمل من بين أجندات النقابات العمالية والهيئات الحزبية والمنظمات الحقوقية وبالتالي يمكن اعتبار فعاليات المجتمع المدني هاته هي المدخل الأساسي في نسج العلاقة بين (الأديب) و(العامل) مما أسهم في خلق (أدب عمالي) حيث أن معظم الكتاب والمثقفين المغاربة (قصاصون ـ روائيون ـ شعراء ـ زجالون ـ مسرحيون ) كانوا أعضاء في هذه الإطارات السياسية والحقوقية خصوصا في مطلع السبعينات التي عرفت ذروة الصراع بين النخب السياسية والمثقفة وبين النظام القمعي الحاضن للطبقة الأريستوقراطية والبرجوازية المنتفعة من خيرات البلاد بعد انسحاب المستعمرالفرنسي .
إذن يمكن إعتبار (الإلتزام السياسي) بمفهومه الإيديولوجي أساسا هو الجسر الذي إلتقى فيه كل من الأديب والعامل لينتجا معا ما بات يعرف ب (الأدب العمالي) . إلا أنه لم يرق إلى أفق أدب عمالي قائم الذات له خصوصياته وأقانيمه المتميزة على غرار ما أنتجه الأدب الغربي والروسي ، كما أنه لم يشكل زخما وتراكما قمينا بمقاربة ظاهرته في أبعادها السوسيولوجية والأدبية والجمالية باعتبارها قد شكلت تيارا واضحا في تضاريس الأدب المغربي مثلما نتحدث عن (أدب السجون) عند عبد القادرالشاوي أو (أدب المهجر) عند إدريس الشرايبي أو(أدب السيرة الذاتية) عند محمد شكري ومبارك ربيع .
تحضرني في هذا الموضوع قصة قصيرة تظل بكل تأكيد علامة قصصية مائزة وإبداعية أنطلوجية لا أعتقد أن أحدا من القصاصين المغاربة لا من جيل السلف ولا من الخلف قد أبدع أجمل وأبلغ منها وإن كانت قيمة المفاضلة في هذا المستوى من الذائقة الأدبية لاتستقيم بهكذا حكم قيمة . الأمر يتعلق بقصة (كما هي العادة) للقاص والصحفي الفقيد عبدالجبار السحيمي التي نشرت ضمن مجموعته القصصية اليتيمة (الممكن من المستحيل) التي صدرت عن مطبعة الرسالة سنة 1969  .
وقصة (كما هي العادة) وإن كانت لاتندرج بشكل واضح ضمن قصص أدب ( النضال العمالي) إلا انها قد نحتت صورة متفردة لبطل عامل كادح توفي تاركا زوجته وحيدة تعيش مرارة وحشتها في مجتمع لايرحم ...
تقوم البنية الزمنية في هذه القصة على لحظة واحدة تستغرق فيها الزوجة الأرملة في تهيؤات واستيهامات طافحة بالحزن والحلم بعودة زوجها ذات مساء حيث تتخيله قد عاد من المعمل على دراجته الهوائية في منتصف الليل .. يدخل في هدوء إلى البيت .. يتلمس الجذار في الظلام .. يشعل زر النور.. يدلف إلى المطبخ لإعداد فنجان قهوة .. يدخن سيجارته الأخيرة ثم يرتدي منامته ويندس بهدوء إلى جانبها في السرير، لكنها حين تستدير في الظلام لتعانقه لاتجد بجانبها غير الفراغ ... فزوجها قد توفي بعد أن استفحل مرضه بسبب مخلفات صحية ناجمة عن عمله في المصنع .
ولربما هناك قصص أخرى لكتاب آخرين عاشوا وصادقوا عمال المصانع وتشمموا معهم الأدخنة الصاعدة من مداخن المعامل في الدار البيضاء على الخصوص مثل القاص إدريس  الخوري ومحمد زفزاف ومحمد صوف ومصطفى المسناوي وغيرهم ...
أما بخصوص تجربتي الشخصية القصصية بهذا الصدد فقد كتبت قصة قصيرة عنوانها (قصتي مع مينسك) التي صدرت في صحيفة الزمان اللندنية بتاريخ 4 آذار2013 ضمن ملف عن القصة القصيرة في المغرب وتتحدث عن سائح مغربي في مدينة (مينسك) الروسية الذي سيستقل القطار باتجاه أحد المناجم ليقضي يوما كاملا مع عمال روس في منجم عميق .
تقول إحدى فقرات هذه القصة : (كانواعمالا بسحنات معفرة بأدخنة التكرير وتفاهة التكرار القاتل في الغيران العميقة .. نسيت أنني سائح عربي في (مينسك) فخلت أنني كادح مثلهم .. خيل إلي أنني أنزل مصعد غار المنجم ــ أعني مقبرتنا الجماعية ـــ قدم لي المراقب قبعة صفراء في هامتها مصباح واحد مثل عين رأس الغول ..)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يوجد أدب عمالي في المغرب هل يوجد أدب عمالي في المغرب



GMT 08:07 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أخبار مهمة أمام القارئ

GMT 08:04 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الإمارات والأردن.. توافق لأمن المنطقة

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسوأ عقاب أوروبى لأردوغان

GMT 07:59 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لهذا تقود أمريكا العالم!

GMT 07:57 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر الحلقة المقفلة في اليمن

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 12:31 2019 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

4 أكواب من القهوة يوميا تحد من زيادة الوزن

GMT 22:15 2016 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد مصارعة المحترفين "wwe" ينفي وفاة النجم بيغ شو

GMT 06:58 2016 الخميس ,01 كانون الأول / ديسمبر

إيلي صعب يقدم مجموعته الجديدة من الفساتين لشتاء 2017

GMT 19:08 2018 الجمعة ,07 أيلول / سبتمبر

نادين الراسي تفجر مفاجأة صادمة عبر "توتير"

GMT 22:37 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

عمرو أديب يكشف عن موعد إذاعة حوار صلاح

GMT 12:04 2018 الجمعة ,16 آذار/ مارس

المغرب يطلق أول كبسولة إلى الفضاء

GMT 20:17 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة تهيئة مرافق نادي التنس في وجدة

GMT 17:26 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

مارين سيليتش يبلغ ربع نهائي بطولة أستراليا المفتوحة

GMT 09:28 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

استطلاع يعلن أنّه يُنظر إلى ميلانيا ترامب بشكل إيجابي

GMT 04:32 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

شابة في أستراليا تشعل التواصل الاجتماعي بصور عن المأكولات

GMT 11:31 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

الاسباني فيليبي السادس يستعد لزيارة المملكة المغربية

GMT 20:45 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

كالديرون "يذبح" الزمالك ونيبوشا يقترب مِن الرحيل

GMT 05:59 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الدولار الأميركي الخميس

GMT 07:22 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ريم بوشناق تُواصل "البيت الكبير" بعد سلسلة من التأجيلات

GMT 20:23 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

المدير العام للأمن الوطني يعفي أحد المسؤولين في طنجة

GMT 11:27 2013 الخميس ,13 حزيران / يونيو

إيمي أنيقة في فستان أسود وبني دون أكمام
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya