الشعارات كبرنامج

الشعارات كبرنامج

المغرب اليوم -

الشعارات كبرنامج

بقلم رشيد نيني

مشكلة الحزب الحاكم أنه يشتغل كما لو أنه في حملة انتخابية دائمة، ولذلك فكل قراراته وتصريحات وزرائه وبرلمانييه تضع نصب أعينها صناديق الاقتراع وليس شيئا آخر.
مؤخرا زف وزير النقل ما اعتبره بشرى للمواطنين عندما نشر لائحة التخفيضات على غرامات مخالفات السير، بالموازاة مع موسم الصولد على الألبسة في المحلات التجارية.
وهكذا ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه المواطنون تشديد العقوبات على مجرمي الطرق، ها هو وزير النقل يقدم لهم هدية تشجيعية، في سابقة عالمية لم يجرؤ على القيام بها أي وزير للنقل يحترم نفسه.
إن ما لم ينتبه له سعادة الوزير هو أن مبادرته سوف تشجع مستعملي الطرق على خرق القانون، في وقت كان ينتظر فيه الجميع مبادرات تسير في تشديد العقوبات والغرامات على المخالفات للحد من ضحايا حرب الطرق.
لكن يبدو أن سعادة الوزير بوليف غير منشغل بالأرقام المتصاعدة لضحايا حوادث السير، وآخرها تلك الحادثة التي أودت بحياة أربع طالبات حصلن للتو على شهادة الماستر واضطرت عائلاتهن إلى انتظار الساعات الطوال قبل تسلم جثثهن من مستشفى مولاي عبد الله بالمحمدية الذي لا يتوفر حتى على ثلاجة صالحة لحفظ الأموات. فالوزير بوليف المسؤول عن حوادث السير منشغل بتخصيص حديث ثلاثائه الفيسبوكي للتغزل حالما من دبي، حيث حضر قمة الحكومات العالمية، بالنموذج المغربي الذي نجح في إرساء حكومة تدبيرية ناجعة لا تردد فيها لإزاحة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة.
ولا يسعنا سوى أن نقول لمعالي الوزير عن موقع ربط المسؤولية بالمحاسبة في فضيحة الطريق المغشوشة التي فضحها شاب جمعة سحيم.
أليس وزير النقل مسؤولا عن الفساد في بناء تلك الطريق، لأن الطرق المغشوشة تؤدي لحوادث السير المميتة؟
ماذا فعلت وزارة النقل لكي تحمي أرواح وسلامة مستعملي تلك الطريق المغشوشة؟
لقد كان من الأجدر تكريم هذا المواطن عوض سجنه، لأنه أنقذ أرواح ضحايا قد يذهبون ضحية الغش في هذه الطريق.
لكن كل ما رأيناه هو ركوب وزير «العزل» وما تبقى من حريات على قضية شاب جمعة سحيم وتدخله لدى القضاء للإفراج عنه ومتابعته في حالة سراح.
أما رئيس الحكومة فإنه بدوره قفز على الملف «ما حدو سخون» وادعى أنه اتصل بوالد الشاب المعتقل، وقال له إنه ليس مقبولا أن يتم اعتقال شاب فضح فسادا. ما قام به رئيس الحكومة يعتبر ضربا لمبدأ استقلالية القضاء وتدخلا سافرا فيه، وطالما أن الملف معروض على أنظار القضاء فالموقف القانوني والدستوري السليم الذي كان يجب أن يلتزم به رئيس الحكومة هو واجب التحفظ، أي «زم فمك» حتى يقول القضاء كلمته، فأنت لست الصحافة ولست المجتمع المدني لكي تطلق العنان للسانك بانتقاد القضاء، لأنك تمثل السلطة التنفيذية.
إن عمق القضية التي كشف عنها شاب طريق جمعة سحيم ليس فقط فضيحة تدخل رئيس الحكومة عبر وزيره في «العزل» في السلطة القضائية، بل إن عمق القضية هو الغش في الصفقات العمومية وعدم تفعيل آليات مراقبة طرق صرف المال العام، هذا هو الموضوع الذي يجب على الصحافة والمجتمع المدني أن يركزوا عليه، أما الباقي فمجرد تفاصيل.
إن أول شيء كان على وزارة الداخلية والمجلس الأعلى للحسابات ومفتشية وزارة المالية هو إرسال لجان تفتيشية لمراجعة الظروف التي مرت فيها صفقات تزفيت تلك الطرق.
وإذا ثبت أن هناك مسؤولية تقصيرية من طرف رئيس الجماعة أو الآمر بالصرف فيها أو المكلف بمتابعة الأشغال، فإن مكانهم هو الزنزانة التي سيق إليها الشاب الذي فضح الغش.
لكن كيف نطالب بمحاكمة الغشاشين اليوم ونحن نرى أن 20 ألف مواطن من ضحايا الزيوت المغشوشة الذين تم بيعهم زيتا مخلوطة بزيت الطائرات، ما زالوا يحتجون منذ 1942 وإلى اليوم فوق مقاعدهم المتحركة أمام وزارة الداخلية؟
هذا يعني أن الغش ليس جديدا في المغرب، بل إنه لفرط عراقته أصبح صناعة مغربية قائمة الذات، فأهلك الصناعة التقليدية وأهلك السياحة وأهلك العقار وأصاب دواليب الإدارة بالتسوس ونخر القضاء والصحة والتعليم.
وفوق ذلك كله ما زلنا نتساءل لماذا عندما تنزل قطرتان من المطر تجرف معها الطرق والقناطر، إن آفة هذا البلد هو الغش، والغش هو أخطر أنواع الفساد، ولذلك تم استثناء الغشاشين من شرف الانتماء لهذه الأمة.
وما ينفطر له القلب ليس هو انتشار الغش وشيوعه في كل قطاعات البلد، بل مهادنته والاستكانة إليه، بل والدفاع عنه وسجن كل من يندد به وتكميم فم كل من يحاول فضحه.
والسبب هو أن الحزب الحاكم لا رغبة لديه في محاربة الفساد، فقد اعترف رئيس الحكومة بأن الفساد هو من يحاربه، وقد أصبح واضحا اليوم أن سقف شجاعة الحزب الحاكم هي استغلال شعارات محاربة الفساد للظهور بمظهر الحزب المصلح، فيما هو في الحقيقة حزب استطاب العيش مع الفساد وطبع معه.
إن الحزب الحاكم يقود حكومة تشتغل بشعارات محاربة الفساد عوض الانشغال بمحاربة الفساد فعليا.
ولعلكم تذكرون أنه في الوقت الذي كانت فيه الحملة الانتخابية الجماعية السابقة في أوجها، تسلل إلى التلفزيون إشهار ذكي لوزارة العدل يبشر المغاربة بالرقم الأخضر للتبليغ عن كل من يبتزهم، وذلك بإعطائهم بالصورة والصوت الدليل القاطع لما سيحصل لمثل هذا النوع من الموظفين.
كانت هذه الإشهارات ستكون جيدة لو أن الحكومة أطلقتها في السنة الأولى لتنصيبها وليس في عز الحملة الانتخابية.
ولو كنا في بلد ديمقراطي لتم منع مثل هذه الإشهارات من التلفزة قبل وخلال الحملة الانتخابية.
أما الاستراتيجية الجديدة لمحاربة الرشوة التي رصدت لها الحكومة ميزانية تقدر بأكثر من مليار درهم، فإنها في واقع الأمر ليست سوى استراتيجية تواصلية ذكية لتلميع صورة الحكومة، بحيث ستبث وصلات إشهارية قبل وفي عز الحملة الانتخابية التشريعية القادمة، تماما كما حصل في عز الحملة الانتخابية الجماعية للسنة الفارطة.
ولعل الصورة التي يعطيها بعض وزراء هذه الحكومة عن أنفسهم هي صورة ذلك التلميذ الذي بمجرد ما تبدأ السنة الدراسية يشرع في إعداد «الحجابات»، منسقا مع زملائه لكي يحرز كل واحد منهم «حجاب» خاصا بمادة معينة، حتى إذا جاء الامتحان أشهروا حجاباتهم وشرعوا ينقلون.
ولا غرابة في أن ينجحوا وينتقلوا من حكومة إلى حكومة موالية، فدأب «النقالين» أن ينجحوا دائما طالما أن من يحرسهم يغلق عينيه دونهم ويفتحها فقط على النجباء والمجتهدين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشعارات كبرنامج الشعارات كبرنامج



GMT 05:05 2017 الثلاثاء ,06 حزيران / يونيو

حتى أنت يا مصيطيفة

GMT 05:06 2017 السبت ,03 حزيران / يونيو

الدرهم العائم

GMT 06:18 2017 الخميس ,01 حزيران / يونيو

يتيم في العيد

GMT 06:30 2017 الثلاثاء ,30 أيار / مايو

عادات سيئة

GMT 05:40 2017 السبت ,27 أيار / مايو

ولاد لفشوش

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 17:57 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي التحدي يبرم عدة صفقات استعدادًا للدوري الليبي

GMT 21:00 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

ترامب ينشر خريطة دولة فلسطين وفقا لـ"صفقة القرن"

GMT 11:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

أسعار النفط ترتفع بسبب توقف خط أنابيب في بحر الشمال

GMT 02:55 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مجتمع اليخوت الفاخرة مقصد أصحاب لثروات في موناكو

GMT 23:36 2017 السبت ,30 أيلول / سبتمبر

أجزاؤها أشيائي

GMT 15:10 2015 الإثنين ,02 شباط / فبراير

سلطة العدس

GMT 17:34 2012 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

صوفيا فيرغارا في تصميم لزهير مراد

GMT 04:22 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

ضريح القديس يهوذا وحصنه الشاهق يزيّنان جانسي الهندية
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya