المغرب المحاصر

المغرب المحاصر

المغرب اليوم -

المغرب المحاصر

بقلم - نور الدين مفتاح

لقد تنفسنا فعلا الصعداء بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الإسبانية بداية الأسبوع، وكان شبح فوز اليمين القومي المتطرف يقض مضجع بلادنا لما له في برامجه من مبادرات مخيفة، ربما أكثرها حماقة وتهوراً هو اقتراح حزب "فوكس" بناء جدار إسمنتي في الحدود المفروضة بين المغرب ومدينتيه المحتلتين سبتة ومليلية، يكون بتمويل مغربي مفروض من طرف مدريد للحد من الهجرة القادمة من الصحراء جنوب الساحل!! يضاف إلى هذا أن المغرب كان حجر الزاوية في حملة هذا الحزب الذي استقطب جينرالات ونخب شوفينية مهمتها إخراج الأشباح من الماضي وإحياء إيزابيلا الكاتوليكية التي أسقطت غرناطة!!

إن فوز الحزب الاشتراكي الإسباني يعتبر بمثابة فوز لاستمرار العلاقات التقليدية بين الرباط ومدريد، وهي علاقات مطبوعة بالمتانة والتعقيد في آن واحد، والملفات بيننا وبينهم هي ما بين الساخن والأسخن، من التنافس الفلاحي إلى الاحتلال الموضوع في ثلاجة التاريخ إلى الهجرة إلى الأمن جريمة منظمة وإرهابا ومخدرات إلى الصيد البحري، فالتنافس مع فرنسا ثم قضية الصحراء.

إن المشكل في إسبانيا هو أن الرأي العام عموما هناك متعاطف مع الانفصال في الصحراء المغربية ولكنه معاد لأي مطالب استقلال لمدينتينا المحتلتين والجزر الجعفرية، وبالنظر للمسؤولية التاريخية لإسبانيا في الصحراء، وبالنظر لروابطها الثقافية مع سكان شمال المملكة وجنوبها، ورغم أن إسبانيا ليست عضوا دائما في مجلس الأمن، فإن تأثير مدريد في هذا الملف الوطني الأول بالنسبة للمملكة الشريفة يبقى عنصر شد وجذب، وعموما الحكومات في بلد ديموقراطي كإسبانيا تذهب وتجيء، ولكن نبض الشعب هناك يبقى حاجزا غير مرئي ولكنه حاضر، ويمكن في أي حين أن يستغل من طرف اليمين المتطرف ليصبح جدارا إسمنتيا يوجع بلادنا في مفاصلها الأكثر حساسية.

ورغم كل هذه الصورة الناطقة هنا، فيمكن أن نقول إن الواجهة الشمالية للمملكة هي الأهون، فأما الشرق فيمكن بلا تردد أن نسميه بجدار العداء.

إنها واحدة من أقدم الحدود البريّة المغلقة بين بلدين جارين، وهي ليست حدودا برية بأسلاك وخنادق وجمارك فقط، ولكنها حدود بحمولة تنافر تاريخي وسياسي ثقيل، ويكفي أن الجزائر تأوي في جنوبها جمهورية صحراوية غير معترف بها من طرف الأمم المتحدة وتسلحها وهي تنازع المملكة في ثلث ترابها الوطني، وحتى عندما حاول المغرب أن يضع (العداء في الصحراء) بين قوسين ليفسح المجال لتعاون اقتصادي يعود بالخير على شعوب المغرب الكبير كافة، فإن القيادة الجزائرية اعتبرت ذلك محاولة لحلب الجزائر، لأن الذي سيستفيد في نظرهم هو المغرب من السياح ومن تصريف منتوجاته، بل ظلت الأسطوانة المشروخة هي أن فتح الحدود يعني إغراق الجزائر بالمخدرات المغربية!!

اليوم يعيش الشعب الجزائري أول معركة انتزاع للديموقراطية منذ الاستقلال، وهو منشغل بمصير بلاده وبحقوقه وكرامته واقتلاع الفساد من جذور أرضه، ولا تشكل قضية كالصحراء أولوية بالنسبة له، وفي هذا الحراك الجزائري، تبقى كل الاحتمالات واردة، إلا أن الشيء الأفيد للجميع هو أن تنتصر الديموقراطية وحرية الاختيار في اتجاه العلاقات مع المغرب ستكون للشعب الجزائري، وعموما سيتطلب تكسير الجدار بيننا سنوات، وفي انتظار ذلك فإن البوابة الشرقية ستظل موصدة.

وأما الجنوب، فلبوابته حكاية ذات شجون، فالمغرب اعتبر إلى حدود فجر الاستقلال أن موريطانيا امتداد للتراب الوطني، ولم يعترف باستقلالها الذي أعلنه المختار ولد داداه سنة 1960 إلا سنة 1969. وعندما عزم المغرب على استرجاع أقاليمه الجنوبية، ارتضى في اتفاقية مدريد اقتسام الصحراء مع الجار الجنوبي، بحيث حازت موريطانيا وادي الذهب من سنة 1975 إلى سنة 1979، وبعدها خرجت ليستكمل المغرب بسط نفوذه على الصحراء مع ترك بعض المناطق لموريطانيا لأسباب قدرها الحسن الثاني، ومنها مدينة لكويرة زيادة على منطقة الكركرات التي لها نفس حكاية الأراضي العازلة، وتسميها جبهة البوليساريو بالمناطق المحررة.

ولم يسبق للمغرب أن كانت له علاقات مستقرة مع جاره الجنوبي، إنها دورات من التوترات وسود الفهم والإحساس لدى الموريطانيين بنوع من الارتياب السياسي الدائم من الشمال، إضافة إلى الضغوطات الرهيبة للبوليساريو والجزائر، ويذكر أن الوالي، مؤسس الجبهة، قضى بنواكشوط وهو يهاجم القصر الرئاسي في منتصف السبعينيات.

ومن هنا يمكن أن نفهم حتى خارج ملف الصحراء كيف أن موريطانيا ارتمت في أحضان الحلف السعودي الإماراتي وقطعت علاقاتها مع قطر يوما واحدا بعد إعلان الحصار عليها، ومنخرطة في شراكة استراتيجية مع أبو ظبي لا ينظر لها في الرباط بعين الرضى.

وأما الجهة الأخيرة فإنها الغرب الذي حد فيه الماء عقبة بن نافع وهو يتوق لفتوحات أخرى لا تتم في المحيط الأطلسي.

إننا في الخلاصة مملكة محاصرة، عندنا جيران وليس فيهم أصدقاء، وفي كل ضلع من الحدود هناك قنابل موقوتة كلها تحتوي على منازعات ترابية وتوجسات تاريخية وتحديات جارية، وهذا لا يترك لنا أي خيار آخر غير تقوية الجبهة الداخلية وإصلاح الأوضاع، وإنجاح انتقال ديموقراطي جريء وحاسم. هذا هو سلاح المغرب الوحيد للمقاومة والاستمرار في ظل الاستقرار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المغرب المحاصر المغرب المحاصر



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 22:46 2016 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

وزارة الشباب والرياضة المغربية تلغي قرار ترقية السكتيوي

GMT 02:01 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

" ألوان الصيف" معرض تشكيلي بفنون الأحساء

GMT 05:16 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

5 سيارات أسعارها تتجاوز الطائرات

GMT 04:38 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

الرئيس الأميركي يطالب بتعزيز الأمن الحدودي في قانون الهجرة

GMT 05:16 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

الصين تستعمل الهواتف الذكية لمعرفة هوية الأشخاص

GMT 12:09 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

تعيين مصطفى كشاف حكمًا لمباراة طنجة والدفاع الجديدي

GMT 21:40 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

تأهل براعم حسنية أغادير للدور الثالث من كأس عصبة سوس

GMT 21:20 2014 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

طارق الخالدي يستعد لتصوير مسلسله الجديد "وصال"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya