الشـوط الثانـي

الشـوط الثانـي

المغرب اليوم -

الشـوط الثانـي

بقلم : نور الدين مفتاح

إن الذين ردّدوا بأن ما جرى مع حكومة سعد الدين العثماني هو شوط فقط من المباراة هم على صواب، ليس بالنسبة لتنظيماتهم فقط، ومنها على الخصوص العدالة والتنمية، ولكن بالنسبة للبلاد عموماً. فهذا الكائن الذي خرج حكومة بعد ستة أشهر من المخاض لابد أن يطرح على جميع مكوناته أسئلة المستقبل الحارقة، لأن الرعاية السياسية مهما ضمنت اليوم من تقدم للمتأخرين، ومن تحالف للمتنافرين، فإنها ليست دائمة ولا ضامنة لنجاعتها باستمرار، وبالتالي فالدرس الذي يجب أن يقرأه جيدا الفاعلون السياسيون هو أن التحسن ممكن، وأن الزمن السياسي مليء بالفرص ليحول بعض الانتصارات المصطنعة في الحاضر إلى انتصارات مستحقة في المستقبل، والوصفة بسيطة، أي أنها ليست معقدة إلا على الذين لا يملكون الإرادة أو قرارهم ليس بيدهم.

إن الأحزاب الإدارية التي خلقت في مختبر السلطة كان الزمن السياسي قد طهّرها نسبيا، وشاركت مع الأحزاب الوطنية مع انطلاق التناوب سنة 1998 ولكن عادت لتتذبذب، وللإنصاف نقول إنه ضمنها كان هناك سياسيون حاولوا الانتصار للاستقلالية، وفكروا أن خطيئة الولادة لا يمكن أن تكون لعنة مدى الحياة، وأن البلاد بحاجة إلى تيار ليبرالي اجتماعي قويّ، ولكنهم حوربوا، وأغلبهم انزوى. وحتى وإن كانت نوايا العهدالجديد حسنة، فإن الطريقة التي تم انتهاجها لمحاربة التيار الأصولي منذ تفجيرات 2003 أعادت خلط الأوراق، وأرجعت المطلب الديموقراطي إلى لائحة الانتظار، وحتى بعض الديموقراطيين آثروا محاربة الإسلام السياسي بالاستبداد على المخاطرة بالديموقراطية، التي يمكن في مجتمع محافظ في نظرهم أن تغرق البلاد في الظلامية.

وسارت الأمور في اتجاه مرسوم منذ عقود، وهو إضعاف الأحزاب القوية، والحفاظ على ضعف الهش من التنظيمات، وبدأت حركة عرفت بصبغ بعض الشخصيات التكنوقراطية بألوان أحزاب بعينها حتى يتم استوزارها، ووصلنا في مرحلة معلومة إلى خلق حزب جديد جمع في سلته ثلة من الأحزاب الهامشية، ومنها الحزب الوطني الديموقراطي وخليط من اليساريين والأعيان وبعض الانتهازيين، وكل هذا كان يصب في مجرى العدالة والتنمية إلى أن حصل ما حصل في 20 فبراير وما بعدها.

إن العدالة والتنمية ليس تجمعا للملائكة، فهو حزب كباقي الأحزاب، ويتميز على بعضها باستعمال الدين في السياسة، وهذا معيب، ولكنه لا يكتفي بهذا، بل إنه ظل يعمل في الميدان الفارغ من منافسيه، ويعبئ، وفي هذا ساعده الجميع، وخصوصا خصومه، عن طريق تحويله في كل محطة إلى ضحية، حتى أصبح جزء من الرأي العام يصوت عليه عقابا لخصومه ولأسلوبهم وللصورة التي يعطونها عن السياسة، وسرنا هكذا حتى تضخم السيد عبد الإله ابن كيران، وأصبح تنظيمه مخيفاً للدولة بعدما كان قبل سنوات مخيفا للمجتمع أو لنخبه على وجه الدقّة.

لن تنجح أساليب صباغة حصاد بلون السنبلة، ولا استبدال الأحرار للأصالة والمعاصرة ولا ربط الاتحاد الاشتراكي بتحالف اليمين، ولا ما استفاض فيه الناس من الواضحات المفضحات. الذي يمكن أن ينجح هو أن تشمر الأحزاب التي تريد أن تكون بديلا للإسلاميين على سواعدها، وأن تنزل إلى الميدان بمشروع جديد واعد، وأن تقترب من الناس، وأن تجد خطابا جذّاباً يبدأ بالصراحة، وأن تحدد لنفسها هوية واضحة، وأن تستقطب أطرا جديدة من المجتمع، وأن تجد التمايز بينها قبل أن تجتمع في إطار هذا التكتل الذي يذكر بزمن الستينيات، وأن تبحث عن الوصفة السحرية لكل نجاح، وهي المصداقية. إن المصداقية يمكن أن تكون مكتسبة ولكنها ليست مجرد إعلان، بل هي قول وفعل واختبار في الميدان ومن خلال الوجوه والأعمال.

هو رهان صعب ولكنه ليس مستحيلا، صعب لأن ما جرى في هذه التوليفة الحكومية ساعد على المزيد من تكريس الصورة السلبية للأحزاب التي تحالفت من قبل مع العدالة والتنمية، وصعب لأن تغيير صورة عن تنظيم سياسي مترسخة في المخيال الشعبي ليس فقط قرارا يتخذ في مكتب سياسي ويصرف في تنظيم جهوي، وصعب لأنه داخل هذه الأحزاب نفسها هناك مقاومات لهكذا توجه، ما دام هذا الاختيار سيعني نهاية لوجوه لا يمكن أبداً أن تستمر إذا أراد هذا الحزب أو ذاك أن يبدأ حياة جديدة، وصعب لأن جزءا من الدولة لا تروقه استقلالية المشهد الحزبي، ولهذا فإن الخيار الوحيد لهزم العدالة والتنمية غدا هو ركوب هذا الصعب وتبني الدمقرطة الداخلية للأحزاب المنافسة، والقطع مع الصباغة السياسية ومع الارتهان للتعليمات.

يحق للمغاربة أن يكون عندهم قطب وطني يساري وآخر يميني محافظ وثالث في الوسط، ويحق لهم أن يختاروا ضمن تنظيمات ومشاريع وشخصيات مستقلة القرار وذات مصداقية، أما إذا كان قدرنا أن نستمر هكذا في لعبة مكشوفة، فإنه لا أحد يضمن ما سيخرج من القمقم، فليس في كل مرّة تسلم الجرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشـوط الثانـي الشـوط الثانـي



GMT 13:17 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ثلث المغاربة لا يفتخرون بمغربيتهم..لماذا؟

GMT 05:26 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تأملات على هامش ستينية الاتحاد الاشتراكي

GMT 03:32 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تأملات على هامش ستينية الاتحاد الاشتراكي

GMT 00:36 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

في هجاء الريسوني

GMT 04:55 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

قراءة في طلاق ملكي

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:30 2021 الأحد ,03 كانون الثاني / يناير

الوفاق تُعطل قرار فرض رسوم على مبيعات الدولار "مؤقتًا"

GMT 06:29 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

اليك طريقة عمل افضل كريم مقشر للجسم

GMT 12:58 2018 الخميس ,27 أيلول / سبتمبر

جريمة قتل بشعة تثير ضجة في مدينة ورزازات

GMT 06:19 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

منافسة مهمة بين 16 جوادًا على كأس أحمد بن راشد

GMT 21:01 2014 السبت ,16 آب / أغسطس

الطباهج الليبي

GMT 14:00 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ليال عبود في طرابلس للمشاركة في معرض "الأعراس"

GMT 05:22 2017 السبت ,20 أيار / مايو

رسائل من "التنف"

GMT 04:06 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

"ترنتي ميرور" تأمل في شراء مجموعة صحف جديدة في انجلترا

GMT 23:38 2016 الخميس ,22 أيلول / سبتمبر

5 أسباب صحية للنوم عارية

GMT 07:22 2016 الخميس ,11 آب / أغسطس

سلاح الجو الأميركي ينقصه 700 طيار حربي

GMT 19:28 2016 الثلاثاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

برج التنين.. قوي وحازم يجيد تأسيس المشاريع

GMT 06:53 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هيرفي رونار "الثعلب" الذي أعاد للأسود شراستها

GMT 22:46 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

ثلاث شرطيات مغربيات يتعرضن للتحرش الجنسي

GMT 00:31 2017 الأربعاء ,13 أيلول / سبتمبر

تعرف على أسعار ومميزات هاتف "آيفون X " من آبل

GMT 03:25 2017 الثلاثاء ,28 شباط / فبراير

النجمة ريهام حجاج حبيبة عمرو سعد في "وضع أمني"

GMT 02:13 2017 الثلاثاء ,26 أيلول / سبتمبر

غطاء "أيفون 8" الزجاجي صعب الإصلاح حال تحطّمه

GMT 03:28 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عرض لوحات مرعبة للفنّان إنسور في معرض الأكاديمية الملكية

GMT 03:18 2016 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

أسماء الخمليشي تنشر صورة تعبر فيها عن رياضتها المفضلة

GMT 09:28 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن وبكين توقعان عقودًا تجارية بقيمة 253.4 مليار دولار
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya