الملك يعلن فشل المخطط الأخضر

الملك يعلن فشل المخطط الأخضر

المغرب اليوم -

الملك يعلن فشل المخطط الأخضر

بقلم - نور الدين مفتاح

محزن جدّا ما يقع في مغرب اليوم! لقد كنا مرّة أخرى أمام إعلان رسمي عن الفشل في القفص الصدري للتنمية ببلادنا، وهو المجال الفلاحي، وبدون مواربة، فعندما تحدث الملك محمد السادس في خطابه أمام البرلمان عن معالجة اختلالات العالم القروي، فإن ذلك يعتبر تنقيطا من رئيس الدولة للسياسة الفلاحية لمدة عشر سنوات وحكما على مخطط المغرب الأخضر بالفشل.

ولنا أن نتساءل اليوم عن جدوى هذا المخطط الأخضر إذا كان الملك يقول إن القطاع الفلاحي يمكن أن يشكل خزّانا أكثر دينامية للتشغيل ولتحسين ظروف العيش والاستقرار بالعالم القروي؟ وما قيمة هذا المخطط الذي انبثق عن دراسة أجنبية تحت الطلب إذا كنا اليوم بعد عشر سنوات من إطلاقه نسمع الملك يدعو لانبثاق وتقوية طبقة وسطى فلاحية وجعلها عامل توازن ورافعة للتنمية الاقتصادية؟ ولماذا سنضطر إلى بلورة آليات مبتكرة لمواصلة تحفيز الفلاحين على المزيد من الانخراط في تجمعات وتعاونيات فلاحية منتجة ومتابعة التكوين في المجال الفلاحي، كما دعا الملك الحكومة إلى ذلك، لو كان مغربنا الأخضر قد أفلح وأثمر؟ ونفس الشيء يمكن أن يقال عن إشكاليات العقار والأراضي والتجزيء والهجرة وغيرها من هموم عالم خضع للتجريب ويبدو أنه مازال بحاجة إلى طبيب.

إن التعامل مع مخطط المغرب الأخضر كان تعاملا استثنائيا من حيث إنه لم يكن مشروعا كباقي المشاريع تناقش وتعدل وتتجاوز، ولكنه أصبح في قلب معادلة سياسية بالنظر إلى الرجل الذي حمله وإلى وزنه، ولذلك سنجد أن السيد عبد العزيز أخنوش ظل دائما وزيراً فوق العادة قبل حتى أن يصبح رئيسا للتجمع الوطني للأحرار ومرشحا للفوز بانتخابات 2021، وهذا أعطى للمخطط الأخضر نوعا من الحصانة إن لم نقل القدسية، بل إن الإعلان عن نتائجه كان يتم دائما في إطار استعراضي ضخم بمناسبة معرض الفلاحة بمكناس، حيث لا يتحدث عنه إلا صاحبه بأرقامه هو التي تنقل دون زيادة أو نقصان ما دام ليس هناك من يناقشها، لا في الحكومة التي كانت تشيد بوزيرها في تشكيلتها السابقة، ولا في الفضاء العام، لشح المعطيات وللهالة التي أعطيت للمشروع ولصاحبه.

والغريب أننا إذا رجعنا بالذاكرة إلى الوراء عشر سنوات، سنعثر على واقعة مثيرة، خرج فيها الرجل القوي في المملكة فؤاد عالي الهمة خرجة سياسية مزلزلة، وهو في حملة انتخابية باسم الأصالة والمعاصرة بابن احمد في ماي 2009، عندما اعتبر المخطط الأخضر: "مشروعا سيتسبب في أضرار بليغة للقطاع الفلاحي"، ليضيف وهو يتحدث عن عزيز أخنوش دون أن يسميه: "بعض الأشخاص كيجيبو وصفات جاهزة دون أن يعلموا ما يجري في الواقع.. وهناك مسؤولون يعتمدون على أجانب ما عارفين والو على المغرب"! وللأسف حينها لم ينتبه الجميع إلا لوزن وصفة صاحب الخطاب ولوزن وصفة الموجه إليه هذا الخطاب، وعاد فؤاد عالي الهمة إلى الديوان الملكي وانتهى الكلام الثقيل، الذي لم يكن مجانبا للصواب عندما اعتبر أن الأصل في هذا المشروع التنموي الفلاحي كان مبنيا على خطأ، أي على وصفات جاهزة وعلى الأجانب وعلى جهل بالواقع، وها هي النتيجة اليوم واضحة للعيان.

لقد بني مخطط المغرب الأخضر على فرضيات وأهداف جميلة، إلا أنها من مكر الصدف هي التي دعا الخطاب الملكي الأخير إلى النهوض بها! اهتم المخطط بأباطرة الفلاحة، ويقول الخبراء إن 80٪ من الميزانيات الهائلة المرصودة للمشروع ماديا ولوجستيكيا ذهبت مباشرة للفلاحين الكبار، وإن هذا المخطط اهتم بتوسيع الزراعات التصديرية وخصوصا الحوامض، وأغفل الزراعات التي تشكل العمود الفقري للأمن الغذائي. والغريب، حسب الخبراء دائما، هو أن توسيع الزراعات التصديرية لم يؤد إلا إلى تقلص نسبة الصادرات الفلاحية، في حين ارتفعت نسبة واردات الحبوب في السنوات الجافة وشبه الجافة.

وبما أن السواد الأعظم من الفلاحين المغاربة بقوا على هامش المخطط الأخضر لا يعرفون منه إلا اسمه وصورة صاحبه، فإن هذا زاد من الفوارق في العالم القروي، وقضى على إمكانية الترقي الاجتماعي، وأصبحنا أمام فجوة كبرى تعمقت فيها الفوارق بين أغنياء المخطط وفقرائه، ومن هنا جاءت فكرة غياب طبقة وسطى فلاحية، لأن المشروع الأخضر لم ينجح في انبثاقها.

والأخطر من هذا كله هو أن أهداف المشروع المعلنة كانت هي خلق مليون ونصف المليون منصب شغل في العالم القروي، إلا أن أرقام مندوبية التخطيط تؤكد أن هذا العالم الذي يعيش على الفلاحة لم يفشل في الوصول إلى أهدافه المعلنة فقط، بل تم تسجيل فقدان أكثر من 120 ألف منصب شغل في عشر سنوات!

إن كل هذا وغيره يجعل إقرار الملك شخصيا بعدم نجاعة المخطط الأخضر مفهوما، إلا أن الإصلاحات البديلة المعلنة للفلاحة والعالم القروي تتم الآن دون أي تقييم رسمي وموضوعي لهذا المخطط حتى نبحث في نقاط قوته ومكامن الخلل فيه، بل إن السيد عزيز أخنوش اليوم الذي يقود القطاع الضخم للفلاحة وبجانبه الصندوق الهائل لتنمية العالم القروي بميزانية تصل إلى 5500 مليار سنتيم، هو الذي سيتكفل بإحياء الطبقة الوسطى الفلاحية التي لم تتمكن من رؤية النور خلال 10 سنوات من حياة مخططه الأخضر!!

إننا إزاء ورش استراتيجي حيوي يهم تقريبا نصف الساكنة في المغرب بالعالم القروي ويهم المغاربة جميعا، ولكن عند نقطة الحساب المفصلية هذه نعيد نفس الأسلوب ونفس التردد ونفس الإبهام، والنتيجة هي أننا لم نعد نعرف هل المغرب بلد فلاحي أم صناعي أم سياحي إذا كان كل قطاع كالأقرع - كما يقول المثل الشعبي- أينما ضربته يسيل دمه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الملك يعلن فشل المخطط الأخضر الملك يعلن فشل المخطط الأخضر



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 09:38 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 12:08 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

كيف نحمي أطفالنا من أخطار الانترنت ؟

GMT 10:51 2020 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

المحكمة تسقط التهمة عن سمية الخشاب

GMT 19:22 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تحديث واتساب الجديد يدعم ثلاث ميزات جديدة

GMT 20:55 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

أجمل إطلالات ربيعية للمحجبات لربيع وصيف 2018

GMT 03:15 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الضياعُ في عينيّ رجل الجبل *

GMT 10:42 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

طهران تنفي نية الرئيس حسن روحاني الاستقالة

GMT 13:08 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

وفاة الكاتب محمد حسن خليفة في معرض الكتاب

GMT 20:27 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ماسك العسل والجزر لبشرة خالية من العيوب

GMT 02:54 2019 الأحد ,21 تموز / يوليو

طريقة تحضير الدجاج على الطريقة الايطالية

GMT 22:16 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

لعبة ROME: Total War – Barbarian Invasion متاحة على أندرويد

GMT 00:45 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

أجمل وأفضل 10 أماكن سياحية عند السفر إلى السويد

GMT 01:55 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

ميرنا وليد تُؤكّد على أنّ "قيد عائلي" مكتوبٌ بحرفية عالية

GMT 10:55 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود خياركِ الأول لأجمل عبايات مخمل شتاء 2019
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya