رقــابـة شــعـبيــة

رقــابـة شــعـبيــة

المغرب اليوم -

رقــابـة شــعـبيــة

حسن طارق

في التعريف، فإن الشعبوية تنهض على معاداة وجودية للنخبة السيّاسية. وفي الحديث عن السلطوية كنمط للحكم، فالأمر يتعلق بنظام سياسي يحتفظ بالمؤسسات، لكن بدون سلطة، ويُبقي على الأحزاب كمجرد واجهات شكلية، وينظم انتخابات، لكن بدون رهانات، ويعتمد على قنوات التنخيب المبنية على الولاء والزبونية، مع وجود نخبة سياسية ملقاة في الهامشية والهشاشة ومنذورة للتتفيه المستمر.
لذلك من الناحية النظرية، فإن إطلاق النار بشراسة على النخبة السياسية، كرياضة وطنية، يبدو نقطة مشتركة بين أجندتي السلطوية والشعبوية.
بالنسبة إلى السلطوية، فإن التتفيه المُمنهج للسياسيين، يقدم خدمة مهمة لمشروعها القائم من جهة على احتقار الحزبية المستقلة، والشرعية الانتخابية والتمثيل الديمقراطي، ومن جهة أخرى على تمجيد التفوق التقنقراطي وإعلاء «شرعية» القرب من مراكز السلطة.
لأجل ذلك تجتهد كثيرا في خلق أعداء متوهمين للسياسيين، مرة عبر تأجيج التوتر بين المجتمع المدني وبين الأحزاب، ومرة بين الصحافة المستقلة والنخبة السياسية، أو بين الحركات الاجتماعية وبين المؤسسات المنتخبة، ومرة بين ديمقراطية الرأي وديمقراطية التمثيل.
لا أريد أن يُفهم أنني أتحدث هنا على منطق المؤامرة، لكن مؤشرات التقاطع بين الأجندتين واضحة. لنلاحظ أن قائمة «الغضب» الدوري تنطلق من انتقائية واضحة ولها سقف محدد، ما يجعلها تنسحب على المنتخبين أكثر من التقنقراط، ولا تصل إلى المستويات العليا للفساد المالي المسنود بشبكات السلطة، ولا إلى المسؤوليات الترابية والاستراتيجية، وحتى داخل المسؤولين الحكوميين تكاد تنحصر في دائرة الوزراء الحزبيين دون غيرهم.
إن وجود سياسيين فاسدين – وهذا أمر واقع – ليس مُبررا كافيا للكفر بالديمقراطية. وطبعا، فإن مواجهة الاختلالات الكبيرة للمسؤولين المنتخبين – وهو أمر لا يمكن إنكاره – لا تمر بالضرورة عبر الطعن في مبدأ التمثيل الديمقراطي، كما أن هشاشة التجربة الحزبية وضعف استقلالية العديد من تعبيراتها، لا يعد سببا مُقنعا للطعن في العمل الحزبي.
في لحظة تأسيسية برهانات انتقالية، يحتاج التحول الديمقراطي إلى نخبة سياسية محصنة بيقظة مجتمعية. لذلك، فالرقابة الشعبية على الشأن العام وضمنه المنتخبين والأحزاب السياسية، شرط ضروري للديمقراطية.
على أن لا تتحول اليقظة المجتمعية إلى استهداف مبالغٍ فيه للسياسيين دون سواهم من المسؤولين العموميين، وأن لا يتحول النقد السياسي إلى نقضٍ للسياسة، وأن لا يتحول النقد الحاد للمسؤولين الحزبيين إلى نقد جذري للحزبية، وأن لا تتحول الرقابة الشعبية للشأن العام إلى جلد للسياسيين يركز على أشخاصهم وحياتهم الخاصة.
ننتقل من الرقابة الشعبية واليقظة المجتمعية إلى الشعبوية، عندما نسقط في فخ التعميم والسهولة. حينها ما نفعله هو أننا – بحسن نية – نقدم هدية ثمينة لأعداء الديمقراطية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رقــابـة شــعـبيــة رقــابـة شــعـبيــة



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 17:57 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي التحدي يبرم عدة صفقات استعدادًا للدوري الليبي

GMT 21:00 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

ترامب ينشر خريطة دولة فلسطين وفقا لـ"صفقة القرن"

GMT 11:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

أسعار النفط ترتفع بسبب توقف خط أنابيب في بحر الشمال

GMT 02:55 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مجتمع اليخوت الفاخرة مقصد أصحاب لثروات في موناكو

GMT 23:36 2017 السبت ,30 أيلول / سبتمبر

أجزاؤها أشيائي

GMT 15:10 2015 الإثنين ,02 شباط / فبراير

سلطة العدس

GMT 17:34 2012 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

صوفيا فيرغارا في تصميم لزهير مراد

GMT 04:22 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

ضريح القديس يهوذا وحصنه الشاهق يزيّنان جانسي الهندية
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya