أعيان أو مناضلون

أعيان أو مناضلون

المغرب اليوم -

أعيان أو مناضلون

بقلم - حسن طارق

في البداية كان الأعيان عنوانا لحزبية خاصة، هي ما تواترت البلاغة السائدة خلال عقود على توصيفه بكثير من القدحية: أحزاب الإدارة.

لم تكن في الواقع هذه الأخيرة في أجيالها الأولى، سوى شبكات للأعيان المحليين. إذ كان لهؤلاء الأعيان داخل المجال القروي، وضع خاص – سابق عن زمن الالتزام الانتخابي – في التراتبية الاجتماعية، كأصحاب رأسمال اجتماعي وعائلي واقتصادي، وكقنوات للتعبئة والوساطة بين الإدارة وبين الناس داخل مجال نفوذهم القبلي والعائلي .

قرار الترشح كان يأتي في الغالب بتوصية غير معلنة لرجال السلطة، تأخذ بعين الاعتبار، ولاءه المطلق للإدارة، وابتعاده الواضح عن أي تعاطف مع أحزاب الحركة الوطنية، وقدرته على تجنيد وحشد قطاعات من الناخبين، وعلى تحويل خطاطة الوجاهة الاجتماعية (الأصل العائلي/خيمة الطعام/ تملك وظيفة تحكيمية داخل محيطه القريب)، إلى نفوذ انتخابي.

الرهان على الأعيان المحليين، كان امتدادا لاعتبار العالم القروي خزانا انتخابيا للدولة، حيث ضعف التنافسية وقلة التسييس ويسر التحكم في مخرجات العملية الانتخابية، كلها عوامل جعلت من الدولة تستطيع تطويق النفوذ الانتخابي للأحزاب غير الإدارية داخل المجال الحضري، وتأمين ثوابت السياسة الانتخابية الرامية إلى ضمان أغلبية موالية.

بين القيادات السياسية والأعيان المحليين، كان تقسيم العمل في البداية واضحا وجذريا: الأعيان البرلمانيون يمارسون وظيفة أقرب إلى الوساطة منها إلى التمثيل، ولا يتعدى طموحهم البعد الإقليمي.

حتى الانتماء السياسي لم يكن في النهاية سوى شبه ضرورة قانونية، لذلك فالعلاقة مع العنوان الحزبي كانت دائما هشة، حيث كان الترحال ممارسة طبيعية لدى النموذج المتوسط لواحد من الأعيان المحليين.

كان الأعيان وسيلة الإدارة للحد من السياسة داخل الحقل الانتخابي وفي المؤسسات .

انطلاقا من التسعينيات من القرن الماضي، ستعرف هذه الظاهرة العديد من التحولات:

– الأحزاب الوطنية والديمقراطية ستنطلق في إطار سياسة براغماتية، تعتمد مقاربة “المقاعد تهمنا”، على انفتاح تدريجي ومراقب على الأعيان، سيتحول إلى أن تصبح كل استراتيجيتها الانتخابية رهينة لهذه “الكائنات”، كما ستسميها قواعد هذه الأحزاب قبل مرحلة التكيف!

–  معطيات السوسيولوجيا، ستجعلنا داخل المدن مع نوعية جديدة من “أعيان الانتخابات” المختلفة تماما، عن مواصفات الأعيان القرويين، من حيث غياب الرأسمال الاجتماعي، والاعتماد المطلق على القدرة على صناعة شبكات للتأثير بواسطة وسائل فاسدة في الغالب، ومعتمدة، أساسا، على منتخبين محليين ودعم الإدارة عبر برامج التنمية البشرية، لمحاصرة المد الإسلامي.

– تقسيم العمل الأول، سيصبح قابلا للمساومة والتفاوض، والطموح الانتخابي للأعيان، سيتحول إلى طموح تنظيمي وسياسي، وسيصبح البرلماني الفاسد، ذو الماضي الطويل في الترحال، وصاحب العلاقة الوطيدة مع السلطة، قائدا سياسيا داخل أحزاب بماض محترم!

هذا الاختراق التنظيمي والسياسي كانت له كلفته طبعا، على مستوى رهن القرار السياسي المستقل، حيث أصبح حضور الأعيان محددا ومهيكلا للحياة الحزبية، إذ لم يعد من تصنيف ممكن وواقعي للحزبية المغربية – كما تلاحظ مونية بناني الشرايبي- سوى أحزاب المناضلين في مواجهة أحزاب الأعيان !

في الحقيقة تحرير السياسة المغربية لا يعني شيئا آخر سوى تحرير الأحزاب من قبضة الأعيان.

لكن في الواقع التحكم في السياسة، يعني العكس.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أعيان أو مناضلون أعيان أو مناضلون



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:33 2019 السبت ,22 حزيران / يونيو

النعناع البلدي يساعد في القضاء على الصداع

GMT 08:51 2018 السبت ,19 أيار / مايو

أطعمة تخلصك من الهالات السوداء

GMT 08:15 2018 الخميس ,08 شباط / فبراير

أبرز العطور الخاصة الموجودة بموسم شتاء 2018

GMT 05:36 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

أبعدوا حزب المرقة

GMT 00:51 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

تونس تلاقي أنغولا في نصف نهاية كأس إفريقيا لكرة اليد

GMT 04:25 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

مخاوف من عصر جليدي صغير وسيء خلال 30 عامًا

GMT 21:10 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

سلسلة مطاعم "أوباك" المظلمة تجربة تعزّز حواسك كلّها

GMT 10:29 2015 الأربعاء ,06 أيار / مايو

الضّعف الجنسي عند الرّجل سببه المرأة

GMT 04:07 2017 الأحد ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

مدينة غزة تصارع الأزمات المتعاقبة وتتمسّك بالأمل للبقاء

GMT 19:47 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

المغني المغربي مسلم يستعد لطرح "العين الحمرا" قريبًا
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya