مقـاولة

مقـاولة!

المغرب اليوم -

مقـاولة

رشيد مشقاقة

نظر إليها وقال:
ـ ناوليني كوب ماء
نادت على الخادمة:
ـ احضري له ما يريد!
لاحظ أنها لم تنظر إليه، واستعملت هاء الغائب، ولم تناوله بيدها شربة ماء!!
منذ مدة تحولا معا إلى عامل آلي يؤدي ما عليه ببطارية مشحونة وأزرار منتظمة، وقد بدأ الضباب الكثيف ينقشع من حولهما رويدا رويدا. هما ارتكبا ـ زمنا ـ حادثة سير عمدية ذهب ضحيتها إنسانان بريئان، شده إليها استقرارها الوظيفي القادر على انتشاله من واقعِه المؤسف، وانبهرت هي بوسَامته وطوله الفارع وتلقائيته الكاذبة، وفي لحظة فارقة ترك حبيبة العمر تنتظر الذي لا ولن يأتي أبدا، وتركت هي من تحتفظ في دولابها بدموعه وآهات آلامه أوراقا صفراء ذابلة، وتزوجا على سنة الطمع واختصار المسافات!
لم يدريا أنهما اجْتَهَدا في ما فيه نصّ قرآني قطعي الثبوت والدلالة: «هن لباس لكم، وأنتم لباس لهن»، صدق الله العظيم، وفي ما فيه نص قانوني حكيم «الزواج ميثاق»، وفي ما فيه امتزاج الأرواح والأبدان ودموع المآقي وخلجات الفؤاد.
همّت به فهمَّ بها وَكَيَّفا الميثاق عَقد مقاولة أو شركة أشخاص تقوم على المال والعتاد، الربح والخسارة، الحيطة والحذر، الغرر والورقات الثلاث!!
ومافتئت أن تلبَّدت سماؤهما بالغيوم، فقد ثوَى القمر الصناعي ونجوم عاشوراء، وهوت قصور الرمال تباعا، وتحول الماء الزلال إلى سراب يَعْكِسُه الطريق السَّيار من بعيد!
تَسَابَّا، تشابكا بالأيدي، تَحَيّنَا فرص الزج ببعضهما البعض في ما لا تحمد عقباه، وأفْشيا أسرارا لا يجوز أن تُذاع، وجلس الأولاد على حافة سرير أم تبكي، وأب يكسِّر أثاث البيت ويفر بجلده خارج أسوار السجن!
كانوا أفئدة وألسنة صغيرة بريئة لا تفهم ما يدور حولها، فالرزق موفور والحياة جميلة فلماذا يختصم الأبوان؟
في أكثر من مشاحنة يصل إلى أسماعهم قولهما:
ـ ما كان ينبغي لنا أن نتزوج، أخطأنا معا!!
ويتحول العتاب إلى سباب جارح بكلام نَاب، ثم ينتهي بصمت قاتل يُكسِّره دَويّ البَابِ وقد صَفقَهُ أحدهما في وجه الآخر!!
مرّ أمامه هذا الشريط وهو يضع قرص الدواء في كوب الماء، تحامل على نفسه كي يزيحَ عنه الغطاء تأهبا للعمل، لكنَّه مَريض عَاجز خائر القوى. كانت تستعد بدورها للخروج، عملية روتينية مألوفة تتكرر باستمرار، لامس جدارا باردا كالصَّقِيع، كالفراش الذي لازمه. ثم سأل نفسه: «لو لم أَدُس بحذاء نرجسي على قلب بريء، هل كان سينتهي بي المصير إلى هذه الحال، لاشك أنها هي أيضا تشعر بذات الإحساس»! وجاءهما الجواب من داخلهما يقول:
«أنتما أبرمتما عقد مُقاولة يُنشد الربح والخسارة، وليس ضروريا أن ينتهي بينكما بالطلاق، فهو بالأساس لم يكن زواجا»!!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مقـاولة مقـاولة



GMT 05:03 2020 الخميس ,07 أيار / مايو

دفاعاً عن «العانس»

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,14 إبريل / نيسان

من الحب الى الزواج وبالعكس

GMT 17:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

أخبار عن أزواج وزوجات

GMT 11:21 2019 الإثنين ,12 آب / أغسطس

عيون وآذان - أخبار باسمة أمام القارئ

GMT 00:46 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

مجرد رأى تغريدات مفيد فوزى

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 17:57 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي التحدي يبرم عدة صفقات استعدادًا للدوري الليبي

GMT 21:00 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

ترامب ينشر خريطة دولة فلسطين وفقا لـ"صفقة القرن"

GMT 11:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

أسعار النفط ترتفع بسبب توقف خط أنابيب في بحر الشمال

GMT 02:55 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مجتمع اليخوت الفاخرة مقصد أصحاب لثروات في موناكو

GMT 23:36 2017 السبت ,30 أيلول / سبتمبر

أجزاؤها أشيائي

GMT 15:10 2015 الإثنين ,02 شباط / فبراير

سلطة العدس

GMT 17:34 2012 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

صوفيا فيرغارا في تصميم لزهير مراد

GMT 04:22 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

ضريح القديس يهوذا وحصنه الشاهق يزيّنان جانسي الهندية
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya