في حاجتنا إلى علم السلوك

في حاجتنا إلى علم السلوك

المغرب اليوم -

في حاجتنا إلى علم السلوك

يوسف بلال

الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف في العالم الإسلامي والاهتمام الذي تكنه الطرق الصوفية لهذه المناسبة يسلط الأضواء على جانب مهم من الحياة الروحية في الإسلام، الذي من دونه يصعب على المسلم أن يدرك أنبل معاني الرسالة المحمدية. المفارقة هي أن العديد من المسلمين لا يعطون لهذا الجانب من الإسلام الاهتمام الكافي في سياق تطورت فيه الحركة السلفية المعاصرة التي انتقدت بشدة الطرق الصوفية. وإذا ساهم غلو بعض المتصوفة في إبعاد كثير من المسلمين عن التصوف، فهذا لا يعني أن كل الممارسات الصوفية مكروهة. 
وفي الواقع، كل مسلم يسعى إلى تزكية نفسه والتقرب إلى الخالق لا يمكنه أن يستغني عن التصوف لأنه يسمح له بأن يتعرف على النفس وآفتها وكيفية تربيتها كما مهد لذلك العديد من علماء الأمة والزهاد  أمثال الحارث المحاسبي وأبي طالب الملكي وأبي قاسم القشيري والعديد من الأسماء الأخرى البارزة التي عرفت بتشبثها بالسنة النبوية. وأهم علماء الإسلام لم يعتبروا التصوف خارجا عن الدين أو متعارضا مع الأحكام الشرعية، بل وضحوا للمسلمين أنه هو السبيل لكل من يسعى إلى تهذيب الأخلاق ورياضة النفس لأنه يأتي مكملا لفقه الأحكام الظاهرة.
وعلى عكس ما كتبه العديد من المستشرقين حول تعارض  التصوف مع الشريعة، فإن المتصوفين الكبار مثل ابن عربي تبحروا في أسرار الحياة الروحية وهم راكبون سفينة الشريعة لأن هذه الأخيرة ما هي إلا الطريق التي تؤدي إلى منبع الماء. وإذا فهم البعض قصة موسى والخضر عليهما السلام، كما وردت في سورة الكهف، بأنها تشير إلى الشريعة في علاقتها بالحقيقة، فهذا لا يعني أن التصوف تطور على أساس التعارض بينهما وإنما رغبة في الجمع بينهما. وكما قال ابن عجيبة في شرحه للحكم العطائية: «لا تصوف إلا بفقه؛ إذ لا تعرف أحكام الله تعالى الظاهرة إلا منه، ولا فقه إلا بتصوف؛ إذ لا عمل إلا بصدق توجه، ولا هما إلا بإيمان؛ إذ لا يصح واحد منهما بدونه، فلزم الجمع لتلازمهما في الحكم كتلازم الأرواح للأجساد». 
ودون شك فإن أبا حامد الغزالي هو من أبرز علماء و مفكري الإسلام  الذين جمعوا بين فقه الأحكام الظاهرة وفقه القلوب، حيث انتقد الفقهاء بشدة لأنهم كانوا يهتمون فقط بالأحكام الظاهرة دون الاهتمام بشؤون الروح. وفي كتابه «إحياء علوم الدين» تطرق الغزالي إلى ما سماه «طريق علم الآخرة» الذي اعتبره جزءا لا يتجزأ من العلوم الشرعية يواكب فقه الأحكام الشرعية مثل الروح بالجسد والباطن بالظاهر. ويظل «إحياء علوم الدين» من أهم كتب التراث الإسلامي الذي لا يمكن أن يستغني عنه كل من يسعى إلى الجمع بين دينه ودنياه. وفي زمن اختلط فيه الحابل بالنابل ويدعي البعض بأنهم يتبعون تعاليم الإسلام وهم يسفكون الدماء في الأرض، ما أحوجنا إلى علم الأخلاق والسلوك تسمح لكل واحد منا بأن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب الغير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في حاجتنا إلى علم السلوك في حاجتنا إلى علم السلوك



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 09:38 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 12:08 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

كيف نحمي أطفالنا من أخطار الانترنت ؟

GMT 10:51 2020 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

المحكمة تسقط التهمة عن سمية الخشاب

GMT 19:22 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تحديث واتساب الجديد يدعم ثلاث ميزات جديدة

GMT 20:55 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

أجمل إطلالات ربيعية للمحجبات لربيع وصيف 2018

GMT 03:15 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الضياعُ في عينيّ رجل الجبل *

GMT 10:42 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

طهران تنفي نية الرئيس حسن روحاني الاستقالة

GMT 13:08 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

وفاة الكاتب محمد حسن خليفة في معرض الكتاب

GMT 20:27 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ماسك العسل والجزر لبشرة خالية من العيوب
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya