الانقلاب

الانقلاب

المغرب اليوم -

الانقلاب

بقلم - جمال بودومة

في مثل هذه الأيام، قبل قرن وعشر سنوات بالتمام والكمال، (من 27 دجنبر 1907 إلى 4 يناير 1908)، كانت البلاد تعيش على إيقاع انقلاب حاسم في أعلى هرم السلطة: مولاي عبدالحفيظ، استغل تراجع شعبية أخيه مولاي عبدالعزيز، كي ينصب نفسه سلطانا على الإيالة الشريفة. العقل المدبر للانقلاب كان اسمه محمد عبدالكبير الكتاني.

عبدالعزيز كان عمره 20 سنة، عندما تربع فعليا على عرش المملكة، بعد وفاة متعهده أحمد بنموسى، المشهور بباحماد عام 1900. بعد ثماني سنوات من الحكم كانت الحصيلة كارثية: خزينة المملكة فارغة، الديون الخارجية وصلت رقما قياسيا، الضرائب تثقل كاهل التجار والفلاحين، البسطاء يموتون من الجوع والظلم والقهر، على يد الأجانب والمحميين، أولئك المغاربة الانتهازيون الذين حصلوا على جنسية البلدان الاستعمارية كي يحموا مصالحهم على حساب استقلال البلاد، الفرنسيون احتلوا وجدة وأنزلوا قواتهم في الدار البيضاء، القصر يسيره الأجانب، والسلطان يقضي وقته في لعب التنس وركوب الدراجة وتعلم التصوير، و”يغرّقها بالديون” أكثر، كي يحصل على لعب تافهة…. شعبية ولد لالة رقية التركية أصبحت في الحضيض، وصار الناس يسمونه “ولد الكروني”، وهي تحريف لكلمة الكولونيل، في إشارة إلى تبعيته المطلقة للفرنسيين.

عبدالحفيظ كان نائبا لأخيه الأصغر على مراكش. وبخلاف عبدالعزيز، كان الرجل يحظى باحترام العلماء والمتنورين، باعتباره شخصا مثقفا، يؤلف الكتب وينظم الشعر ويشارك في النقاش العمومي. من قصره في المدينة الحمراء، كان يتابع تدهور شعبية أخيه، ويترقب اللحظة الحاسمة للانقضاض على العرش . في نهاية 1907، بدا له أن الفاكهة نضجت تماما وحان قِطافها. ولم يجد صعوبة في جمع علماء مراكش كي يبايعوه سلطانا مكان “ولد الكروني”.

لكن مراكش وحدها لن تجعل منك سلطانا. أزرار الحكم في المغرب القديم موجودة في فاس، بيد علماء القرويين وكتاب المخزن وتجار المدينة. جل هؤلاء كانوا تحت تأثير شخص آخر، مثير للجدل، اسمه محمد بن عبدالكبير الكتاني.

كان الكتاني يملك نفوذا كبيرا في فاس، بفضل قدراته الخطابية وسعة اطلاعه، وعلاقاته مع الشرق، وشبكة الموالين له في مختلف طبقات المجتمع، على رأسهم العلماء والتجار والحرفيون. كان “زعيم المعارضة” في الحكم العزيزي، بدون منازع، بفضل خطابه المعارض لخيارات السلطان. في الوقت الذي يستشير فيه عبدالعزيز مع “الكفار” ويستجيب لمطالبهم ويهادن جيشهم، يدعو الكتاني إلى “الجهاد” لإخراجهم من البلد والتنسيق مع العثمانيين المسلمين لإدخال إصلاحات في الاقتصاد والإدارة والجيش. دهاؤه السياسي جعله يحول الزاوية الكتانية إلى أداة للوصول إلى السلطة.  وعندما دقت ساعة الصفر، لم يجد صعوبة في إقناع العلماء بخلع البيعة عن السلطان الذي باع نفسه للكفار ويستعد لبيع البلاد أيضا.

فهم عبدالعزيز أن “اللعبة انتهت”، وذهب إلى الرباط حيث تحصن مع مربعه المخزني الصغير، رافضا الأمر الواقع.

أما عبدالحفيظ، فقد راسل علماء فاس طالبا بيعتهم، كي يكتمل التتويج.

لكن الكتاني ظل متحفظا على مبايعته، بعدما بات الحاكم الفعلي للعاصمة فاس.

في الرابع من يناير 1908، وبإيعاز من أنصار عبدالحفيظ، اجتمع من كانوا يصنعون الشمس والمطر في مغرب “بوحمارة”، ليضفوا شرعية على “الانقلاب”، في ضريح مولاي إدريس، جد الكتانيين.

لم يعترض أحد على خلع “ولد الكروني”، لكن تنصيب عبدالحفيظ لم يكن سهلا. عندما تلا ابن المواز صك بيعة السلطان الجديد،  أمام حشد الأعيان والعلماء، أخذ حفيد مولاي إدريس الكلمة وطلب تقييد البيعة بمجموعة من الشروط، تلك التي كانت سببا في خلع مولاي عبدالعزيز. هكذا تمكن الكتاني من تقييد بيعة عبدالحفيظ بستة عشر شرطا تمثل برنامجا ثوريا لإنقاذ البلاد من الاستعمار، وتحد من حرية السلطان في اتخاذ القرار، وهو ما اعتبره عبدالحفيظ “حِجرا عليه”.

في أول لقاء بين الكتاني وعبدالحفيظ ستتدهور العلاقة بينهما. في الوقت الذي بادر الكتاني إلى دعوة السلطان إلى التعجيل بإرسال الجيش إلى الدار البيضاء لمساعدة المقاومين الذين يحاربون الفرنسيين، طلب السلطان من الكتاني بلهجة حازمة أن يتوقف عن “الفهامات”، ويرسل الناس الذين تحت إمرته لقتال أنصار عبدالعزيز، دون أن ينسى لومه على الشروط التي قيد بها بيعته. وحين احتد النقاش بين الرجلين، رد عبدالحفيظ بلهجة حاسمة: “شكون فينا السلطان أنا ولا انت”؟

ليبدأ السقوط المدوي للعقل المدبر للانقلاب، الذي حاول الفرار إلى الأطلس، لكن عبدالحفيظ اعتقله مع أسرته بمساعدة الفرنسيين وجلده حتى الموت. هكذا ماتت “الحركة الوطنية” في نسختها الأولى، وباتت الطريق معبدة أمام جيوش ليوطي لاستعمار البلاد التي…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانقلاب الانقلاب



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 12:59 2020 السبت ,26 كانون الأول / ديسمبر

الكمامة القماش لا تحمي من عدوى "كورونا" تعرف على السبب

GMT 10:41 2015 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

صور لمقبرة "توت عنخ آمون" تعرض بالألوان للمرة الأولى

GMT 06:04 2016 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

شاب مريض نفسي ينتحر بطريقة مروعة في الدار البيضاء

GMT 01:44 2017 الإثنين ,23 كانون الثاني / يناير

دشني مراد قصة نجاح بعد بماضٍ أليم

GMT 23:52 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الإعلامية بوسي شلبي تؤكد تعاطفها مع الشيخ صالح عبد الله كامل

GMT 21:24 2014 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

محار ملزمي بالثوم

GMT 09:27 2019 السبت ,07 كانون الأول / ديسمبر

العاهل المغربي يلغي لقاء وزير الخارجية الأميركي

GMT 07:57 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

رحيل الفنان المصري محمد خيري بعد أزمة صحّية عن 77 عامًا

GMT 08:01 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

"بلاك آرمي" تدعو لإبعاد الانتهازيين عن الجيش الملكي

GMT 15:55 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

"الفيصلية الرياض" يحصد جائزة أفضل فندق فاخر لعام 2018

GMT 03:39 2018 السبت ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مواليد برج العقرب يمتلكون أسلوبًا تحليليًّا عميقًا

GMT 03:51 2018 الثلاثاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

خطيبة خاشقجي توضع تحت حماية الشرطة التركية

GMT 11:04 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

إنابل بطلًا لسباق "قوس النصر" بقيادة ديتوري
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya