من أمير كبير إلى رفسنجاني إيران واستعصاء الإصلاح

من أمير كبير إلى رفسنجاني... إيران واستعصاء الإصلاح

المغرب اليوم -

من أمير كبير إلى رفسنجاني إيران واستعصاء الإصلاح

بقلم : مصطفى فحص

أمام وفد ضم أعضاء من مجلس الشورى الإيراني زاره منذ أشهر٬ لم يتمكن الرئيس الإيراني الأسبق الراحل الشيخ أكبر هاشمي رفسنجاني من حبس دموعه٬ لدى قراءته نصا عن التاريخ السياسي لإيران في مرحلة الدولة القاجارية٬ زمن الملك ناصر الدين شاه٬ يتناول العلاقة بينه وبين رئيس وزرائه «أمير كبير»٬ الذي يطلقعليه في إيران لقب «أبو الإصلاحات». بصوت  أجش يملؤه الحزن قال الشيخ رفسنجاني معلقا: «أنا تخنقني العبرة عندما أرى هذه القضايا في تاريخنا»٬ والعبرة التي  رفسنجاني هنا ما تعرض له رئيس وزراء إيران الميرزا محمد تقي خان فرهاني الملقب بـ«أمير كبير» من دسائس أّدت إلى عزله ومن ثم إلى اغتياله على يد الشاه٬ وبقتله حينها خسرت إيران أبرز الشخصيات السياسية التي حاولت إصلاح التعليم والاقتصاد والجيش٬ كما تنظيم علاقة إيران بالخارج٬ فتوقيعه اتفاقية تجارة وملاحة مع واشنطن كان فاتحة الوجود الأميركي في مياه الخليج٬ في مرحلة كان الصراع البريطاني الروسي على إيران في أشده والتهديد العثماني في ذروته.

ولعل دموع الراحل الشيخ رفسنجاني حينها كانت التعبير العفوي عن الربط بين محاولات «أمير كبير» إقناع ناصر الدين شاه القيام بإصلاحات تدريجية٬ ما أدى إلى انزعاج كبير وسط النبلاء وأمراء الجيش والحاشية٬ وبين محاولاته هو لإقناع المرشد الإيراني السيد علي خامنئي بالقبول ببعض المطالب الإصلاحية٬ التي ستساعد النظام على تجاوز كثير من العقبات التي ستواجهه في المستقبل القريب٬ والتي أدت إلى شن قادة الحرس الثوري والتيار المحافظ حملة ضد رفسنجاني٬ وصلت إلى اتهامه برعاية «دعاة الفتنة» أي «الحركة الخضراء» والتآمر على المرشد والثورة.

من حيث المبدأ٬ لم يكن الرجلان ذوي نزعة انقلابية أو من دعاة التغيير السريع أو الشامل للسلطة٬ بقدر ما حاولا إيجاد بعض التغيرات التي تحافظ على استمرار النظام من خلال تحسين سلوكه ولو شكليا٬ من أجل تحسين سمعته في الداخل والخارج٬ وإذا كان «أمير كبير» دفع حياته ثمنا لرؤيته٬ فإن الشيخ رفسنجاني تعرض في السنوات الأخيرة إلى حملات تشويه وافتراءات٬ إضافة إلى تهديدات مبطنة بالإلغاء جراء انتقاده للنظام٬ وفي بعض الأحيان لمواقف المرشد٬ وهو ما أثار حفيظة أتباع ولاية الفقيه الذين اعتبروها بمثابة المعصية الدينية٬ وقد تفاقمت الأمور بينهما بعد أن طرح رفسنجاني٬ بصفته رئيس مصلحة تشخيص النظام في ديسمبر (كانون الأول) ٬2015 مشروع تشكيل «مجلس قيادي» بدل الولي الفقيه في حالة وفاة خامنئي٬ وبلغت الأزمة ذروتها عندما اتهم خامنئي رفسنجاني بالخيانة٬ بسبب تغريدة قال فيها:

«هذا عهد المفاوضات وليس عهد الصواريخ»٬ ثم اشتعلت الخلافات بينهما بشكل علني عندما حاول المرشد إقصاء رفسنجاني وروحاني من الفوز بعضوية مجلس خبراء القيادة٬ ومن ثم منع رفسنجاني من ترؤس المجلس رغم فوزه بأغلبية الأصوات.

بعد قتل «أمير كبير» لم تستطع أي شخصية ملء الفراغ الذي أوجده غيابه٬ وبدأ العهد القاجاري بالتراجع٬ وبعد قرابة نصف قرن على محاولات «أمير كبير» بناء مؤسسات الدولة٬ توفي ناصر الدين شاه سنة 1896 تاركا خلفه هيكلا عظميا لدولة مركزية٬ وبرحيل رفسنجاني لم يعد يوجد من الرعيل الأول المؤسس للنظام الإسلامي من يمثل وجدان الثورة وذاكرتها٬ أو يحمل أيا من أوراق القوة لصنع التوازن ولو المحدود مع المرشد.

في ذروة الصراعات الدولية والإقليمية فقدت إيران شيخ براغمايتها٬ الذي استطاع تجنيبها كثي ًرا من العواصف التي هبت في السابق على المنطقة٬ وفي اللحظة الحرجة فقد النظام وجهه الآخر٬ وانتقلت إيران إلى سلطة الشكل الواحد واللون الواحد داخليا وخارجيا٬ فالداخل الذي كان يستجير برفسنجاني من أجل تخفيف وطأة المتشددين في السلطة٬ خسر التوازن التاريخي بين أجنحة السلطة٬ ما يفتح التساؤل حول مستقبل العمل السياسي في إيران٬ فهل يستطيع الرئيس روحاني الفوز برئاسة ثانية أو أن يستمر الرئيس الأسبق محمد خاتمي في تبنيه للتيار الإصلاحي؟ وما هي قدرة السيد حسين الخميني على الاستمرار في انتقاد النظام؟ في المقابل٬ فإن المرشد الذي حسم أمره إلى جانب المتشددين يعلم أن الإصلاحيين يمثلون أغلبية الشعب الإيراني٬ فهل يستطيع احتواء أي أزمة تؤدي إلى انفجار الشارع٬ وهو يعلم حجم المخاطر إذا ترك العنان للعسكر والأمن في التعامل مع الشعب؟ كما أن غياب رفسنجاني سيفتح صراعات داخل معسكر المرشد٬ وسيكشف شهوات مراكز القوة في الحصول على المكاسب بعد غياب المنافس الحقيقي٬ ما يفتح باب الصراع بين المتشددين على خلافة خامنئي٬ حيث سيصبح القرار النهائي بيد الحرس الثوري.

بغيابه أسدل الستار على الجزء الأكبر من تاريخ الثورة والدولة٬ لكن غيابه أيضا يفتح كثي ًرا من الأبواب المغلقة٬ وسيجعل إيران مكشوفة أكثر من دون أي قدرة على المناورة التي اعتاد رفسنجاني على رسمها لتجنيب بلاده المخاط

المصدر : جريدة الشرق الأوسط

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من أمير كبير إلى رفسنجاني إيران واستعصاء الإصلاح من أمير كبير إلى رفسنجاني إيران واستعصاء الإصلاح



GMT 13:21 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

معركة اللبنانيين لبناء جمهورية يستحقونها

GMT 14:11 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

العراق... ثلاثية الجيش والشعب والمرجعية

GMT 12:10 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران بين الصبر الاستراتيجي والاقتصاد المقاوم

GMT 06:11 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان بين صيغتين

GMT 05:17 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان... الطريق إلى الجمهورية الثالثة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 17:57 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي التحدي يبرم عدة صفقات استعدادًا للدوري الليبي

GMT 21:00 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

ترامب ينشر خريطة دولة فلسطين وفقا لـ"صفقة القرن"

GMT 11:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

أسعار النفط ترتفع بسبب توقف خط أنابيب في بحر الشمال

GMT 02:55 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مجتمع اليخوت الفاخرة مقصد أصحاب لثروات في موناكو

GMT 23:36 2017 السبت ,30 أيلول / سبتمبر

أجزاؤها أشيائي

GMT 15:10 2015 الإثنين ,02 شباط / فبراير

سلطة العدس

GMT 17:34 2012 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

صوفيا فيرغارا في تصميم لزهير مراد

GMT 04:22 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

ضريح القديس يهوذا وحصنه الشاهق يزيّنان جانسي الهندية
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya