جبران باسيل وصدمة الشيعية السياسية

جبران باسيل وصدمة الشيعية السياسية

المغرب اليوم -

جبران باسيل وصدمة الشيعية السياسية

بقلم - مصطفى فحص

بين الرئيسين عون وبري «قلوب مليانة»، فجّرها وزير الخارجية جبران باسيل بعد أن وصلت الاحتكاكات السياسية بين الطرفين إلى مرحلة يصعب ضبطها، ولكن باسيل المستقوي على اللبنانيين بورقة التفاهم مع «حزب الله»، قرر فتح النار على شريك الحزب الأساسي في الطائفة والدولة، دون الأخذ بعين الاعتبار حساسيات الحالة الشيعية الصاعدة وحساباتها الحالية والمستقبلية، والتي رغم كل ما تمتلك من قوة نفوذ وهيمنة محلية وإقليمية تبقى معنية دائماً وأبداً بوحدتها الداخلية التي تعتبرها فوق كل اعتبار، إلا أن جبران باسيل وبحساباته الخاطئة توهم أن حاجة «حزب الله» الملحة إليه ولتياره في المرحلة المقبلة على الصعيدين الداخلي والخارجي تفوق حرص الحزب على تماسك الموقف الداخلي للطائفة الشيعية الذي يؤمنه الرئيس نبيه بري، وبما أن قيادة الحزب واثقة بولاء الشارع الشيعي لخياراتها قد تختار التضحية بشريكها الشيعي، مقابل الاحتفاظ بالغطاء الذي يؤمنه الرئيس عون لسلاحها ولمشروعها السياسي. ولعل جبران باسيل استدل وتدلل في المبالغة بحاجة «حزب الله» لغطاء الرئيس ميشال عون من خلال ردة الفعل العادية لقيادة الحزب حول تصريحاته عن الحق «للشعب الإسرائيلي» في العيش بأمان، وعدم مطالبته بتأييد دعوة أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله اللبنانيين إلى مقاطعة فيلم سبيلبرغ The Post الذي كشف عن الهوة العميقة بين الشارعين، وتسبب بعتب شديد من قيادة «حزب الله» على كوادر التيار العوني نتيجة مواقف أنصارهم المستهترة بدعوة نصرالله. غض طرف «حزب الله» عن هفوات باسيل السياسية شجع التيار العوني على الذهاب بعيداً في سياسة جني الأرباح والمكاسب، والتي تجلّت في محاولة الرئيس ميشال عون بالتوافق مع الرئيس سعد الحريري على تمرير قانون مرسوم الأقدمية الممنوح لدورة ضباط سنة 1994، دون الأخذ بعين الاعتبار التوازنات الطائفية التي تلزم جميع الأطراف مراعاة التوزيع الطائفي داخل إدارة الدولة ومؤسساتها، خطوة عون - حريري اعتبرها الرئيس بري ليس فقط تجاوزاً دستورياً لموقع الطائفة الشيعية، بل هي تجاوز خطير لدستور الطائف، الذي يربط تنفيذ القوانين بإمضاء وزير المالية، وهي الثغرة الدستورية التي تمكن بها الرئيس بري من تعطيل مرسوم عون - الحريري من خلال وزير المالية القيادي في حركة أمل علي حسن خليل.
إصرار الرئيس نبيه بري على رفض مرسوم الأقدمية أشبه بصافرة إنذار، أولاً للذين يحاولون استعادة صيغة 1943 وثانية لشركائه في «حزب الله» حول تمادي حليفهم العوني في تجاوزاته الدستورية، فقد كشف التوافق بين الرئاسة الأولى والثالثة وتعمّد تجاوز الثانية عن حجم الهواجس لدى النخبة الشيعية اللبنانية وقلقها المبرر من المستقبل، بعد أن عادت إلى أذهانها مرحلة ما قبل الطائف التي عرفت بصيغة سنة 1943 والتي حصرت السلطات بعد الاستقلال بين الطائفتين «المارونية والسنية»، حيث يختلف كتاب تاريخ لبنان الحديث حول الحجم الذي أعطته المارونية السياسية بعد الاستقلال للطوائف الأخرى داخل السلطة، خصوصاً الشيعة الذين يتهمون رموز الاستقلال في استبعادهم من القرار الرسمي. فقد وفرت التطورات الأخيرة مجموعة عوامل من شأنها أن تفتح السؤال داخل البيئات الشيعية اللبنانية الموالية للثنائية الحزبية الحاكمة حول كيفية الحفاظ على موقعها داخل الدولة وحماية مكتسباتها على المدى البعيد في حال تراجع دورها الإقليمي وضعفت هيمنتها على الدولة، واستهلكت ما توفر لها سابقاً من فائض قوة سمح لها بفرض مشروعها على اللبنانيين بقوة السلاح، والذي من المرجح أن يخسر دوره المحلي والإقليمي فتخسر هي مباشرة هيبتها بسبب اتكالها على معادلة السلاح مقابل الدستور.
تمرّ الطائفة الشيعية في لبنان بمرحلة صعود استثنائية يمكن تحويلها إلى مكتسبات دائمة تعوض التضحيات التي قدمتها من أجل تحقيق مشروعها، لكن الرهانات الخاطئة لصناع القرار فيها بداية من الدخول إلى سوريا مروراً بالتدخل في اليمن وصولاً إلى انتخاب عون جعلتها عرضة لانتقادات وتساؤلات محلية وخارجية تهدد موقعها ودورها، وهي متصلة بالمشهد الإيراني الداخلي المفتوح على كافة الاحتمالات والمتصل بالوضع السوري المقبل على تحولات كبيرة، ما يفرض عليها المجاهرة بإعطاء المتحولات السياسية والاجتماعية في لبنان غطاء دستورياً قبل فوات الأوان.
الصراع على شكل النظام في لبنان سيفرض على الطوائف الحاكمة إعادة تموضعها وفقاً لنظام مصالحة جديد، ما يفسر الريبة الشيعية مما قاله جبران باسيل، والذي تكمن خطورته على المدى البعيد بأنه مشروع عزل للطائفة من خلال تحجيم دورها الدستوري بانتظار نهاية مشروعها العسكري، وهو ما تنتظره الألغارشية الطائفية الجديدة التي تعتقد أنها قادرة على العودة إلى صيغة 1943 من خلال إعادة إحياء ثنائية الاستقلال.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جبران باسيل وصدمة الشيعية السياسية جبران باسيل وصدمة الشيعية السياسية



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 17:57 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي التحدي يبرم عدة صفقات استعدادًا للدوري الليبي

GMT 21:00 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

ترامب ينشر خريطة دولة فلسطين وفقا لـ"صفقة القرن"

GMT 11:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

أسعار النفط ترتفع بسبب توقف خط أنابيب في بحر الشمال

GMT 02:55 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مجتمع اليخوت الفاخرة مقصد أصحاب لثروات في موناكو

GMT 23:36 2017 السبت ,30 أيلول / سبتمبر

أجزاؤها أشيائي

GMT 15:10 2015 الإثنين ,02 شباط / فبراير

سلطة العدس

GMT 17:34 2012 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

صوفيا فيرغارا في تصميم لزهير مراد

GMT 04:22 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

ضريح القديس يهوذا وحصنه الشاهق يزيّنان جانسي الهندية

GMT 22:06 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

صلاح الدين بصير شبح أسود لحراس المرمى

GMT 15:09 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

إحباط سرقة سيارة لنقل الأموال في أيت أورير ضواحي مراكش
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya