ثلاثية سوتشي وشرعنة احتلال سوريا

ثلاثية سوتشي وشرعنة احتلال سوريا

المغرب اليوم -

ثلاثية سوتشي وشرعنة احتلال سوريا

بقلم - مصطفى فحص

تستعد موسكو لفرض إرادتها على الشعب السوري وتخييره ما بين القبول برؤيتها للحل، أو استمرار استخدام العمل العسكري ضد مَن تبقى من فصائل «الجيش الحر»، كما يحدث الآن في الغوطة الشرقية والأتارب، وكأن الروس يُطبقون في هجماتهم الأخيرة الشعار الذي أطلقه شبيحة النظام وميليشياته الطائفية بداية الثورة (الأسد أو نحرق البلد) بهدف إركاع الشعب السوري ومن تبقى من معارضة سياسية وعسكرية تحاول مقاومة الإرادة الروسية.
يحتاج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى خروج سريع من المستنقع السوري، وهو يرى أمامه فرصة تاريخية لا تتكرر تحققت، نتيجة ضبابية الموقف الأميركي العالق بين التردد والتلكؤ، يضاف إليه غياب أوروبي وعربي وصل لدرجة الاستسلام في سوريا، مواقف سمحت للروس بطرح رؤيتهم للحل، وفقاً لمصلحتهم ومصلحة حلفائهم وفي مقدمتهم إيران، فقد استطاعت طهران بفضل موسكو تكريس وجودها السياسي والعسكري وحتى الاقتصادي في سوريا، وتمكنت نتيجة العنف المفرط ضد المدنيين السوريين، من إفراغ المدن الكبرى من سكانها، ما ساعدها على القيام بأكبر عملية إفراغ ديموغرافي منذ الحرب العالمية الثانية، فقد شهدت سوريا في السنوات الأخيرة عملية إفراغ ممنهج حولت 11 مليون سوري إلى نازح أو لاجئ، وهي عملية باركها رأس النظام، ووصفها بأنها أوجدت مجتمعاً سورياً متجانساً.
ففي الطريق إلى سوتشي، يستعد الأطراف الثلاثة روسيا وإيران وتركيا إلى تثبيت الوقائع التي نشأت على الأرض، جرّاء الأعمال العسكرية، والتي تم التأكيد عليها خلال جولات آستانة التفاوضية، والتي سمحت للأتراك بالتوغل داخل الأراضي السورية، بهدف إبعاد الخطر الكردي المتصاعد على حدودها مع سوريا، الذي يشكل خطراً فعلياً على أمنها القوي، حيث ظهرت حاجة أنقرة لموسكو وطهران في تحجيم دور الفصائل الكردية المسلحة التي تقاتل بغطاء أميركي، ما تسبب في انقلاب أنقرة على ثوابتها الجيوسياسية التقليدية، وأدى فعلياً إلى أن تُقدم أنقرة لجوءً سياسياً في موسكو، وجعل موقفها ضعيفاً في التسوية الثلاثية، وبرز ذلك أكثر بعد موافقتها على إرسال مراقبين من روسيا وإيران إلى منطقة خفض التصعيد في إدلب، وإلى عدم التطرق لشكل المرحلة الانتقالية، وهو ليس دليلاً فقط على تماهيها مع الرؤية الروسية، بل إنها أسقطت تحفظاتها السابقة على الوجود الإيراني في شمال سوريا، وخصوصاً في منطقة إدلب، حيث يوجد أغلب الفصائل العسكرية السورية الموالية لها. 
في المقلب الآخر يمكن القول إن روسيا سمحت لإيران أن تتصرف كدولة محاذية لسوريا، واعتبار الحدود اللبنانية السورية بداية، والسورية العراقية لاحقاً، حدوداً طبيعية لها مع سوريا، فتمكنت من خلال ميليشياتها التي لعبت دور رأس الحربة في قتال الشعب السوري من جعل سوريا ضمن مجالها الحيوي، بحيث تقود طهران اليوم أغلب العمليات الميدانية في كافة الأراضي السورية، وتساعد نظام الأسد على بسط سيطرته على مزيد من الأراضي، وتوجت عملياتها العسكرية الأخيرة في دخول البوكمال على الحدود مع العراق، التي ظهر فيها قائد «فيلق القدس» اللواء قاسم سليماني يقود العمليات العسكرية فيها، وهي تُعتبر رسالة روسية إيرانية مزدوجة لكل المطالبين بتقليص النفوذ الإيراني في سوريا، بأن مطالبكم غير واقعية وتجاوزتها الأحداث، حيث يصبح كلام وزير الخارجية الروسي الأخير سيرغي لافروف عن الدور الإيراني في سوريا، وحتى على حدودها الجنوبية مع الأردن وإسرائيل، الثابت الأكثر وضوحاً في المشهد السوري، الذي تحاول موسكو شرعنته في قمة سوتشي الثلاثية.
نجحت موسكو في تحويل خصوم الأمس إلى شركاء اليوم، واستفادت من تقاطع المصالح بينها وبين أنقرة وطهران في سوريا، وحولت العداء التاريخي بينها إلى علاقة مستقرة تحكمها المنافع المتبادلة، لكن هذه المنافع تبقى محدودة المكان والصلاحية، لذلك لن يتمكنوا من تجاوز خمسة قرون من التنافس الجاهز للتشكل، في أي لحظة يدخل فيها عامل إضافي على الخريطة السياسية أو العسكرية السورية يربك التحالف المُركب المبني على معادلة 2+1 أي (إيران وروسيا) إضافة إلى تركيا، التي تجمعها المصلحة وتفرقها النوايا.
في سوتشي قمة ثلاثية الأبعاد، تتوافق على قاسم مشترك واحد هو شرعنة تدخلهم في سوريا، ولكنهم يختلفون على كثير من التفاصيل التي تسكنها الشياطين، حيث المناعة التركية ضعيفة في تجنب شياطين طهران، بينما خيارات موسكو بعيدة حتى الآن عن فكرة احتوائها، لذلك من الممكن أن تحصل طهران في سوتشي على ما عجزت لقرون عن تحقيقه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثلاثية سوتشي وشرعنة احتلال سوريا ثلاثية سوتشي وشرعنة احتلال سوريا



GMT 00:09 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الأوروبي ... أوهام ديغولية

GMT 04:42 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

عن التيار المدني، بشقية المحافظ والعلماني

GMT 04:40 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اليمن بين الإنسانية والسياسة

GMT 11:28 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الأمن الإقليمى و«مصالح أهل المنطقة»

GMT 09:07 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

محاولة لفهم «ترامب»

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 09:38 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 12:08 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

كيف نحمي أطفالنا من أخطار الانترنت ؟

GMT 10:51 2020 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

المحكمة تسقط التهمة عن سمية الخشاب

GMT 19:22 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تحديث واتساب الجديد يدعم ثلاث ميزات جديدة

GMT 20:55 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

أجمل إطلالات ربيعية للمحجبات لربيع وصيف 2018

GMT 03:15 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الضياعُ في عينيّ رجل الجبل *

GMT 10:42 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

طهران تنفي نية الرئيس حسن روحاني الاستقالة

GMT 13:08 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

وفاة الكاتب محمد حسن خليفة في معرض الكتاب

GMT 20:27 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ماسك العسل والجزر لبشرة خالية من العيوب

GMT 02:54 2019 الأحد ,21 تموز / يوليو

طريقة تحضير الدجاج على الطريقة الايطالية

GMT 22:16 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

لعبة ROME: Total War – Barbarian Invasion متاحة على أندرويد

GMT 00:45 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

أجمل وأفضل 10 أماكن سياحية عند السفر إلى السويد

GMT 01:55 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

ميرنا وليد تُؤكّد على أنّ "قيد عائلي" مكتوبٌ بحرفية عالية

GMT 10:55 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود خياركِ الأول لأجمل عبايات مخمل شتاء 2019
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya