قبعة البشير خلت من الأرانب

قبعة البشير خلت من الأرانب

المغرب اليوم -

قبعة البشير خلت من الأرانب

بقلم - خيرالله خيرالله

سيعتمد الكثير على استيعاب الرئيس السوداني أن مشكلته مع الأكثرية السودانية التي تتطلع إلى نظام من نوع مختلف لا يكون على رأسه عسكري ذو ثقافة محدودة لا يعرف شيئا عن العالم وما يدور فيه.
لا ينفع عمر حسن البشير إلقاء مسؤولية تدهور الأوضاع في السودان على الآخرين. لام الحكومة ولام حكام الولايات ولام الفريق الاقتصادي، علما أنّه المسؤول الأول عمّا يعاني منه البلد منذ الانقلاب العسكري الذي نفّذه في 1989 مع مجموعة من رفاقه الضبّاط. جاء الانقلاب وقتذاك بإيعاز من “الجبهة القومية الإسلامية” التي كان يتزعمها الدكتور حسن الترابي. كان الترابي يحلم بإمبراطورية إسلامية بقيادته في منطقة القرن الأفريقي. كان الترابي يعرف كلّ شاردة وواردة عن القبائل والعشائر والتركيبة الاجتماعية لكل كيان سياسي في تلك المنطقة. كان حاد الذكاء وعلى علم كبير. لكنّ ذكاءه خانه مع عمر حسن البشير الذي رفض منذ البداية أن يكون تحت عباءة “الجبهة القومية الإسلامية”. لم يكتف الرئيس السوداني بملاحقة العقل المفكّر، وهو عقل شيطاني أكثر من أيّ شيء، كان وراء انقلاب 1989، بل ذهب إلى حدّ سجنه والتهديد بإعدامه. وهذا ما كان حصل لولا تدخّل الراحل علي عبدالله صالح مرّتين كي لا يقضي البشير على الترابي.

مرّة أخرى يناور عمر حسن البشير. أعلن عن تغييرات كبيرة في السلطة التنفيذية، لكنّ ما لم يتغيّر هو شبقه إلى السلطة، وهو شبق لا حدود له. لم يتردّد في إعلان حال الطوارئ لمدّة سنة ولم تبدر عنه أي رغبة في رفض ولاية رئاسية أخرى في العام 2020 وذلك بعد ما يزيد على ثلاثين عاما في السلطة. لو كان الرجل صادقا في الإصلاحات، لكن بدأ بنفسه وأعلن إلغاء التعديلات الدستورية التي ستسمح له بترشيح نفسه مرّة أخرى. اكتفى بـ“إرجاء التعديلات” وكأنه ينتظر أيّاما أفضل للعودة إليها. هل من أيام أفضل للبشير الذي استطاع في كلّ مرة، أقلّه إلى الآن، إيجاد طريقة لتجاوز أزماته المتتالية؟ بالنسبة إلى البشير لا يزال حبل المناورات طويلا. يظنّ أن هناك هامشا يستطيع التحرّك في إطاره. من الواضح أنّ الرئيس السوداني يجهل ما يدور على الأرض السودانية حيث في أساس الأزمة الحقيقية التي يمرّ بها السودان طبيعة الذين يشاركون في التحرّك ضدّ نظامه منذ شهرين. هؤلاء ينتمون إلى الشباب السوداني الذي لديه تطلعات مختلفة عن تلك التي لدى البشير وأبناء جيله والمدرسة التي ينتمي إليها.

تقع أعمار هؤلاء الشبان بين 16 و35 عاما. لا يدري البشير أنّ عدد هؤلاء 25 مليونا، أي أنهم يشكلون أكثرية في السودان الذي يبلغ عدد سكّانه 43 مليونا. لا وجود لأيّ علاقة بين البشير وهؤلاء الشبّان الذين باتوا على علم بما يدور في العالم. مثله مثل عبدالعزيز بوتفليقة لا يبدو البشير، الذي لا يزال يستطيع خلافا للرئيس الجزائري السير على رجليه، على علم بما يدور في البلد. لم يأخذ علما بأن المواطن السوداني، مثله مثل الجزائري، لا يستأهل مثل هذه الإهانة المتمثّلة في وجود بوتفليقة أو البشير في موقع الرئيس. يستأهل الجزائري والسوداني أفضل من ذلك بكثير في بلدين لا ينقصهما الرجال من ذوي الكفاءات. المضحك – المبكي أن البشير بدأ الآن يتحدث عن الاستعانة بكفاءات تتولى الوزارات والمواقع المهمّة. غاب عن باله أن هذا بمثابة اعتراف منه بأنّه وضع في المواقع الحساسة رجالا لا يتمتعون بالمؤهلات اللازمة للنهوض ببلد مليء بالثروات مثل السودان. هل من حاجة إلى ثلاثين عاما في السلطة كي يكتشف البشير أن هناك حاجة إلى كفاءات تدير بلدا مثل السودان؟

لا تُحصى المرات التي استطاع فيها البشير إنقاذ رئاسته. لجأ إلى كلّ الألاعيب، بل المناورات التي كانت في متناول يده. الدليل على ذلك ذهابه إلى النهاية في قضية انفصال الجنوب. عندما احتاج إلى ورقة الانفصال، شجع عليه وذلك من أجل التغطية على حكم المحكمة الجنائية الدولية التي قررت ملاحقته بسبب جرائم ارتكبها في دارفور.

باع البشير فرنسا الإرهابي الفنزويلي “كارلوس”. وتخلّص عندما تبيّن له أن ذلك في مصلحته، من إرهابي آخر اسمه أسامة بن لادن. انتقل بن لادن من السودان إلى أفغانستان التي خطط منها لـ“غزوتي نيويورك وواشنطن” أو ما عُرف بأحداث الحادي عشر من أيلول – سبتمبر 2001، التي دفع الفلسطينيون ثمنها غاليا، كذلك العراق ونظام صدّام حسين.

لعب البشير في كلّ الحلبات. كان رجلا لكلّ الفصول. كان مع إيران في مرحلة معيّنة. كان السودان محطة لتهريب أسلحة إيرانية إلى غزّة لمصلحة “حماس”. في مرحلة معيّنة انفتح على إسرائيل. وقبيل اندلاع الأحداث الأخيرة في السودان في كانون الأوّل – ديسمبر الماضي، زار دمشق ليكون أول رئيس عربي يلتقي بشّار الأسد منذ اندلاع الثورة السورية في آذار – مارس 2011. ليس معروفا إلى الآن ما الذي ذهب يفعله في دمشق، لكنّ الأكيد أنّه لم يدرك أن لا شيء يمكن أن ينقذ النظام السوري الذي صار في مزبلة التاريخ منذ فترة طويلة بعد دخوله في حرب مع شعبه.

تبقى مشكلة عمر حسن البشير مع شعبه أوّلا. لو كان لديه أي حلّ لأي مشكلة، لما كان حصل انفصال الجنوب حيث أكثرية مسيحية.

كان الفشل الأوّل للبشير في عجزه عن تقديم نموذج لدولة عصرية تسودها ثقافة التسامح. كان همّه في مرحلة معينة إيجاد طريقة لاسترضاء إسرائيل التي ساعدها استقلال جنوب السودان في إيجاد موطئ قدم آخر في القارة الأفريقية.

سيكون صعبا على عمر حسن البشير الخروج سالما من الأزمة التي يمرّ فيها السودان وذلك على الرغم من كل وسائل القمع التي يمتلكها. المواطن السوداني مسالم وهادئ ولكن عندما يطفح الكيل لديه يصبح شرسا وعنيدا. يبدو السوداني مسالما ظاهرا لكنهّ شيء آخر غير ذلك. الأكيد أنّه ليس خبيثا كما يدعي بعضهم. ففي العام 1964 طفح الكيل في السودان ونزل الناس إلى الشارع وأسقطوا قائد الانقلاب العسكري الفريق إبراهيم عبود الذي بقي ست سنوات في السلطة. كان الشعار الذي رفعه المتظاهرون والهتاف الذي أطلقوه وقتذاك “إلى الثكنات يا حشرات”. عاد العسكر بالفعل إلى الثكنات. هل تتكرر تجربة 1964 في 2019؟ أي هل يرحل عمر حسن البشير من دون إراقة دم؟

سيعتمد الكثير على استيعاب الرئيس السوداني أن مشكلته مع الأكثرية السودانية التي تتطلع إلى نظام من نوع مختلف لا يكون على رأسه عسكري ذو ثقافة محدودة لا يعرف شيئا عن العالم وما يدور فيه. يستأهل السودانيون رئيسا أفضل بكثير من رئيس مثل عمر حسن البشير يعتقد أنه يقدّم عرضا من النوع الذي يقدّمه السحرة، وأن في استطاعته أن يُخرج من قبعته أرنبًا كلما دعت الحاجة إلى ذلك. قد تكون المرحلة الراهنة مرحلة افتقاد الرئيس السوداني للأرانب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قبعة البشير خلت من الأرانب قبعة البشير خلت من الأرانب



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:08 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العذراء

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 14:43 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

قائمة بأسماء أفضل المطاعم في مدينة إسطنبول التركية

GMT 23:38 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

9 أسباب لفشل عمليات أطفال الأنابيب

GMT 11:09 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

كلويه CHLOE عطر بروح الأناقة من "نو مايد "

GMT 16:16 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

دبي تقدم أغلى عطر في العالم "شموخ "

GMT 07:03 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تذوق أشهى الأطعمة والمشروبات الساخنة في "نوفوسيبرسك"

GMT 15:32 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

برنامج طبي خاص للاعب طائرة الأهلي عبدالحليم عبو

GMT 22:34 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع مخزونات النفط الأميركي الخام إلى 6.490 مليون برميل

GMT 08:39 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الياباني يوشيهيتو نيشيوكا يحصد لقب بطولة شينغن للتنس

GMT 13:56 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف يؤكّد أن عمر جمال يملك عرضًا للرحيل

GMT 04:51 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

تعرفي على أهم العطور المفضلة لدى المشاهير

GMT 02:00 2018 الأربعاء ,28 شباط / فبراير

ديكورات مثيرة لحمامات كلاسيكية باللون الرمادي

GMT 01:32 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

لسه فاكر

GMT 15:46 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

الكاتب مصطفى محرم يُشير إلى أقرب الأعمال إلى قلبه

GMT 05:18 2013 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"تويوتا" FCV تستعرض تقنية خلايا الوقود وستطرح

GMT 18:18 2016 السبت ,21 أيار / مايو

بريشة:سعيد الفرماوي

GMT 16:29 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

إيطاليا تدعو إلى استئناف إنتاج وتصدير النفط الليبي دون شروط
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya