صفقة القرن في إطارها الإقليمي

"صفقة القرن" في إطارها الإقليمي

المغرب اليوم -

صفقة القرن في إطارها الإقليمي

خيرالله خيرالله
بقلم: خيرالله خيرالله

يبقى الأمل الوحيد في وجود شعب فلسطيني يمتلك وعيا عميقا لما آل إليه الوضع في المنطقة. هذا الشعب الذي يمتلك هوية وطنية حقيقية لا بد أن يصمد في وجه "صفقة القرن".

لا يمكن التعاطي مع خطة دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط من دون وضعها في إطارها الإقليمي الذي أدّى إلى توازن جديد بدأ يتبلور منذ خروج العراق من المعادلة الإقليمية في العام 2003. تتحدّث الخطة المسمّاة “صفقة القرن” عن خيار الدولتين. هناك دولة إسرائيلية قائمة تطمح إلى التوسّع على حساب الفلسطينيين، ولكن عن أيّ دولة فلسطينية تتحدّث خطة ترامب التي تتجاهل كلّيا وجود شعب فلسطيني يمتلك طموحاته المشروعة؟

لعلّ أهمّ ما في “صفقة القرن” تجاهل الإدارة الأميركية قرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بعد حرب الأيام الستّة في العام 1967. بدل ذلك، فرض الرئيس الأميركي والفريق المحيط به، الذي يشمل صهره جاريد كوشنر، رؤية للسلام تستجيب لكلّ المطالب الإسرائيلية، بما في ذلك الاعتراف بشرعية المستوطنات في الضفّة الغربية والسيطرة على وادي الأردن واعتبار القدس الموحّدة عاصمة لإسرائيل.

أيّ جزء من القدس سيبقى للفلسطينيين كي تكون هناك عاصمة لدولتهم؟ من الواضح أنّ هناك اعترافا أميركيا بشرعية المستوطنات الإسرائيلية، إضافة بالطبع إلى شرعية احتلال الجولان السوري، وذلك خلافا لكل قرارات الشرعية الدولية التي باتت الإدارة الأميركية الحالية تعتبر أن الزمن تجاوزها.

هناك واقع جديد في المنطقة استغلّه دونالد ترامب والفريق المحيط به لتكريس الاحتلال الإسرائيلي الذي يعني، بين ما يعنيه، رفض الاعتراف بالحقوق الوطنية لشعب بكامله. وجد هذا الشعب مكانا لنفسه ولقضيّته على الخريطة السياسية للشرق الأوسط وفشل في ترجمة ذلك على الخريطة الجغرافية.

من الصعب على أي فلسطيني قبول “صفقة القرن” التي تتضمّن وعودا كثيرة من بينها قيام دولة فلسطينية على أرض في الضفّة الغربية، مع ربطها بقطاع غزّة ضمن شروط إسرائيلية معيّنة بالنسبة إلى المسؤوليات الأمنية في تلك الدولة. أكثر من ذلك، أن الكلام عن ضخ أموال تصل قيمتها إلى خمسين مليار دولار من أجل إنجاح تجربة الدولة الفلسطينية يظلّ كلاما في غياب أي رغبة حقيقية في احترام القانون الدولي، بما في ذلك ما نصّ عليه القرار 242 عن عدم جواز احتلال أراضي الغير بالقوّة.

هذا لا يمنع أن الجانب الفلسطيني أخطأ مرّة أخرى عندما أوصد كلّ الأبواب في وجه “صفقة القرن”. نظريا الجانب الفلسطيني على حقّ، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار الظلم الذي تعرّض له شعب بكامله منذ الرابع عشر من أيّار – مايو 1948 تاريخ إعلان ديفيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل. عمليا، يبدو واضحا أن الفلسطينيين لم يتعلّموا شيئا من التجارب التي مرّوا فيها.

يتجاهلون حاليا أن ليس لديهم ما يقاوموا به “صفقة القرن” باستثناء الكلام الفارغ عن الوحدة الوطنية الفلسطينية. فجأة استفاقت حركة “حماس” على أهمّية الوحدة الفلسطينية بعد تقديمها كلّ الخدمات التي يمكن لأيّ طرف فلسطيني تقديمها إلى إسرائيل. تكفّلت “حماس”، للأسف الشديد، بتوفير كلّ المبررات لإسرائيل كي تظهر في مظهر الضحيّة، خصوصا بعد إقامة إمارتها الإسلامية في قطاع غزّة ابتداء من منتصف العام 2007. قبل ذلك، نفّذت “حماس” بتشجيع من إيران، وغير إيران، كلّ ما يمكن تصوّره من عمليات انتحارية في القدس وتل أبيب ونهاريا وأماكن أخرى من أجل إفشال عملية السلام التي بدأت بتوقيع اتفاق أوسلو في خريف العام 1993.

ارتكب الفلسطينيون كلّ الأخطاء التي يمكن ارتكابها من أجل الوصول إلى ما وصلوا إليه في السنة 2020. لم يدركوا في أيّ وقت أن “حماس” المدعومة إيرانيا كانت تعمل من أجل صعود اليمين الإسرائيلي ومنع أي تقدّم على طريق السلام على الرغم من كلّ ما يمكن قوله عن سوء النيّات الإسرائيلية. في النهاية، أضاعوا كلّ الفرص التي سنحت لهم من أجل أن يكونوا في وضع يسمح لهم بالحصول على بعض حقوقهم. من أجل البقاء في لبنان، قبل ياسر عرفات في العام 1977 أن يكون أسير البَعثيْن السوري والعراقي، بعدما ذهب أنور السادات إلى القدس في تشرين الثاني – نوفمبر من تلك السنة وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد في أيلول – سبتمبر من العام 1978.

لا حاجة إلى سرد الأخطاء التي ارتكبت، بما في ذلك عدم اتخاذ الموقف الصائب من احتلال العراق للكويت في العام 1990. لكن المضحك المبكي يتمثّل حاليا في عدم أخذ الفلسطينيين في الاعتبار أن هموم العرب في مكان آخر وليس في فلسطين، خصوصا مع انكشاف خطورة المشروع التوسّعي الإيراني من المحيط إلى الخليج. هناك منطقة دمّرت فيها إيران مدنا عربية بكاملها من بينها بغداد والبصرة والموصل وحلب وحمص وحماة، وباتت تتحكّم بدمشق وبيروت. في المقابل، وفّر دونالد ترامب الأمل بإزالة الكابوس الإيراني عندما فرض عقوبات على نظام “الجمهورية الإسلامية” وخلّص المنطقة من قاسم سليماني، وقبل ذلك من أبوبكر البغدادي.

هل يريد الفلسطينيون التعاطي مع الواقع بكل ما فيه من ظلم، أم العيش في أوهام الماضي التي جعلتهم يعتقدون أن العالم كلّه يدور حول قضيتهم بدل السعي إلى اعتماد سياسة تقوم على تفادي تفويت الفرص؟ نعم، إن “صفقة القرن” ليست في مصلحة الفلسطينيين وقضيّتهم. لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه ما هي الخيارات المطروحة أمام السلطة الوطنية التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة من جهة، ومن مزايدات “حماس” من جهة أخرى؟ الأكيد أن إغلاق أبواب التواصل والأخذ والردّ مع واشنطن ليس خيارا، بل هو الطريق الأقصر لجعل الصوت الوحيد في أميركا صوت اليمين الإسرائيلي. أن يكون هناك صوت فلسطيني، ولو خافت، في واشنطن أفضل بكثير من الغياب الذي تتمناه إسرائيل.

كان من الأفضل للفلسطينيين أن يُدخلوا في حساباتهم الظروف الإقليمية التي تفرض عليهم الامتناع عن مواقف تؤدي إلى قطيعة مع الإدارة الأميركية. كان من الأفضل أيضا لو استوعبوا أن العرب لن يأتوا إلى نجدتهم في ظل الخطر الإيراني على كل دولة من دول المنطقة وعلى كلّ مجتمع من المجتمعات العربية.

يبقى الأمل الوحيد في وجود شعب فلسطيني يمتلك وعيا عميقا لما آل إليه الوضع في المنطقة. هذا الشعب الذي يمتلك هوية وطنيّة حقيقية لا بدّ أن يصمد في وجه “صفقة القرن”، علما أن الكثير سيعتمد مستقبلا على وجود قيادة مختلفة قادرة على بلورة مشروع وطني واقعي من جهة، وعلى قراءة الوضع الإقليمي على حقيقته بعيدا عن أيّ أوهام من أيّ نوع من جهة أخرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صفقة القرن في إطارها الإقليمي صفقة القرن في إطارها الإقليمي



GMT 15:17 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ١

GMT 15:15 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

أخبار اسرائيل سيئة مثلها

GMT 18:43 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

ديكارت ومحافظ البصرة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 06:03 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

رذاذ مثير لترطيب و تكثيف الشعر

GMT 22:41 2015 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

المقرنصات منحوتات تجريدية بمنهجية فكرية إسلامية صوفية

GMT 08:16 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

رجل يحرق زوجته بسبب صورة "سيلفي" على الـ"فيسبوك"

GMT 22:16 2018 الجمعة ,03 آب / أغسطس

لسعة عقرب تزهق حياة رضيعة في إقليم شيشاوة

GMT 10:38 2018 الثلاثاء ,31 تموز / يوليو

الفتح الرياضي يتنازل عن جحوح مقابل 50 الاف دولار

GMT 12:19 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

"جوجل" تخطط لإطلاق منصة ألعاب جديدة

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

ياسمين فؤاد تعلن انتشار السياحة التسويقية

GMT 06:02 2018 الجمعة ,16 آذار/ مارس

مجموعة من النصائح لإطلالة جذابة في الربيع

GMT 18:46 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

مايا دياب في ضيافة "حكايتي مع الزمان" على قناة "دبي TV"

GMT 22:46 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

مكياج عيون جذاب لطله مميزة وجذابة في المناسبات

GMT 19:39 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

اللاعب أحمد عبد الرحمن يخضع لفحص طبي بعد إصابة قوية

GMT 19:12 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

فلاي دبي تعتزم شراء 175 طائرة من بوينغ

GMT 11:50 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

قطار وجدة يصدم رجلًا مُسنًّا في مدينة تاوريرت

GMT 13:41 2016 الخميس ,17 آذار/ مارس

تعرفي علي أهم فوائد البردقوش

GMT 09:27 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

إيناس الدغيدي تعبر عن ندمها عن فيلم "مجنون ليلي"

GMT 20:53 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

كريستين ستيوارت ترتبط بعارضة الأزياء ستيلا ماكسويل

GMT 10:34 2015 الأربعاء ,18 شباط / فبراير

فطائر خلية النحل

GMT 03:43 2012 الإثنين ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إبراهيم: آثار جنوب سيناء علي الخريطة السياحية

GMT 14:01 2016 الأحد ,17 إبريل / نيسان

عشبة القلب تعالج الاكتئاب والتبول الليلي
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya