بين إقرار جاستا والدعم الأميركي للإرهاب

بين إقرار 'جاستا'.. والدعم الأميركي للإرهاب

المغرب اليوم -

بين إقرار جاستا والدعم الأميركي للإرهاب

بقلم : خيرالله خيرالله

من يدعم الإرهاب ومن يرعاه فعلا؟ ذلك هو السؤال الحقيقي الذي لا مفرّ من طرحه عندما يسقط مجلسا الكونغرس الأميركي “فيتو” الرئيس باراك أوباما على قانون “العدالة ضد رعاة الأعمال الإرهابية” المعروف بتسمية “جاستا”. إنّه قانون يستهدف المملكة العربية السعودية. وهذا يطرح سؤالا آخر، لماذا هذا الاستهداف للمملكة في هذا الوقت بالذات؟

ليس سرّا أن خمسة عشر إرهابيا من أصل تسعة عشر نفّذوا “غزوتي نيويورك وواشنطن” في الحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر 2001 مواطنون سعوديون. ولكن ليس سرّا أيضا أن لا علاقة لأي من هؤلاء بمؤسسات الدولة في السعودية. كلّ ما أمكن إثباته لدى الكشف عن الأوراق الـ28 التي لم تنشر من التحقيق في أحداث الحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر 2001 أن اثنين من الإرهابيين أجريا اتصالا بموظف في مستوى متدن يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلس. هل من أمر أكثر من طبيعي أن يتصل مواطن سعودي بقنصلية بلده، أو أن تقبل القنصلية مثل هذا الاتصال؟

في المقابل، لم يستطع التحقيق الشامل، الذي أجرته اللجنة المكلّفة كشف خبايا ما حصل في المدينتين الأميركيتين في ذلك اليوم المشؤوم قبل خمسة عشر عاما، إثبات أيّ علاقة من قريب أو بعيد للمملكة العربية السعودية بـ”غزوتي نيويورك وواشنطن”. ما الذي يدفع الكونغرس إذن، في هذه الأيّام بالذات، إلى الإصرار على ما وصفه محللون أميركيون بـ”شيطنة السعودية”؟

قبل كلّ شيء، إذا كان هناك من يتحمّل ظهور “القاعدة” وأسامة بن لادن، فإن الطرف الذي تقع عليه المسؤولية الكبرى هو الولايات المتحدة التي رعت بن لادن وشجّعت أنصاره، بموافقة سعودية، على الانتقال إلى أفغانستان لمحاربة وضع اليد السوفياتية على ذلك البلد ابتداء من العام 1979. كان ذلك أيّام الحرب الباردة.

صحيح أن المملكة العربية السعودية لعبت دورا في الحرب على الوجود السوفياتي في أفغانستان، لكنّ الصحيح أيضا أن ذلك كان بالتنسيق مع الولايات المتحدة وبدفع منها. أخطر ما في الأمر أنّ الولايات المتحدة هي من شجّع، بالمشاركة مع باكستان، عملية سيطرة “طالبان” على الأراضي الأفغانية بهدف واضح كلّ الوضوح هو تأمين ممرّ آمن لأنابيب النفط الذي مصدره جمهوريات إسلامية كانت في الماضي جزءا من الاتحاد السوفياتي.

لا يمكن، في ضوء الوقائع الثابتة، الفصل بين الولايات المتحدة و”القاعدة” التي وفّرت لها “طالبان” ملاذا آمنا. كذلك، لا يمكن تجاهل أن المملكة العربية السعودية استوعبت باكرا خطر “القاعدة” وحاولت الفصل بينها وبين “طالبان”. لم تنجح في ذلك قبل سنوات من حلول يوم الحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر 2001.

في حال كان على الكونغرس إيجاد قانون يضمن ملاحقة الطرف الذي يتحمّل المسؤولية الأولى عن “غزوتي نيويورك وواشنطن”، فإنّ هذا الطرف هو الإدارات الأميركية المتعاقبة التي تلكّأت في الدخول باكرا في الحرب على “القاعدة” التي يتبيّن أكثر كلّما مرّ يوم أنّها مرتبطة، بطريقة أو بأخرى، بإيران التي أصبحت بين ليلة وضحاها الطفل المدلّل لإدارة أوباما.

ينمّ قانون “جاستا” عن مدى الجهل الأميركي في شؤون الشرق الأوسط والخليج. لو كانت الإدارة الحالية مهتمّة فعلا بمنع تمرير هذا القانون في الكونغرس، لكانت شنّت، في وقت باكر، حملة منظمة تستهدف جعل أعضاء مجلسي النواب والشيوخ يستوعبون أنّ الحملة على المملكة العربية السعودية سترتدّ على الولايات المتحدة التي تظلّ من أقدم الحلفاء في المنطقة. أكثر من ذلك، إنّ الحملة على السعودية تعتبر حملة على دولة مسلمة، بل على الدولة المسلمة الأهم، التي تقف على رأس التحالف الدولي ضد “داعش”. يضمّ هذا التحالف 67 دولة تأتي المملكة في مقدّمتها.

كانت على إدارة أوباما واجبات كثيرة تؤدّيها، قبل لجوء الرئيس الأميركي إلى “الفيتو” في مواجهة الكونغرس، وهو “فيتو” جاء بعد فوات الأوان. كان عليها أن تشرح لأعضاء مجلسي النوّاب والشيوخ، قبل حلول الموسم الانتخابي الذي يفتح الأبواب على كلّ نوع من المزايدات، لماذا لا توجد علاقة بين السعودية وأحداث الحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر وكيف أن المملكة لاحقت أسامة بن لادن منذ مطلع تسعينات القرن الماضي ونزعت عنه الجنسية. على العكس من ذلك، كانت السعودية ضحية إرهاب “القاعدة”. هناك عمليات مشتركة نفذّتها “القاعدة” بالتنسيق مع أدوات إيرانية استهدفت السعودية وأميركيين في السعودية. تكفي العودة إلى عملية الخبر في العام 1996 للتأكّد من ذلك.

يصعب تصوّر إلى أيّ حدّ يمكن أن تهبط القيم المرتبطة بالسياسة في الولايات المتحدة. ولكن في بلد، يمكن أن يصبح فيه دونالد ترامب رئيسا، بات كلّ شيء واردا، بما في ذلك أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط صارت تعتمد الطريق الأقصر لتشجيع الإرهاب. من يدعم إيران في العراق ويعقد معها صفقات من نوع تلك التي جاءت بنوري المالكي إلى موقع رئيس الوزراء وأبقته فيه إلى العام 2010، لا يحقّ له الشكوى من “داعش”. من يتغاضى عن”الحشد الشعبي” وممارساته في العراق، يدعم عمليا من يوفّر حاضنة لـ”داعش”.

من يتغاضى أيضا عمّا يفعله الإيراني والروسي في سوريا لا يحقّ له الكلام عن أنّه يخوض حربا على الإرهاب، أليس ما تفعله الطائرات الروسية والميليشيات التابعة لإيران في حلب إرهابا؟ هناك مدن سورية بكاملها يجري تدميرها عن سابق تصوّر وتصميم كونها سنيّة. هناك عملية تغيير لطبيعة سوريا وطبيعة تركيبتها السكّانية. تبدأ هذه العملية بتهجير السكان الأصليين من مدنهم وقراهم وإحلال آخرين مكانهم من منطلق مذهبي ليس إلّا. لا تصبّ ممارسات من هذا النوع سوى في تغذية التطرّف والإرهاب بكلّ أشكالهما، الإرهاب الشيعي والإرهاب السنّي في آن.

فضلا عن ذلك كلّه، من يهمل لبنان ويتركه تحت رحمة “حزب الله” وإيران، لا يحقّ له استهداف المملكة العربية السعودية التي سعت دائما إلى إعادة السلام والازدهار إلى هذا البلد الصغير بدل نشر البؤس فيه.

هذا غيض من فيض الممارسات الأميركية في الشرق الأوسط والخليج. آخر ما تحتاجه المنطقة هو حملة أخرى على المملكة العربية السعودية بهدف “شيطنتها” عبر تجاهل أنّها في الجانب الذي يحارب الإرهاب ويرفض الرضوخ له. ولكن ما العمل مع إدارة أميركية تخلّت عن مسؤولياتها وصار كلّ همّها محصورا في استرضاء إيران؟

كل ما يمكن قوله بعد قانون “جاستا” إنّ الرضوخ الأميركي للإرهاب بلغ مرحلة جديدة. هناك نوع من التخلي عن حليف في الحرب على الإرهاب من أجل حليف لا يعمل سوى على تشجيع الإرهاب والاستثمار فيه سياسيا. لا يزال أمرا محيرا كيف يمكن للدولة العظمى الوحيدة في العالم أن تبلغ هذا الدرك؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين إقرار جاستا والدعم الأميركي للإرهاب بين إقرار جاستا والدعم الأميركي للإرهاب



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 09:38 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 12:08 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

كيف نحمي أطفالنا من أخطار الانترنت ؟

GMT 10:51 2020 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

المحكمة تسقط التهمة عن سمية الخشاب

GMT 19:22 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تحديث واتساب الجديد يدعم ثلاث ميزات جديدة

GMT 20:55 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

أجمل إطلالات ربيعية للمحجبات لربيع وصيف 2018

GMT 03:15 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الضياعُ في عينيّ رجل الجبل *

GMT 10:42 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

طهران تنفي نية الرئيس حسن روحاني الاستقالة

GMT 13:08 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

وفاة الكاتب محمد حسن خليفة في معرض الكتاب

GMT 20:27 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ماسك العسل والجزر لبشرة خالية من العيوب
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya