اليمن أسير الحوثيين والفراغ

اليمن أسير الحوثيين والفراغ

المغرب اليوم -

اليمن أسير الحوثيين والفراغ

بقلم - خيرالله خيرالله

الحوثيون يسيطرون على صنعاء ويحبسون أنفاس الناس فيها منذ أربع سنوات ونصف سنة. هدفهم واضح كلّ الوضوح. إنه السلطة ولا شيء آخر غير السلطة، مستندين إلى ما يعتبرونه "حقا إلهيا".
لم يتغيّر شيء في اليمن كي ينفّذ الحوثيون (أنصار الله) الجانب المتعلّق بهم من اتفاق ستوكهولم. من يعتقد أن اتفاق ستوكهولم يمكن أن يجد طريقه إلى التنفيذ في ظل موازين القوى القائمة لا يعرف الكثير عن الحوثيين وأهدافهم، ولا عن طبيعة التحالف الضمني الذي عقدوه مع الإخوان المسلمين، أي التجمّع اليمني للإصلاح.

ما يدعو إلى تفادي التشكيك في وجود مثل هذا التحالف الجمود الذي يخيّم على جبهة نهم منذ سنوات عدّة، أي منذ استيلاء “أنصار الله” على صنعاء الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014. على سبيل المثال وليس الحصر كانت تلك الجبهة سهلة الاختراق في الأيّام التي سبقت إقدام الحوثيين على اغتيال علي عبدالله صالح في كانون الأوّل – ديسمبر 2017. حشد عبدالملك الحوثي كل ما لديه من قوات، وقتذاك، للانتهاء من الرئيس السابق الذي كان يعتبره وراء مقتل شقيقه. لكنّ السكون بقي مخيّما على تلك الجبهة. ويبدو واضحا، مع مرور الوقت، أنّ التواطؤ بين قسم من الإخوان و”أنصار الله” واقع لا يمكن تجاوزه. الواقع يقول أيضا إنّ الظروف غير مهيّأة للذهاب إلى أبعد من الجمود السائد، والذي في أساسه المناورات التي يقوم بها الحوثيون. الأكيد أن هذه المناورات ليست من صنعهم. هناك من يحرّكهم من طهران في وقت ليس معروفا ما الذي تريده الأمم المتحدة ومبعوث الأمين العام مارتن غريفيث الذي لا يزال يروّج، مدفوعا بحسن النيّة أو بسوئها، لصفقة مع “أنصار الله”.

لحسن الحظ، وفّر خطاب الملك سلمان بن عبدالعزيز في القمّة العربية – الأوروبية التي انعقدت في شرم الشيخ دليلا على أنّ المملكة العربية السعودية تعي، تماما، ما هو على المحكّ في اليمن. كان العاهل السعودي مباشرا في شرح الخطر الإيراني على السعودية وعلى كل دولة من دول الخليج العربي، انطلاقا من أرض اليمن.

 قال بالحرف الواحد “إن الحوثيين يتحمّلون مسؤولية ما يحدث في اليمن”، وأنّ الصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون تهدّد الملاحة البحرية في باب المندب: وأنّ ميليشيات الحوثي الإيرانية أطلقت أكثر من مئتي صاروخ باليستي إيراني الصنع في اتجاه المدن السعودية”. خلاصة الأمر أن إيران تحاور السعودية بلغة الصواريخ التي يطلقها الحوثيون من اليمن، وليس بلغة المنطق والسياسة. لغة الحوار الإيرانية هذه كانت وراء “عاصفة الحزم” التي انطلقت في آذار – مارس من العام 2015 والتي ترافقت مع تشكيل تحالف عربي. لم تكن من خيارات كثيرة أمام هذا التحالف غير العمل على احتواء سريع للخطر الإيراني الآتي من اليمن. وهذا ما حصل بالفعل. لكن إيران نجحت إلى حدّ كبير في التأقلم مع الواقع الجديد، مستفيدة إلى أبعد الحدود من الواقع الذي يعيش في ظله خصومها من اليمنيين أوّلا وترهّل ما يسمّى بـ”الشرعية” التي تشكل حاجة للتحالف العربي، لكنّها عبء بحدّ ذاته على اليمنيين أنفسهم الذين يعانون من سيطرة إيران على قسم من الأراضي اليمنية، بما في ذلك صنعاء.

ليس كلام سلمان بن عبدالعزيز مجرّد كلام. إنّه ينمّ عن وعي عميق لخطورة الحالة الحوثية التي تحتاج إلى علاج جذري من نوع مختلف كلّيا في ظلّ الرهان المستمر لإيران على أن في استطاعتها الاستثمار في مشروعها التوسعي. أجادت إيران، في إطار هذا المشروع، تجنيد ميليشيات مذهبية محلّية في لبنان وسوريا والعراق واليمن تحديدا. عرفت، في اليمن تحديدا، استغلال كلّ الثغرات كي تنفذ إلى النسيج الاجتماعي والعشائري والمناطقي.

كان حليفها الأوّل في كلّ ما فعلته غباء خصومها اليمنيين في معظم الأحيان. في النهاية، استطاع الحوثيون التحوّل إلى المنتصر الأوّل على علي عبدالله صالح بفضل الإخوان المسلمين. من لديه اعتراض على هذا الكلام، يمكن إحالته على ملفّ جريمة مسجد النهدين الواقع في حرم دار الرئاسة في صنعاء. كان ذلك في الثالث من حزيران – يونيو 2011 عندما حصل تفجير كبير في المسجد لدى أداء الرئيس اليمني السابق الصلاة مع عدد من كبار مساعديه.

ليس سرّا أن الإخوان المسلمين لم يكونوا بعيدين عن الجريمة التي أرادوا من خلالها تتويج الانقلاب، الذي باشروا تنفيذه في الشارع في شباط – فبراير من تلك السنّة. أرادوا التخلص جسديا من الشخص الذي اعتقدوا أنّه تحوّل عائقا دون وصول أحدهم، الشيخ حميد عبدالله الأحمر أو علي محسن صالح (نائب رئيس الجمهورية حاليا) إلى الرئاسة. حصلت أعجوبة. بقي علي عبدالله صالح على قيد الحياة حتّى يوم الثالث من كانون الأوّل – ديسمبر 2017 عندما أصبح كلّيا تحت رحمة الحوثيين الذين كانوا يعرفون تماما أنّه كان خصما حقيقيا لهم.

ينعقد هذه الأيّام في جنيف اجتماع للمانحين من أجل جمع مساعدات تخفف من معاناة اليمنيين. لا يمكن إلّا الترحيب بأيّ مساعدة يمكن جمعها لليمنيين، لكن الحاجة أكثر من أي وقت إلى إعادة النظر في الوضع اليمني ككلّ، أقلّه من زاويتين.

الأولى أنّ الحوثيين، ومن خلفهم إيران، غير مهتمّين بأي حلّ سياسي في ظل موازين القوى القائمة حاليا، واطمئنانهم إلى نيات الإخوان المسلمين والقوات التي في تصرّفهم والجبهات التي يتحكّمون بها. أمّا الزاوية الثانية، فهي زاوية “الشرعية”. هناك فراغ كامل على هذا الصعيد في غياب تجاهل تام لأي قوى حيّة قادرة على امتلاك مشروع سياسي لليمن كلّه في ظلّ صيغة جديدة. بكلام أوضح، ثمّة حاجة إلى إعادة تشكيل “الشرعية” مع ما يعنيه ذلك من استعانة بشخصيات لا علاقة لها بممارسات معيّنة ذات علاقة بـ“البزنس” أكثر بكثير من مستقبل اليمن واليمنيين.

ما يفترض ألّا يغيب عن ذهن أحد أن الحوثيين يسيطرون سيطرة كاملة على صنعاء ويحبسون أنفاس الناس فيها منذ أربع سنوات ونصف سنة. هدفهم واضح كلّ الوضوح. إنّه السلطة ولا شيء آخر غير السلطة، مستندين إلى ما يعتبرونه “حقّا إلهيا”. لم يخف عبدالملك الحوثي منذ اليوم الأول لسيطرته على صنعاء أنّ ما يحرّكه هو عامل الثأر. بالنسبة إليه، حلّت “ثورة 21 سبتمبر 2014” مكان “ثورة 26 سبتمبر 1962”. انتظروا 42 عاما ليقولوا إن العدالة الإلهية انتصرت. بات عبدالملك الحوثي يلقي في هذه الأيّام خطبا عن حقوق المرأة وعن مكانة مريم العذراء في القرآن! ليس الرجل الذي لا علاقة له سوى بثقافة الثأر أكثر من أداة تسعى جهة معروفة إلى تلميع صورته وتسويقه عالميا. المؤسف أن لا وجود لمبعوث للأمين العام للأمم المتحدة يدرك ذلك، أو أنّه يدرك ذلك أكثر من اللزوم، وأنّ اليمن لا يختزل بأزمته المستعصية لا بـ”أنصار الله” ولا بـ”شرعية” مهترئة لا تعرف سوى لغة واحدة هي لغة “البزنس”. ثمّة حاجة إلى أفكار خلاقة بما في ذلك التجرّؤ على السعي إلى تعديل القرار الأممي 2166، مع ما يعنيه ذلك من رفع للعقوبات عن شخصيات يمكن الاستفادة منها في سدّ الفراغ الذي تعاني منه “الشرعية”… ويا له من فراغ!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليمن أسير الحوثيين والفراغ اليمن أسير الحوثيين والفراغ



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 09:38 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 12:08 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

كيف نحمي أطفالنا من أخطار الانترنت ؟

GMT 10:51 2020 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

المحكمة تسقط التهمة عن سمية الخشاب

GMT 19:22 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تحديث واتساب الجديد يدعم ثلاث ميزات جديدة

GMT 20:55 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

أجمل إطلالات ربيعية للمحجبات لربيع وصيف 2018

GMT 03:15 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الضياعُ في عينيّ رجل الجبل *

GMT 10:42 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

طهران تنفي نية الرئيس حسن روحاني الاستقالة

GMT 13:08 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

وفاة الكاتب محمد حسن خليفة في معرض الكتاب

GMT 20:27 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ماسك العسل والجزر لبشرة خالية من العيوب

GMT 02:54 2019 الأحد ,21 تموز / يوليو

طريقة تحضير الدجاج على الطريقة الايطالية

GMT 22:16 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

لعبة ROME: Total War – Barbarian Invasion متاحة على أندرويد

GMT 00:45 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

أجمل وأفضل 10 أماكن سياحية عند السفر إلى السويد

GMT 01:55 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

ميرنا وليد تُؤكّد على أنّ "قيد عائلي" مكتوبٌ بحرفية عالية

GMT 10:55 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

اللون الأسود خياركِ الأول لأجمل عبايات مخمل شتاء 2019
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya