هل من علاج لأعطاب المجتمع المدني

هل من علاج لأعطاب المجتمع المدني؟

المغرب اليوم -

هل من علاج لأعطاب المجتمع المدني

بقلم :‎توفيق بوعشرين

على مدار أكثر من سنة اشتغل فريق من الخبراء والأكاديميين والناشطين المدنيين والسياسيين على فحص أعطاب المجتمع المدني المغربي
 والأسبوع الماضي وضع هؤلاء تقريرهم لدى وزارة العلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني، وقريبا ستأخذ توصيات هذا الحوار، غير المسبوق في المغرب والعالم العربي، شكل قوانين جديدة ومراسيم وخطة للنهوض بالمجتمع المدني.
فريق العمل كان يتكون من 63 عضوا يمثلون جل الطيف السياسي والإيديولوجي والفكري المغربي، وكانت مهمتهم الجواب عن سؤال كبير ومعقد جداً وهو: أي دور للمجتمع المدني في ظل الدستور الجديد؟
ترأس مولاي إسماعيل العلوي اللجنة العليا للحوار الوطني حول المجتمع المدني، وهو شخصية سياسية تحظى بالاحترام والتقدير من لدن كل الفرقاء، وشهد يوم الخميس الماضي بأن اللجنة اشتغلت باستقلالية عن الحكومة، وبتوافق عز نظيره في ببيئتنا. اشتغل، إلى جانب مولاي إسماعيل، اليساري والليبرالي والإسلامي والسلفي والقومي والأمازيغي، وأظن أنه بعد نشر مخرجات هذا الحوار فإن الكثير من سوء الظن الذي أحاط باللجنة يتضح أنه لم يكن له داعٍ، فالخلاصات التي خرجت من وسط الحوار توصي خيرا بالمجتمع المدني، وتدعو إلى رفع يد الحكومة ووزارة الداخلية عن ميلاد مؤسساته، وتدعو إلى الشفافية والحكامة في تدبير شؤونه، وتعزز سلطته من خلال توفير الكفاءات التي تشتغل داخله، وتوسيع حقه في التأثير على السياسات العمومية والقوانين الجاري بها العمل.
وقد استمعت اللجنة إلى أكثر من 10 آلاف جمعية عاملة في الحقل المدني، من أصل 100 ألف جمعية ونادٍ ومنظمة أهلية تشتغل اليوم في المغرب، وأنصتت إلى مشاكلهم مطالبهم وانشغالاتهم، وتمت بلورة خطة للنهوض بهذا المجتمع وحل مشاكله مع الإدارة، والإطار القانوني المنظم للعمل المدني والتمويل الداخلي والأجنبي.
سأقف هنا عند الأعطاب الكبرى التي وقفت عليها اللجنة، التي اشتغلت بتوافق بين أعضائها وبدون متاريس إيديولوجية أو سياسية، ما جعل هذا التمرين السياسي والفكري مكسبا مهما مغربيا في أجواء يراد لها أن تكون متوترة وحادة بين الإسلاميين والعلمانيين في هذا الظرف الدقيق.
1- ضعف استقلالية المجتمع المدني عن الدولة والأحزاب السياسية، ذلك أن أغلبية الجمعيات المدنية والروابط المهنية والأندية الرياضية والمنظمات الحقوقية... لا تتمتع بالاستقلالية الكافية إزاء الفاعل السياسي، أكان السلطة الحاكمة أم الأحزاب السياسية، وهذا ما يخل بأحد ثوابت وأساسات المجتمع المدني، وهو الاستقلالية.
2- العطب الثاني كان هو مشكلة التمويل الداخلي والخارجي، فمعظم مكونات المجتمع المدني المغربي تعيش حالة التبعية للجهات المانحة، وهذا ما يؤثر في جدول عملها وفي استقلاليتها وفي السمة التطوعية لعملها، علاوة على مس طابعها النقدي تجاه السلطة وتجاه القوى الكبرى في الخارج.. الذي يمول المجتمع المدني لا يفعل ذلك لوجه الله، بل يفعل ذلك لأهداف سياسية أو إيديولوجية أو دبلوماسية.
3- إشكالية التدبير الديمقراطي للحياة الداخلية لمؤسسات المجتمع المدني، حيث تدار جل الجمعيات بعقلية استبدادية من قبل رؤساء الجمعيات والحلقات الضيقة المحيطة بهم، إذ لا تحترم مواعيد مؤتمرات واجتماعات الأجهزة المسيرة للجمعيات، ولا التناوب على المسؤولية، ولا قواعد التشاور والتدبير الديمقراطي في اتخاذ القرارات. المجتمع المدني المغربي أصيب بأمراض السلطوية، وعوض أن يقاومها، صار يعيد إنتاجها بطرق أكثر ابتذالا مما تفعله السلطة أحيانا.
قناعتي بأن المجتمع المدني، في هذه الظروف، له دور كبير يلعبه في مرحلة الانتقال الديمقراطي الصعبة في المغرب وعموم البلاد العربية، وذلك من خلال تذويب الانتماءات الطبيعية للفرد (العائلة، القبيلة، الدين، العرق) في إطارات مدنية وتعاقدية جديدة في ظل الدولة الحديثة. هذا معناه أن المجتمع المدني يحول الصراعات في المجتمع من صراعات عمودية، على أسس الانتماء الديني والعرقي واللغوي والمذهبي، إلى صراعات أفقية على أساس المصالح والرؤى والأفكار والاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الصراعات العمودية في المجتمع تولد الحرب الأهلية، والصراعات الأفقية تخلق الديمقراطية.
عندما ندخل إلى نادٍ رياضي أو منظمة حقوقية أو جمعية لمحو الأمية أو رابطة للدفاع عن مرضى القصور الكلوي، فهذا معناه أننا، أولا، مواطنون أحرار، وأفراد نمتلك إرادة وعزيمة لدخول إطارات لم تولد معنا بل اكتسبناها، وثانيا، أننا نترك انتماءاتنا القبلية والدينية والقومية والأسرية خارج الجمعية أو المنظمة أو الرابطة، وثالثاً، أننا قادرون على إنشاء تعاقدات اختيارية بعيدا عن الدولة والقبيلة والعشيرة والأسرة والجماعة، ورابعا، أننا نتعلم في مؤسسات المجتمع المدني كيف ندافع عن حقوقنا، وكيف نتفاوض بيننا وبين الآخرين، وكيف نقدم تنازلات مشتركة، وكيف نخوض معارك فكرية وسياسية واجتماعية بدون سلاح ولا تكفير ولا تخوين ولا قتل ولا إقصاء.. من هنا تولد الديمقراطية في المجتمع قبل أن تولد في الدولة...

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل من علاج لأعطاب المجتمع المدني هل من علاج لأعطاب المجتمع المدني



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 17:57 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي التحدي يبرم عدة صفقات استعدادًا للدوري الليبي

GMT 21:00 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

ترامب ينشر خريطة دولة فلسطين وفقا لـ"صفقة القرن"

GMT 11:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

أسعار النفط ترتفع بسبب توقف خط أنابيب في بحر الشمال

GMT 02:55 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مجتمع اليخوت الفاخرة مقصد أصحاب لثروات في موناكو

GMT 23:36 2017 السبت ,30 أيلول / سبتمبر

أجزاؤها أشيائي

GMT 15:10 2015 الإثنين ,02 شباط / فبراير

سلطة العدس

GMT 17:34 2012 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

صوفيا فيرغارا في تصميم لزهير مراد

GMT 04:22 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

ضريح القديس يهوذا وحصنه الشاهق يزيّنان جانسي الهندية
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya