الديمقراطية ليست أكلة خفيفة

الديمقراطية ليست أكلة خفيفة

المغرب اليوم -

الديمقراطية ليست أكلة خفيفة

توفيق بو عشرين

قال زعيم حركة النهضة الإسلامية في تونس، راشد الغنوشي، لـ«رويترز»، بمناسبة الانتخابات البرلمانية في بلاده، الأسبوع المقبل، إن حزبه مستعد للمشاركة في حكومة ائتلاف وطني تضم الخصوم العلمانيين، وحتى أحزاباً يقودها مسؤولو الرئيس المخلوع بنعلي. وأضاف: «الوفاق هو الذي أنقذ تونس، ولا تزال البلاد بحاجة إليه بين الإسلاميين والعلمانيين. حتى بعد الانتخابات، لن نكون في وضع ديمقراطية مستقرة، بل هي ديمقراطية انتقالية، تحتاج إلى حكومة وحدة وطنية، تعالج تحديات عديدة، في ظل الوضع الإقليمي المضطرب».

الغنوشي، اليوم، هو السياسي الأكثر واقعية في العالم العربي، استفاد من تجربة السجن والنفي، لكن الأهم أنه رأى تجربة حكم «الإخوان» في مصر تنهار، ورآهم عاجزين عن إشراك خصومهم في الحكم. بلعوا من السلطة أكثر من قدرتهم على الهضم، وتصوروا، واهمين، أن ثورة 25 يناير فتحت مصر، في سنة ونصف فقط، على عهد ديمقراطي زاهر، تحكم فيه الأغلبية بمقتضى صناديق الاقتراع، وتعارض الأقلية فيه وفق الأعراف الديمقراطية، أما الجيش فيحرس الوطن لا السلطة، والحدود لا الثروة… هذا وهم كبير. الديمقراطية ليست أكلة خفيفة تعد بهذه السرعة. إنها نظام وثقافة وأعراف، تحتاج إلى مسار طويل لترسخ جذورها، وتحتاج إلى ثلاث ولايات انتخابية أو أربع ليستوي عودها، وتعطي ثمار المؤسسات التي تحمي الحرية، وترسم قواعد اللعبة في ضمائر الناس وعقولهم…

يقدم حزب النهضة في تونس، اليوم، دروسا مفيدة في مدرسة الانتقال الديمقراطي في العالم العربي، الذي لا يعرف إلا نوعين من الأنظمة السياسية: الاستبدادي الغاشم الذي عاش ويعيش في كنفه، والديمقراطي الكامل الذي يتابع أخباره في الفضائيات في أوروبا وأمريكا، أما الأنظمة الانتقالية التي تعبر المسافة الفاصلة بين الخروج من السلطوية ودخول الديمقراطية، فهي أنظمة ومراحل وفترات لا يعرفها الإسلاميون واليساريون والقوميون، ولا حتى الليبراليون. الكل يتصور أن اللعبة الديمقراطية هي 50 زائد واحد في انتخابات شفافة وكفى، وهذا خطأ قاتل. الـ49% التي خسرت في الانتخابات لن تقبل الهزيمة بسهولة، وتنزل إلى الميدان لإقناع الشعب بالتصويت لها في الانتخابات المقبلة. أبداً، المنهزمون، كما المنتصرون، يحتاجون إلى التدريب والتعلم على احترام النظام الديمقراطي وقواعد اللعبة، وإذا لم يتعلموا، فسيجبرهم الشعب على القبول بأصول العملية.

ليست السهولة التي تظهر بها عملية انتقال السلطة من حزب إلى آخر في أوروبا وأمريكا وعموم البلاد الديمقراطية بتلك الصورة البسيطة التي تتصورها القوى المتصارعة في بلادنا. التناوب السلس على السلطة، مثل حركة قطار سريع، يظهر، للوهلة الأولى، أنه يسير وحده، وأن حركته سلسة، وقيادته أسهل، والواقع غير ذلك. القطار يحتاج، أولاً، إلى سكة حديد صلبة، موضوعة على أرض منبسطة، ثم يحتاج إلى محرك قوي يجره، بقوة كبيرة، إلى الأمام، ثم إلى سائق حذر، يعرف ما يفعل، ومتى يتحرك، ومتى يقف، ومتى يرفع السرعة ومتى يخفضها. وفوق هذا وذاك، القطار وركابه وسائقه يحكمهم قانون للسير وضوابط للحركة، وتقاليد تراكمت في ذاكرة القطار، بفعل حوادث ومآسٍ عديدة إلى أن وصل إلى ما نراه.

الديمقراطية نظام متكامل، فيه دستور يشكل سلطان إرادة الأمة، وأحزاب تعكس ألوان الطيف في كل بلد، وحرية ليست محل تفاوض ولا تناوب ولا مساومة، ومؤسسات تضمن الفصل والتوازن بين السلطات، وصحافة ونقابات وجمعيات تشكل سلطة مضادة لسلطة من يحكم، وأصحاب رأي، يعبرون عن آرائهم من دون أن يخشوا على رؤوسهم، وفيه ميكانيزمات وآليات لإصلاح الخلل وتجاوز الأعطاب، وهذا كله لا يولد في يوم أو شهر أو سنة. لهذا، يدعو الغنوشي إلى ديمقراطية انتقالية، تدار بالتوافق والتراضي، إلى حين بناء المؤسسات وتثقيف الشعب ورسم قواعد اللعب، وبعدها ليتنافس المتنافسون على السلطة، فلا داعي للخوف.

عبد الإله بنكيران في المغرب يحاول أن يجرب الوصفة ذاتها لكن في مطبخ مختلف تماماً، فالمغرب لم يعرف ثورة، وحراكه بقي محدودا، والسلطة فيه انحنت للعاصفة، وها هي الآن ترفع رأسها وترجع للتفاوض على حجم الهامش الديمقراطي في بلادنا. اللعبة فتحت إلى أن دخل الإسلاميون إلى الحكومة ومرت العاصفة، ثم رجعت الأمور إلى سابق عهدها. انظروا إلى وزارة الداخلية تعلن حظرا عمليا على النشاط الحقوقي وتصفه بالعدمية، ناسية أن الديمقراطية تقبل بوجود العدمية، وتقبل بوجود حتى من لا يؤمن بالديمقراطية. العدمية رأي، وأول درس في حرية التعبير هو القبول بكل الآراء، وترك الشعب يحكم على الجميع في صناديق الاقتراع…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الديمقراطية ليست أكلة خفيفة الديمقراطية ليست أكلة خفيفة



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 09:38 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:48 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 12:08 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

كيف نحمي أطفالنا من أخطار الانترنت ؟

GMT 10:51 2020 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

المحكمة تسقط التهمة عن سمية الخشاب

GMT 19:22 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تحديث واتساب الجديد يدعم ثلاث ميزات جديدة

GMT 20:55 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

أجمل إطلالات ربيعية للمحجبات لربيع وصيف 2018

GMT 03:15 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الضياعُ في عينيّ رجل الجبل *

GMT 10:42 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

طهران تنفي نية الرئيس حسن روحاني الاستقالة

GMT 13:08 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

وفاة الكاتب محمد حسن خليفة في معرض الكتاب

GMT 20:27 2019 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ماسك العسل والجزر لبشرة خالية من العيوب
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya