وزير غير محظوظ

وزير غير محظوظ

المغرب اليوم -

وزير غير محظوظ

بقلم - توفيق بو عشرين

لم يكن وزير التعليم الجديد، سعيد أمزازي، محظوظا على الإطلاق، فمنذ الدقيقة الأولى لتعيينه، انهالت عليه التعليقات السلبية والتدوينات الساخرة، حول مبالغته في الركوع بين يدي الملك بالقصر الملكي بالبيضاء، مع أن أمزازي ليس مسؤولا وحده عن طقوس البرتوكول الملكي، وإن كانت دهشة البداية فعلت فعلتها.
لم يجلس أمزازي على كرسي الوزارة الشائك حتى أخرج «أصحاب الحسنات» فيديو قديما لأمزازي وهو يتظاهر أمام باب ثانوية ديكارت احتجاجا على رفع رسوم التسجيل في البعثة الفرنسية التي يدرس فيها أبناؤه الثلاثة، فاستعمل الناشطون في الفايسبوك هذا الشريط ضد الوزير، مع أن الجميع يقر بفشل المدرسة العمومية، وأن جل المغاربة القادرين على الدفع يضعون أبناءهم في مدارس البعثة أو مدارس القطاع الخاص، لأن «الوطنية» لا تعني المغامرة بمستقبل الأبناء، ودفعهم إلى مدرسة عمومية أفلست منذ عقود، ولم تعد قادرة على ضمان الحد الأدنى من الجودة في التعليم.
ليس أمزازي الوزير الوحيد الذي يدرس أبناؤه في البعثة الفرنسية، فجل وزراء هذه الحكومة والحكومات السابقة يدرس أبناؤهم عند الفرنسيين أو الإسبان أو الأمريكيين أو الإنجليز. الوزير الوحيد، في حدود ما أعرفه، الذي شعر بالحرج لما أصبح مكلفا بحقيبة التعليم، فأخرج ابنته من مدارس البعثة الفرنسية، وذهب بها إلى التعليم الخاص، هو الدكتور عبد الله ساعف، ولم يكن القرار بالنسبة له ولأسرته سهلا، لكنه امتلك الشجاعة ليتساءل مع نفسه: ‘‘كيف أقنع المغاربة بأني جئت لأصلح المدرسة العمومية، وابنتي تدرس في البعثة الفرنسية؟ هذا يضعف من مصداقية خطابي وجدية مشروعي’’… أكثر من هذا، نحن بلاد لا يخجل فيها عدد من الوزراء والسفراء وكبار المسؤولين من حمل جنسيتين في الوقت نفسه، واحدة مغربية والأخرى أوروبية أو أمريكية، لذلك، فإن قصة دراسة أبناء الوزراء في نظام التعليم الأجنبي تبدو مسألة تافهة أمام ازدواجية الجنسية والولاء في أحيان كثيرة.
المبالغة في الانحناء أمام الملك، ومكان دراسة أبناء الوزير، ليس أهم موضوع الآن على جدول أعمال المدرسة العمومية التي تحتضر.. الموضوع الآن هو: هل سنعتمد قانونا إطارا يقيد يد ورجل هذه الحكومة والحكومات المقبلة في قطاع التعليم، ويجعله تحت إشراف المجلس الأعلى للتعليم، وهو هيئة استشارية على رأسها مستشار ملكي، أم إننا سنبقى في ظل المرونة التشريعية السابقة، التي تعطي هامش الحركة للحكومات وللوزراء؟ بمعنى، هل سنبقى في إطار المقاربة «البرغماتية» التي لا تقيد الإصلاحات بقوانين إطار، أم سنتجه إلى المقاربة «الدوغمائية»، أو قل الصلبة، التي تقيد عمل الحكومات ضمانا لتراكم الإصلاحات؟
لكل مقاربة كلفة سياسية ومالية وإدارية (الملك الراحل الحسن الثاني، مثلا، كان ضد القوانين الإطار، وكان يعتبر أن هذه الفلسفة في التشريع تمنعه من الحركة والتكيف مع الأوضاع المستجدة، لذلك، لم يصادق البرلمان، طيلة عقود، سوى على عدد قليل جدا من القوانين الإطار في قطاعات محددة). هذا نقاش لا يوجد اليوم في الحكومة ولا في البرلمان ولا وسط الأحزاب والنقابات…
الموضوع الثاني المطروح على جدول أعمال الوزارة هو: هل سنعتمد الأداء للقادرين قبل إصلاح التعليم العمومي وإقرار الجودة، أم بعد تحقيق مشروع الإصلاح وظهور ثماره على أرض الواقع؟ ثم، إذا اختارت الدولة إنهاء المجانية الكلية في التعليم، فمن سيدافع عن هذا القرار غير الشعبي؟ لقد كان واضحا السبب وراء إسقاط هذا البند من المجلس الوزاري الأخير، فالحكومة الحالية، وبالنظر إلى ضعفها وارتباكها، غير قادرة على الدفاع عن وقف المجانية الكلية، واعتماد الأداء بالنسبة إلى الطبقة الوسطى، التي تتعرض لضغط شديد منذ سنوات.
ثالث نقطة على جدول الأعمال، هل ستستمر سياسة الحزم الأمني داخل مؤسسات التعليم، وفرض الانضباط على التلاميذ والأساتذة بالقوة، أم سيتم اللجوء إلى طرق ناعمة أخرى، حتى لا تنشب معركة بين الوزارة وبين ربع مليون رجل وامرأة تعليم، موزعين على أكثر من 12 ألف مدرسة وإعدادية وثانوية. لقد بدأت ردود الفعل العنيفة تجاه سياسة حصاد تظهر قبيل ذهابه، وبدأ رجال التعليم يلقبون الوزير المقال بـ«وزير الداخلية المنتدب في التعليم»، بل بدأ البعض يرشقه بالحجارة أثناء زيارته بعض المدارس في القرى والمدن الصغيرة.
التعليم كان ولايزال حجرا كبيرا في الحذاء المغربي منذ الاستقلال، وإلى اليوم تراكمت أدبيات كثيرة حول الأزمة، ولم تنفع كل الحلول، ليس لأنها كلها فاشلة، ولكن لأن جودة التعليم من جودة بيئته ومجتمعه وأسره واقتصاده وثقافته ووعيه. لكل شعب المدرسة التي يستحقها، واليوم ليست الدولة فقط هي العاجزة عن إصلاح التعليم بسبب أخطائها الكارثية، لكن المجتمع أيضا عاجز عن الوفاء بدوره في العملية التعليمية… عندما يدفع الآباء والأمهات بأبنائهم إلى المدرسة العمومية، ويتوقفون عن متابعتهم وإسنادهم ومراقبتهم وتشجيعهم وتحفيزهم على الانخراط في العملية التعليمية، وإعطاء المدرسة ما تستحقه من هيبة واحترام، فإن المدرسة لا يمكن أن تقوم وحدها بمهمة معقدة وصعبة ومكلفة مثل التربية والتكوين، لذلك، فإن المسؤولية مشتركة بين ثلاثة أطراف؛ الأول هو الحكومة، والثاني هو الأسرة والطرف الثالث هو فئة رجال ونساء التعليم، المفروض أن يسايروا عملية الإصلاح لا أن يقفوا في وجهها… للأسف، الجميع متواطئ اليوم في جريمة قتل المدرسة، فلا تعلقوا أمزازي في المشنقة قبل حتى أن يضع يده في العصيدة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وزير غير محظوظ وزير غير محظوظ



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:30 2021 الأحد ,03 كانون الثاني / يناير

الوفاق تُعطل قرار فرض رسوم على مبيعات الدولار "مؤقتًا"

GMT 06:29 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

اليك طريقة عمل افضل كريم مقشر للجسم

GMT 12:58 2018 الخميس ,27 أيلول / سبتمبر

جريمة قتل بشعة تثير ضجة في مدينة ورزازات

GMT 06:19 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

منافسة مهمة بين 16 جوادًا على كأس أحمد بن راشد

GMT 21:01 2014 السبت ,16 آب / أغسطس

الطباهج الليبي

GMT 14:00 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ليال عبود في طرابلس للمشاركة في معرض "الأعراس"

GMT 05:22 2017 السبت ,20 أيار / مايو

رسائل من "التنف"

GMT 04:06 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

"ترنتي ميرور" تأمل في شراء مجموعة صحف جديدة في انجلترا

GMT 23:38 2016 الخميس ,22 أيلول / سبتمبر

5 أسباب صحية للنوم عارية

GMT 07:22 2016 الخميس ,11 آب / أغسطس

سلاح الجو الأميركي ينقصه 700 طيار حربي

GMT 19:28 2016 الثلاثاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

برج التنين.. قوي وحازم يجيد تأسيس المشاريع

GMT 06:53 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هيرفي رونار "الثعلب" الذي أعاد للأسود شراستها

GMT 22:46 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

ثلاث شرطيات مغربيات يتعرضن للتحرش الجنسي

GMT 00:31 2017 الأربعاء ,13 أيلول / سبتمبر

تعرف على أسعار ومميزات هاتف "آيفون X " من آبل

GMT 03:25 2017 الثلاثاء ,28 شباط / فبراير

النجمة ريهام حجاج حبيبة عمرو سعد في "وضع أمني"

GMT 02:13 2017 الثلاثاء ,26 أيلول / سبتمبر

غطاء "أيفون 8" الزجاجي صعب الإصلاح حال تحطّمه

GMT 03:28 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عرض لوحات مرعبة للفنّان إنسور في معرض الأكاديمية الملكية

GMT 03:18 2016 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

أسماء الخمليشي تنشر صورة تعبر فيها عن رياضتها المفضلة

GMT 09:28 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن وبكين توقعان عقودًا تجارية بقيمة 253.4 مليار دولار
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya