العثماني الحكواتي والوزير الصحافي

العثماني الحكواتي والوزير الصحافي

المغرب اليوم -

العثماني الحكواتي والوزير الصحافي

توفيق بو عشرين

هل قرأتم البيان الأخير الصادر عن اجتماع المجلس الحكومي الأخير؟ أعرف أن جل القراء لا يتابعون البيانات الرسمية، ولا يقدرون على قراءة البلاغات الطويلة والمملة، التي بدأت رئاسة الحكومة تكتبها عن اجتماعاتها الأسبوعية بنبرة تمجيدية وأسلوب إنشائي يعود إلى ما قبل اختراع علم التواصل السياسي… لكن، ليس هذا هو المهم في اجتماعات المجالس الحكومية التي حولها الطبيب النفسي، سعد الدين العثماني، إلى حصص للكلام، ومجالس للدردشة وإلقاء العروض الطويلة، والتي لا يتبعها أي قرار، وكأن رئيس الحكومة صار أستاذا لمادة الاجتماعيات وليس رجلا للقرار العمومي.
في الاجتماع الأخير للمجلس الحكومي، خصص العثماني ربع الاجتماع للتنويه بخطاب الملك حول الصحراء، ونبرة الحزم التي ميزته، والثوابت التي وقف عندها، وقال لنا إنه يتابع مشاريع النموذج الاقتصادي الجديد في الصحراء، لكنه لم يقدم لنا رقما ولا معلومة، ولا حتى عن المرحلة التي وصل إليها هذا المشروع الذي مازال حبيس الورق، والذي قيل إن ميزانيته تصل إلى 7.5 ملايير دولار (لا يعرف أحد من أين ستأتي ولا كيف ستصرف). بعدها أعطى العثماني الكلمة لوزيره في النقل والتجهيز، عبد القادر عمارة، ليعطي زملاءه الوزراء تقريرا صحافيا عن مجريات مؤتمر الاقتصاد الأخضر في دبي، فقال لهم المراسل الجديد إن 2000 مشارك حضروا المؤتمر من 65 دولة، يمثلون القطاعين العام والخاص، وفيهم رجال أعمال وسياسة ومجتمع مدني. ثم مر الوزير الصحافي إلى إعطاء زملائه التعاريف الأكاديمية التي أطلقت على الاقتصاد الأخضر في مؤتمر دبي، ثم انتقل الوزير الصحافي إلى شرح معنى التنافسية الخضراء، ودورها في خلق مناصب الشغل والنهوض بالأمم. وقبل أن ينهي عرضه الطويل، عرج على ذكر «الاختيار الإرادي بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، لمسار التنمية المستدامة، وذلك بالمصادقة على الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، ومحورها الاقتصاد الأخضر، للشروع في التحول نحو الاقتصاد الأخضر في جل القطاعات: الفلاحة والماء والصناعة والبيئة والسياحة والتكنولوجيا، وإعطاء الأولوية لمجال الطاقة، خصوصا الطاقات المتجددة، حيث سيتم رفع حصة الطاقات المتجددة إلى نسبة 52% في أفق 2030، واعتماد استراتيجية للنجاعة الطاقية لتحقيق اقتصاد 20% في أفق 2030» (عن بيان المجلس الحكومي ودون تصرف).
هذا ليس كل شيء، فالوزير عمارة وضع زملاءه، أيضا، في صورة المائدة المستديرة التي شارك فيها حول التغيرات المناخية، وأترك لكم المجال لتتصوروا المقاطع التي قالها، والخطب التي استشهد بها، والاستراتيجيات التي بسطها أمام مجلس وزاري دون شغل ولا مشغلة، ولا أعرف من أين أتى باقي الوزراء ببرودة الدم لكي يحجموا عن إيقافه، ويقولوا له: ‘‘لماذا تضيع وقتنا بمثل هذه التقارير الموجودة في الوكالات الإخبارية؟’’. هل أكمل لكم ما دار في المجلس الحكومي، أم أتوقف هنا دون أن أعرج على العروض التي تقدم بها وزير الدولة في حقوق الإنسان عن التعذيب في المغرب، أو النوايا الطيبة التي ذكرها كاتب الدولة في التعليم العالي بخصوص العنف ضد رجال التعليم.
ربما تتساءلون عن نوع القرارات التي اتخذها المجلس الحكومي، أو مشاريع القوانين التي دفع بها إلى البرلمان لتفعيل البرنامج الحكومي وإصلاح قطاعات كثيرة تشكو أعطابا بلا حصر، وتنتظر تحريك الآلة التشريعية لعلاج الاختلالات الكبيرة التي تضرب البلاد. توقفوا عن الحلم، لا شيء يوجد من هذا، وإليكم فقرة من البيان الحكومي المجيد: «إثر ذلك تدارس المجلس، وقرر إرجاء المصادقة على مشروع قانون رقم 48.17 بإحداث الوكالة الوطنية للتجهيزات العامة، ويهدف إلى تحويل الإطار المؤسساتي لمديرية التجهيزات العامة، التابعة لوزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء، إلى وكالة وطنية تسمى: «الوكالة الوطنية للتجهيزات العامة».. مشروع قانون يتيم عرض على المجلس الحكومي ولم يكتب له المرور بعد ذلك، وصادق المجلس العظيم على إطلاق دراسة ومرسومين وتعيين مديرين صغار في وزارة الفلاحة، ثم ختم المجلس بـ«سبحان ربك رب العزة عما يصفون».
حصيلة هذا المجلس الحكومي ليست استثناء، ويكفي الرجوع إلى المجالس الحكومية السابقة للوقوف على هزالة جدول أعمالها، وتواضع حصة مشاريع القوانين بها، أما التعيينات في المراكز المهمة فلا تسأل عنها، فالعثماني يتصرف وكأنه رئيس حكومة تصريف أعمال، في انتظار ماذا سيقرر الملك في مشروع خريطة الزلازل الموعودة، وماذا سيقرر المؤتمر الثامن للعدالة والتنمية بخصوص مستقبل بنكيران، الذي لا يريد أن يموت سياسيا قبل أجله الطبيعي. الباقي لا أهمية له، وعوض أن يلوم العثماني نفسه وفريقه الوزاري المعطوب، يلقي اللوم على عدم مساندة حزب المصباح لحكومته، ويعلن، في كل مرة، استعداده للاستقالة إذا كان هذا هو قرار الحزب.
الحزب لن يفيد حكومة خرجت من الخيمة مائلة، وحتى لو اجتمع أعضاؤه، البالغ عددهم 60 ألفا أو يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا، وشرعوا في قراءة الأوراد واللطيف كل صباح عند مكتب العثماني في المشور السعيد، فإن ذلك لن يغير من الأمر شيئا، ولن يبدل من حكم الشعب. هذه حكومة استدعيت لمهمة محددة، وهي دفن مرحلة الربيع العربي، وشق حزب المصباح، وإحالة زعيمه على التقاعد القسري، وتمهيد الطريق لعودة السلطوية، والباقي تفاصيل بلا قيمة، لذلك تحول الوزراء إلى مراسلين جائلين، ورئيس الحكومة إلى حكواتي وديع، في حين أن القرار الحقيقي يوجد خارج مكاتب العثماني، كان الله في عونه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العثماني الحكواتي والوزير الصحافي العثماني الحكواتي والوزير الصحافي



GMT 08:07 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أخبار مهمة أمام القارئ

GMT 08:04 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الإمارات والأردن.. توافق لأمن المنطقة

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسوأ عقاب أوروبى لأردوغان

GMT 07:59 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لهذا تقود أمريكا العالم!

GMT 07:57 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر الحلقة المقفلة في اليمن

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 17:57 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي التحدي يبرم عدة صفقات استعدادًا للدوري الليبي

GMT 21:00 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

ترامب ينشر خريطة دولة فلسطين وفقا لـ"صفقة القرن"

GMT 11:26 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

أسعار النفط ترتفع بسبب توقف خط أنابيب في بحر الشمال

GMT 02:55 2017 الأربعاء ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مجتمع اليخوت الفاخرة مقصد أصحاب لثروات في موناكو

GMT 23:36 2017 السبت ,30 أيلول / سبتمبر

أجزاؤها أشيائي

GMT 15:10 2015 الإثنين ,02 شباط / فبراير

سلطة العدس

GMT 17:34 2012 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

صوفيا فيرغارا في تصميم لزهير مراد

GMT 04:22 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

ضريح القديس يهوذا وحصنه الشاهق يزيّنان جانسي الهندية

GMT 22:06 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

صلاح الدين بصير شبح أسود لحراس المرمى

GMT 15:09 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

إحباط سرقة سيارة لنقل الأموال في أيت أورير ضواحي مراكش
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya