الوهم ليس صناعة قابلة للتسويق

الوهم ليس صناعة قابلة للتسويق

المغرب اليوم -

الوهم ليس صناعة قابلة للتسويق

بقلم - توفيق بو عشرين

الخوف الذي ركب المغاربة من وراء قرار تعويم الدرهم يخفي حقائق مؤلمة عن حصيلة حكومات متعاقبة، وعن اقتصاد هش، وميزان تجاري مختل، وقيمة مضافة غائبة.

حتى الذين لا يجدون ما يكفي من الدراهم لسد حاجيات يومهم خائفون من تعويم العملة المحلية، ويتوقعون الأسوأ من وراء سياسة الصرف المرن التي أقرتها الحكومة بعد شهور من التردد.

نعيش في اقتصاد مختل طوال العام، نستورد ما قيمته 434 مليار درهم ونصدر ما قيمته 244 مليار درهم فقط ويغرق ميزاننا التجاري مع الخارج في عجز يبلغ سنويا 189 مليار درهم مع زيادة 2٫6 % تقريبا كل سنة.

من أهداف تعويم الدرهم، التقليل من استيراد الكماليات من الخارج، ودفع المستهلك إلى الإقبال على المنتوج الداخلي رغم رداءته… وهذا ترقيع لن يحل المشكل بنيويا، تماما كما فعلت الحكومة عندما وضعت حواجز جمركية أمام المنتوجات التركية التي توسعت في السوق المغربي بسهولة كبيرة، كما حصل قبل سنوات مع المنتوجات الصينية وقبلها الأوروبية. الفرق أن المنتوج التركي يستهدف الفئات الوسطى، والمنتوج الصيني يستهدف الفئات الفقيرة، والمنتوج الأوروبي يستهدف الأسر الميسورة، بتعبير العثماني.

المقاولات المغربية هربت منذ سنوات طويلة من الصناعة، خفيفة وثقيلة، واتجهت إلى العقار الذي يبيض ذهبا، والأبناك التي تحصد مليارات الدراهم من الأرباح دون قانون ولا رقابة ولا معقول، والتأمينات التي تحصد الملايير من الدراهم دون رقابة الدولة ولا حماية للمستهلك.

نعيش في ظل اقتصاد هش ومشوّه، والدولة هي التي شجعته، ومنحت أصحابه امتيازات كبيرة في الأرض وفي الضريبة وفي القانون، والنتيجة أننا أصبحنا أمام اقتصاد خدمات هش لا يوفر قيمة مضافة لاقتصاد البلد، ولا يوفر فرص شغل مهمة، ولا يراكم خبرات متقدمة، وفي المقابل جرى تفويت الصناعات الغذائية والألبسة والتجهيز والإلكترونيات والسيارات… إلى المنتج الأوروبي أو الصيني أو التركي أو الكوري أو الأمريكي…

المشكل أن وتيرة الاستهلاك تزيد، ووتيرة التصدير تقل، فباستثناء الفوسفاط الذي يشكل أكثر من 20 % من صادراتنا، وسيارات رونو التي تصنع جزئيا في طنجة، والسمك والطماطم والبرتقال وبعض المنتوجات النسيجية، لا نصدر شيئا ذا قيمة مضافة إلى العالم، ولا نطور خبرات أو تكنولوجيات أو اختراعات أو ابتكارات في مجال الاقتصاد الذكي، الذي ينتج اليوم قيمة مضافة كبيرة حول العالم، كما تفعل دول صغيرة في مجال البرمجيات، مثل سويسرا وإسرائيل والسويد وغيرها.

المجموعات الأربع الأولى في المغرب، التي تصل ثروتها إلى أكثر من ملياري دولار، تستثمر إما في القطاع البنكي أو العقاري أو توزيع المحروقات أو التأمينات أو الفنادق… لا توجد صناعة على جدول استثمارات هذه المجموعات، وعندما تسألهم يقولون: «إن الدولة لا تشجع الاستثمار في الصناعة، وقانون الشغل لا يوفر مرونة في الدخول والخروج من المصنع، والجمارك مفتوحة على مصراعيها لمنتوجات منافسة ورخيصة، والمدرسة ومعاهد التكوين لا تعطيك يدا عاملة مدربة».

لماذا يتعب مول الشكارة نفسه في قطاع معقد كالصناعة، وأمامه العقار والبنك والتأمين والتوزيع، والقطاع غير مهيكل ومليارات الدعم وصفقات القطاع العمومي وكلها تبيض ذهبا، خاصة عندما يكون وراء هذا النوع من الاقتصاد الخدماتي الريعي لوبي سياسي نافذ يدافع عنه، ويبسط تحت قدميه زربية حمراء.

ما يعانيه الاقتصاد الوطني اليوم هو نتيجة اختيارات سياسية متناقضة جدا، فلا هي رأسمالية مائة في المائة تترك للسوق أن ينظم قانون العرض والطلب وتلعب الدولة دور le régulateur، ولا هي اشتراكية تجعل السوق في يد الدولة، مقابل الالتزام بضمان حد أدنى من سد حاجيات المواطنين… نحن أمام اقتصاد ريعي هش.

منذ سنوات والدولة تدفع مليارات الدولارات إلى صندوق المقاصة، لنكتشف أن الأغنياء وشركات المحروقات هم من استفاد من ملياراته التي خرجت من الموازنة باسم الفقراء! منذ سنوات والدولة تخصص أغلفة بالمليارات من أجل دعم بعض القطاعات لكي تقف على رجليها، لنكتشف بعد مدة طويلة أنها غير قادرة على منافسة أحد، وأن أموال الدعم تسربت إلى جيوب أصحاب المقاولات، الذين هربوا أموالهم إلى الخارج. منذ سنوات والدولة تتبع سياسة الإعفاءات الضريبية لقطاعات بعينها من أجل النهوض بها، وإذا بنا نكتشف أن أرصدة أصحابها هي التي نهضت، أما المقاولات فكانت ومازالت مفلسة… إنه اقتصاد الريع الذي يتغذى من نظام «سلطوي» تختلط فيه السياسة بالمال، والبزنس بالسلطة، فيغرق الجميع في تضارب مصالح أوضح من شمس غشت.

تعويم الدرهم، الذي سيزداد هامشه سنة بعد أخرى، هو إجراء تقني، ولن يحل المشكلة من أصلها. الحل هو إعادة النظر في النموذج الاقتصادي برمته، وقبله إظهار إرادة سياسية واضحة للقطع مع النموذج الاقتصادي القديم… لكن سؤال: أليس من باب تسويق الوهم أن يرفع الجميع شعار نموذج اقتصادي جديد، والدولة عاجزة عن مجرد تنصيب مجلس منافسة جديد بعدما انتهت صلاحية القديم؟ هو سؤال للتأمل فقط.

نقلا عن اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوهم ليس صناعة قابلة للتسويق الوهم ليس صناعة قابلة للتسويق



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:08 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العذراء

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 14:43 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

قائمة بأسماء أفضل المطاعم في مدينة إسطنبول التركية

GMT 23:38 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

9 أسباب لفشل عمليات أطفال الأنابيب

GMT 11:09 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

كلويه CHLOE عطر بروح الأناقة من "نو مايد "

GMT 16:16 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

دبي تقدم أغلى عطر في العالم "شموخ "

GMT 07:03 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تذوق أشهى الأطعمة والمشروبات الساخنة في "نوفوسيبرسك"

GMT 15:32 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

برنامج طبي خاص للاعب طائرة الأهلي عبدالحليم عبو

GMT 22:34 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع مخزونات النفط الأميركي الخام إلى 6.490 مليون برميل

GMT 08:39 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الياباني يوشيهيتو نيشيوكا يحصد لقب بطولة شينغن للتنس

GMT 13:56 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف يؤكّد أن عمر جمال يملك عرضًا للرحيل

GMT 04:51 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

تعرفي على أهم العطور المفضلة لدى المشاهير

GMT 02:00 2018 الأربعاء ,28 شباط / فبراير

ديكورات مثيرة لحمامات كلاسيكية باللون الرمادي

GMT 01:32 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

لسه فاكر

GMT 15:46 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

الكاتب مصطفى محرم يُشير إلى أقرب الأعمال إلى قلبه

GMT 05:18 2013 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"تويوتا" FCV تستعرض تقنية خلايا الوقود وستطرح

GMT 18:18 2016 السبت ,21 أيار / مايو

بريشة:سعيد الفرماوي

GMT 16:29 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

إيطاليا تدعو إلى استئناف إنتاج وتصدير النفط الليبي دون شروط
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya