انتهى كلام وبدأ كلام آخر

انتهى كلام وبدأ كلام آخر

المغرب اليوم -

انتهى كلام وبدأ كلام آخر

بقلم - توفيق بو عشرين

في خطابه أمام المجلس الوطني الأخير لحزب العدالة والتنمية، قال بنكيران إنه «مستعد للتضحية برئاسة الحكومة من أجل مصلحة البلاد، ومن أجل أن تبقى رؤوس المغاربة الذين صوتوا لحزبه مرفوعة». ومساء الأربعاء تحققت نبوءة بنكيران، وخرجت رئاسة الحكومة من يده دون أن يقدم استقالته، وأصبح الجميع ينتظر معرفة الاسم الذي سيحظى بثقة الملك محمد السادس ليجرب حظه في ما فشل فيه بنكيران.

ليلة الأربعاء كانت ليلة طويلة سهر فيها المغاربة يحللون ويناقشون ويتبادلون الرأي حول بلاغ الديوان الملكي، الذي نقل قرار الجالس على العرش التخلي عن زعيم العدالة والتنمية، والمرور إلى اسم آخر من البيت نفسه، حتى تبقى البلاد في روح الفصل السابع والأربعين من الدستور. لكن، قبل التعليق على جوهر القرار، لنعرض بعض الملاحظات على الشكل المكتوب وغير المكتوب لعملية صرف بنكيران من الخدمة.

أول ملاحظة يقف عندها المراقب لنظام الرموز، التي تستعملها «دار الملك» إزاء رعاياها، هي امتناع الملك شخصيا عن لقاء بنكيران، وتكليف أربعة مستشارين بتبليغه بالخبر المفاجئ، وهم فواد عالي الهمة وعبد اللطيف المنوني وعمر عزيمان ومحمد القباج. في الغالب، لم يكن الملك يريد أن يبلغ بنفسه القرار لرئيس حكومته، ربما لطفا منه، أو ابتعاده عن الحرج، أو تعبيرا عن الضيق من الوافد الجديد على دار المخزن، الذي وصل إلى ما يشبه القطيعة مع القصر حتى قبل إجراء الانتخابات. ثاني ملاحظة أن بلاغ الديوان الملكي، وعلى غير العادة، كان طويلا، ويتضمن شروحات وسياقا ومبررات لاتخاذ قرار مماثل.. القرار الذي نزل كالصاعقة على حزب العدالة والتنمية وأنصاره، وهذا أمر جديد في أسلوب تواصل الملك مع شعبه، بدون شك أملته الظروف وطبيعة القرار ووزن المعني به في الشارع، أما ثالث ملاحظة، فهي امتناع بنكيران عن التعليق على قرار الملك الذي أثر فيه ولا شك، وهو الذي كان ينتظر من القصر أن يساعده على تجاوز البلوكاج، وليس تحميله مسؤولية الأزمة، إذ اكتفى رئيس الحكومة السابق بتصريح مقتضب لوكالة رويترز هو: «الملك اتخذ قراره، وأنا ذاهب لأتوضأ من أجل الصلاة».

من حيث الجوهر، فإن قرار الملك، طَي صفحة بنكيران والمرور إلى اسم آخر من داخل الحزب، مع الإشارة إلى وجود خيارات دستورية أخرى، معناه أن مرحلة انتهت، وأن مرحلة أخرى بدأت، وأن الوقت جاء لتثبيت ميزان القوى الجديد، وقراءة حقائقه بعيدا عن الربيع العربي، وبعيدا عن موجة التصويت السياسي التي قادت حزب المصباح إلى تسجيل انتصارات غير مسبوقة في ثلاثة استحقاقات انتخابية متتالية في 2011 و2015 و2016. أما الدلالة الثانية لبلاغ الديوان الملكي، الذي سيدخل إلى قائمة البلاغات المهمة، فهي أن القصر لم يعد قادرا على الاشتغال مع بنكيران كشخص. فبنكيران، الذي ازدادت شعبيته في الشارع، وازداد إصراره على «الممانعة» وعلى اجتراح خطاب شعبي، لم تعد نبرته تروق دار المخزن، حتى مع ولاء بنكيران غير المشكوك فيه للملكية، وحبه لمحمد السادس، كما يعلن ذلك صباح مساء. أما ثالث دلالة حملها بلاغ ليلة الأربعاء إلى المغاربة، فهي أن البلوكاج وصل إلى نهايته، وأن الملك سيبحث عن حل لهذه الأزمة، بعدما ترك الأمر للأحزاب لكي تجد مساحة توافق بينها، لكنها عجزت عن ذلك، وعطلت عجلة البلاد لمدة خمسة أشهر وزيادة، والبداية ستكون بتعيين رئيس جديد للحكومة من الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات، ما يعني أن القصر متشبث بالمتن الدستوري، في الشكل على الأقل، ويحاول إيجاد حل من داخله، وإلا فإن خيارات دستورية أخرى متاحة، وأنا شخصيا لا أرى إلا خيارا واحدا متاحا من داخل الدستور، هو حل البرلمان وإعادة الانتخابات، وإلا فإن تعيين شخصية من الحزب الثاني أو الثالث أو الرابع أو الخامس أمر غير ممكن سياسيا، وتعيين تقنوقراطي في رئاسة الحكومة أمر غير ممكن دستوريا.

التلويح بوجود خيارات أخرى، غير تعيين شخصية ثانية من المصباح على رأس الحكومة، هو رد استباقي من القصر على موقف العدالة والتنمية في حال جنوحه إلى رفض القرار الملكي، وتشبثه ببنكيران، أو بخيار الذهاب إلى المعارضة، ومفاده: ‘‘إنكم إذا لم تقبلوا بالأمر الواقع، فهناك خيارات أخرى’’، لكن، شخصيا، لا أرى أن الدولة قادرة في هذه المرحلة على ترك العدالة والتنمية ينزل إلى المعارضة ليواجه حكومة مشكلة من أحزاب هشة بلا قاعدة اجتماعية ولا سمعة سياسية، كما أن نزول المصباح إلى المعارضة معناه إعطاء قبلة الحياة لبنكيران ليعود بقوة إلى المشهد السياسي، ليمارس الوظيفة التي يتقنها أكثر من غيرها.

الطريق ليست سالكة بعد نحو تشكيل الحكومة الجديدة بمشاركة المصباح أو بدونها، والعبء الكبير سينزل على خليفة بنكيران الذي سيواجه صعوبات كبيرة ليثبت أولا أنه «ليس بنعرفة العدالة والتنمية»، كما قال الرميد قبل أسابيع، وأنه سيبقى وفيا للخط السياسي الذي نهجه الحزب في عهد بنكيران، وفي الوقت ذاته على رئيس الحكومة المقبل أن يقدم للدولة العربون عن أنه مختلف عن بنكيران شكلا ومضمونا، في الوقت الذي مازال فيه بنكيران يحظى بشعبية ونفوذ كبيرين في الحزب وخارجه.

يوجد حزب العدالة والتنمية اليوم في مفترق طرق حساس، وأمامه إكراهات عدة، فمن جهة هو لا يريد القطيعة مع القصر، ومن جهة أخرى هو لا يريد التفريط في استقلالية قراره ولا في وحدة صفوفه، وبين كل هذا هناك طموحات وأطماع ومخاوف مما يعتري نفوس البشر، كل البشر، أما حكاية الانتقال الديمقراطي، فهي حكاية لا محل لها من الإعراب الآن.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتهى كلام وبدأ كلام آخر انتهى كلام وبدأ كلام آخر



GMT 04:47 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

المجلس الوطني: عن «الضرورة» و«الفزاعة»

GMT 03:23 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

مؤتمر الصحون الطائرة

GMT 06:27 2017 الثلاثاء ,21 آذار/ مارس

في البلاد حزب يحاور الملك

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:08 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العذراء

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 14:43 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

قائمة بأسماء أفضل المطاعم في مدينة إسطنبول التركية

GMT 23:38 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

9 أسباب لفشل عمليات أطفال الأنابيب

GMT 11:09 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

كلويه CHLOE عطر بروح الأناقة من "نو مايد "

GMT 16:16 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

دبي تقدم أغلى عطر في العالم "شموخ "

GMT 07:03 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تذوق أشهى الأطعمة والمشروبات الساخنة في "نوفوسيبرسك"

GMT 15:32 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

برنامج طبي خاص للاعب طائرة الأهلي عبدالحليم عبو

GMT 22:34 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع مخزونات النفط الأميركي الخام إلى 6.490 مليون برميل

GMT 08:39 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الياباني يوشيهيتو نيشيوكا يحصد لقب بطولة شينغن للتنس

GMT 13:56 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف يؤكّد أن عمر جمال يملك عرضًا للرحيل

GMT 04:51 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

تعرفي على أهم العطور المفضلة لدى المشاهير

GMT 02:00 2018 الأربعاء ,28 شباط / فبراير

ديكورات مثيرة لحمامات كلاسيكية باللون الرمادي

GMT 01:32 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

لسه فاكر

GMT 15:46 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

الكاتب مصطفى محرم يُشير إلى أقرب الأعمال إلى قلبه

GMT 05:18 2013 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"تويوتا" FCV تستعرض تقنية خلايا الوقود وستطرح

GMT 18:18 2016 السبت ,21 أيار / مايو

بريشة:سعيد الفرماوي

GMT 16:29 2020 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

إيطاليا تدعو إلى استئناف إنتاج وتصدير النفط الليبي دون شروط
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya